ما وراء زيارة قيس سعيد الى السعودية
لم يتردد رئيس الجمهورية قيس سعيد في المشاركة في القمة العربية الصينية المنعقدة في العاصمة السعودية الرياض ، وهو الذي يبحث عن تحالفات جديدة و يسعى الى بناء مفاهيم مختلفة لتصوراته السياسية . و قبل أيام من تنظيم الانتخابات التشريعية المثيرة للجدل ، توجه الرئيس قيس سعيد يوم امس الى السعودية و التقى خلال اليوم الجمعة الرئيس الصيني شي جين بينغ و الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي .
و يبدو من الواضح أن الرئيس قيس سعيد يسعى الى التقرب من الصين في الوقت الذي تشهد فيها علاقته بالولايات المتحدة الامريكية ركودا واضحا منذ إعلانه إجراءات يوم 25 جويلية 2021 التي قام بمقتضاها بإعفاء رئيس الحكومة ثم تجميد البرلمان قبل حله في شهر مارس الماضي . إجراءات لم تلقى ترحيبا من الولايات المتحدة الامريكية الامر الذي دفع الرئيس قيس سعيد الى البحث عن تحالفات جديدة و مناصرين جدد عله يخرج من نفق الانتقادات و المعارضة التي يوجهها في الداخل و الخارج .
و التقى رئيس الجمهورية صباح اليوم الجمعة بالرئيس الصيني ، و نوه خلال اللقاء بعلاقات الصداقة القائمة بين تونس والصين، وأكّد على أهميّة مواصلة العمل وفق إرادة وقيم مشتركة من أجل مزيد تعزيز هذه الروابط وترسيخها في إطار ثنائي وإقليمي لا سيّما في ظلّ ما يشهده العالم اليوم من تحولات عميقة وتغيرات متسارعة ، وفق بلاغ قرطاج . و تحدث قيس سعيد عن تجارب التعاون الثنائي الفارطة التي جمعت البلدين و التي كانت مثمرة وبناءة " مما يُشجّع على استشراف فرص جديدة للشراكة مع الصين لتنفيذ برامج تنموية واستثمارية في تونس على غرار مشروع مدينة الأغالبة الصحية بالقيروان، وبرامج توليد الطاقة الكهربائية والطاقات المتجددة، ومشاريع تحلية المياه في الجنوب التونسي، وغيرها من المشاريع ذات الاهتمام المشترك " ، وفق تعبيره .
و بحسب بلاغ رئاسة الجمهورية أكد الرئيس شي جينبينغ حرص بلاده على مزيد تعميق روابط الصداقة والتعاون التاريخية مع تونس بما يخدم مصلحة الشعبين، و شدد في كلمته على دعم الصين لتونس واحترامها لسيادتها الوطنية ولخيارات شعبها وثقتها في قدرتها على إدارة شؤونها وتجاوز الصعوبات التي قد تعترضها. في هذا الأطر وجّه رئيس الجمهورية ، قيس سعيد دعوة إلى "شي جينبينغ " لزيارة تونس، كما تلقى دعوة رسمية من نظيره الصيني لزيارة بيكين.
قد يبدو هذا اللقاء في ظاهره عاديا و معتادا بين رؤساء الدول ، لكنه يحمل في طياته رسائل سياسية لمحور الولايات المتحدة الامريكية و حلفاءها ، و هو ما كشفته كلمة قيس سعيد في افتتاح القمة و التي عبر فيه عن أمله في طريق جديدة وتغيير الواقع، والبحث عن افكار ومفاهيم جديدة ومختلفة ، حسب تعبيره . و انتقد رئيس الجمهورية " العولمة " داعيا الى ضرورة اعتماد مقاربة جديدة، قائلا " اذا كانت العولمة قد بلغت مداها و انقلبت على ذاتها فيجب تغيير هذه التحولات بمقاربات جديدة بعيدا عن المحاور و التي يرتب فيها الشعوب ترتيبا تفاضليا " . و شدد قيس سعيد على ضرورة أن تكون التنمية في العالم ملموسة و حقيقة " لا شعارا " مشيرا في كلته الى ضرورة بناء تاريخ جديد بمنأى عن تحالفات يرتب فيها البشر ترتيبا تفاضليا ، و أضاف في قوله " لم تتسبب بلداننا في ثقب الأوزون و لا في البقر المجنون و لا في نفوق الطيور لكن شعوبنا هي التي دفعت الثمن و دفعته باهضا ... نحن اليوم نجتمع لتغيير الواقع لنبحث عن مفاهيم جديدة و أفكار مختلفة فلنعمل معا على إرساء عالم جديد قوامه التنمية و الامن و السلام " .
و للإشارة و في الوقت الذي عبر فيه الرئيس قيس سعيد عن رغبته في تأسيس تاريخ جديد و تغيير الواقع ، حرصت السعودية على توقيع 20 اتفاقية أولية بقيمة تناهز 110 مليار ريال سعودي مع الصين ، ثم و في تصريح لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان اليوم الجمعة قال الأمير السعودي أن بلاده تريد التعاون مع كل من الولايات المتحدة والصين مشددا على أن بلاده لا تأمن بالاستقطاب أو الاختيار بين شريك وآخر، و ستواصل العمل مع جميع شركائها.
من الواضح أن مشاركة الرئيس قيس سعيد في القمة العربية الصينية ، و حرصه على الحضور وجاهيا في القمة وراءها رغبة في التقرب من المحور الصيني ، و بناء علاقات متجددة مع هذه القوة الاقتصادية التي تمثل 18.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي . لكن سعيه في تغيير المفاهيم و المحاور كما وصفها لم تصاحبها تغييرات في الداخل و في بلادنا التي تعاني أزمة اقتصادية خانقة . فهل تغيير المفاهيم أولى من تغيير الواقع التونسي المتأزم ؟
ر.ع
تعليقك
Commentaires