ما هو الاقتصاد الاجتماعي التضامني ؟
من واحات بلدة صغيرة بولاية قبلي تُدعى جمنة، الى قبة باردو، انتهت رحلة مشروع قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني بالمُصادقة عليه في جلسة 17 جوان 2020. حلم تونسي انطلق من تجربة أرض بلا فلاحين وفلاحين بلا أرض، ليـُصبح اليوم واقعا.
مُخجل أن يحضر الجلسة المخصصة لمناقشة هذا القانون 132 نائبا فقط من ضمن 217 طالما كانوا حاضرين للمداولة في "لوائح" اللّغو التي لا علاقة لها بالأولويات التشريعية، لكن المشروع تم تمريره برمته بأغلبية 131 صوتا، ورفض وحيد.
الاقتصاد الاجتماعي التضامني هو فلسفة اقتصادية تطرح نفسها كبديل لمنوال التنمية الهشّ عبر تجارب تعاضدية بين المحليات والدولة، لا تهدف فقط للربح المادي، حيث تجعل الاقتصاد في خدمة المجتمع دون التخلي عن الدور الاجتماعي للدولة. يُعرفه مشروع القانون كقطاع اقتصادي يضم أنشطة اقتصادية ذات أهداف اجتماعية ليس هدفها الاساسي مراكمة الثروة، وتهدف الانشطة الى الادماج الاقتصادي والتنمية التي تقوم بها تعاضديات أو جميعات تستغل الاقتصاد لصالح المجموعة على اعتبار تفضيل الانسان والمصلحة الاجتماعية على رأس المال. هو اذا نمط لا مركزي تنموي مواطني، يقوم على المصلحة العامة.
عموما، أهداف هذه المنظومة الاقتصادية هي بعث مشاريع تشاركية محليّا تحقق هامش ربح للمساهمين ويُصرف الفائض لتحقيق أهداف اجتماعية. تستطيع هذه المنظومة بالتالي اصلاح هنّات المنوال الليبرالي الذي لن يقدر على تحقيق الادماج المهني والاجتماعي لكلّ الفئات المجتمعية. في المشهدية العامة، لا يمثل هذا القطاع مشروعا موازيا للمنوال الاقتصادي التونسي، بل هو طريقة لتطوير تمثلات الدولة عن الاقتصاد والتنمية، بما يتناسب مع خصوصيات جهاتها.
الدليل على أن هذا القانون ليس تجربة هدم تريد التمرد على الدولة أو أنموذجها الاقتصادي هو أنّ الدولة نفسها ستكون راعية للقطاع. بموجب هذا القانون سيتم احداث المجلس الأعلى للاقصاد الاجتماعي والتضامني وهو هيئة حوكمة وتسيير لهذا القطاع الجديد مُلحقة برئاسة الحكومة، يقوم المجلس بمتابعة المشاريع وتقييمها واقتراح القوانين والتوجهات الكبرى للقطاع في تكريس للصبغة التشاركية بين مكونات القطاع التضامني والدولة المُؤطرة لها.
يحمل القانون الاساسي مؤسّسات تنظيمية تهيكل القطاع ويضع الأسس القانونية لتأسيس بنك تعاوني يقوم على مساهمات المشاركين فيه، ويكون وسيلة لتمويل مشاريع هذا القطاع الجديد بالاضافة الى احداث خط ضمان التمويلات المسندة الى مؤسسات الاقتصاد التضامني الاجتماعي من قبل البنوك ومؤسسات التمويل. القانون سيُسهم في خلق الدينامكية الاقتصادية المحلية وادماج مختلف الفاعلين الاقتصادين الصغار في الدورة الاقتصادية، مما سيفك عزلة "التهميش" ويسمح لهم بالمشاركة في النقاش العام كذلك بهدف تطوير الاقتصاد الوطني تماما كتجربة جمنة، التي كانت مُنطلق التفكير في التطوير التشريعي للاقتصاد التونسي والتفكير في افاق جديدة.
يحدد القانون الاساسي المُصادق عليه شروطا تلتزم بها مؤسسات الاقتصاد التضامني أهمها أنّ العضوية والانسحاب طوعيان وأنّ المشارك في التجارب التعاضدية له حق التصويت مهما كانت قيمة مُساهمته وهو ماتعلمه اتحاد الشغل من فشل تجربة التعاضد التي خاضتها الدولة التونسية في الستينات -بناء على الرؤية الاقتصادية للمنظمة الشغيلة بعد الاستقلال- بسبب إجبارية الانخراط، وطريقة التسيير غير الديمقراطية التي تُهيمن عليها السلطة. كما يحث الدولة على تركيز ودعم وتأطير مبادرات الاقتصاد التضامني والاجتماعي وتبسيط الإجراءات وتسهيل المسار البيروقراطي لإنشاء المشاريع. كما ينص على انشاء منظومة وإدارية خاصة بالمبادرات الاقتصادية التضامنية والاجتماعية.
بدأت قصة التجربة النموذجية للاقتصادي التضامني بواحات جمنة مع الاستعمار الفرنسي، متى استولى المستعمر على أراضي الفلاحين بالجهة وأصبح يُدعى هنشير "المُعمّر". بعد الاستقلال، تم تأميم الأراضي وأُلحقت بأملاك الدولة. انطلقت في الستينات أوّل تجربة تعاضدية لكنها لم تُكلل بالنجاح، واسترجعت الدولة أراضيها وأجرّتها الى شركة "ستيل" ثم الى مؤجرين خواص. في 2011، استولى أهل الجهة على أرضهم مجددا، وكوّنوا لجنة تسيير ليقوموا باستغلال الأراضي وبيع صابة التمور واقتسام المرابيح واستغلال جزء من المرابيح لتنمية جهتهم. في أقل من عشرة سنوات، نجح المواطنون في رفع مرابيح الأرض من 500 الف دينار الى أكثر من مليون و700 ألف دينار. ورغم خلاف بين وزارة أملاك الدولة والجمعية التي تسير التجربة التضامنية، فان الدولة والأهالي توصلوا الى اتفاق أسسّ الى روابط تكامل وشراكة لتبني هذا النمط الاقتصادي البديل.
بعد اعداد دام لسنوات من قبل أكثر من 18 خبيرا اقتصاديا واجتماعيا، قدّم الاتحاد العام التونسي للشغل مشروع القانون للبرلمان في نوفمبر 2016، وبعد شوط طويل، سيرى النموذج الاقتصادي الجديد النور وبفضل التجارب المحلية واستئناسا بالتجارب المقارنة، ستتمكن تونس من نقل القانون من الفكرة الى التطبيق.
"نموذج المستقبل هو وجود اقتصاد متوازن، بقطاع خاص تقليدي وقطاع عمومي فعال، واقتصاد اجتماعي في طور التقدم". كان رأي عالم الاقتصاد جوزيف ستيغليتز بهذا القطاع. اذ لا يُعتبر كقطاع موازي للنظام الاقتصادي الذي تتبناه الدولة بل هو دعامة له، بحيث يكون العجلة الثالثة التي تنضاف الى القطاعين العمومي والخاص.
النص الاصلي لمشروع الاقتصاد الاجتماعي التضامني
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires