بعد أن كانت جوهرة المشهد الإعلامي التونسي في زمن سابق، اليوم تتهم مؤسسة التلفزة الوطنية بسرقة الملكية الابداعيّة- حيث تم معاقبتها من منصة يوتوب من أجل خرق قوانين حقوق التأليف والنشر. بعد عدة تحذيرات ، قامت المنصة الأكبر عالميا في مجال الفيديو  بحذف حساب القناة ومشتركيها البالغ عددهم مليوني مشترك.

لعقود كان التلفزيون العمومي مصدر سعادة وفخر للتونسيين. كانت القناة  ببرامجها ومسلسلاتها توحد  التونسيين وتجمعهم، مع وصول المنافسة في منتصف  السنوات 2000 ، بدأت المؤسسة في التراجع. ساءت الأمور مع رحيل العديد من صحفييها النجوم إلى القنوات الخاصة والبلدان العربية.

بعد الثورة واجهت القناة منافسة من قناة الحوار لسامي الفهري ونسمة لنبيل القروي وتم ازاحتها تقريبا من المشهد.

أصبحت حرية التعبير مضمونة  بعد 2011، مما يحيل إلى أن موظفيها البالغ عددهم 1100 لديهم الفرصة للقيام بعمل رائع بالوسائل الهائلة المتاحة لهم. لا تمتلك أي من القنوات الخاصة 10٪ من الموارد المادية والبشرية للقناة العمومية  ، وأكثر من 98٪ منها ممولة من قبل دافعي الضرائب.

استمرارًا في اتجاهها في التراجع الممنهج ، ساءت الأمور بعد انقلاب 25 جويلية  مع تعيين  المديرة العامة بالنيابة عواطف دالي، احدى مساندي السلطة. أصبحت المؤسسة  أداة دعاية للسلطة الانقلابية ولم تعد تحترم أخلاق مهنة الصحافة ومشاهديها.

شهدت مؤسسة التلفزة الوطنية أمس الخميس  27 أكتوبر ، فضيحة كبرى.  بحذف حساب قناة الوطنية 1 على يوتيوب بعد عدة تحذيرات واتُهمت القناة بسرقة محتوى فكري.

هذه الممارسة شائعة في المشهد الإعلامي التونسي. تعرف بيزنس نيوز  شيئًا عن هذا من خلال السرقة المنتظمة واليومية لمقالاتها من قبل عدد كبير من الصفحات  والصحف المنافسة.

رفض صانع محتوى شاب أن يُسرق عمله دون رد فعل. ربيع بن إبراهيم  هو شاب ينتج مقاطع فيديو مذهلة للمناظر الطبيعية وتروج للسياحة والثقافة التونسية بطريقة تحبس الأنفاس.

في البداية، لاحظ بن إبراهيم بث بعض المقتطفات من مقاطع الفيديو الخاصة به دون إذن ، دون ذكر المصدر  من قبل وزارة الثقافة. واتصل  الشاب بمسؤولي وزارة الثقافة الذين اعترفوا  بذلك واعتذروا.

لاحظ كذلك سرقة أعماله من قبل التلفزة الوطنية، بصفة متكررة وعلى الرغم من شكواه ، فقد وجد أن  المؤسسة تتمادى ولم تعد تبث مقتطفات فقط بل مقاطعا كاملة  عن طريق إزالة شعاره واسمه وأي أثر له و  واستبداله بـ "الوطنية 1". في هذه العملية ، يتم حذف الصوت الأصلي بحيث لا يتم اكتشاف السرقة بواسطة الذكاء الاصطناعي في يوتوب.

كان على صانع المحتوى المطالبة بحقوقه مع  موقع يوتوب، إذ لم يكن بإمكانه فعل أي شيء آخر لإجبار المؤسسة على التوقف عن سرقة مقاطع الفيديو الخاصة به. العملاق الأمريكي ،  يملك التزاما وجدية فيما يتعلق بحقوق النشر ، فقام لأكثر من مرة بارسال تنبيهات لصفحة الوطنية الأولى. ومع ذلك ، فإن هذا لم يجعل التلفزيون يتفاعل  حيث واصلت القناة السرقة دون أي اعتذار أو تراجع.

اتصات بيزنس نيوز بالمكلف بالاتصال في مؤسسة التلفزة، ووعدنا بالعودة إلينا للحصول على رد رسمي بعد عشرين دقيقة. لم يتم الوفاء بهذا الوعد. سنحرص على نشره لاحقًا إذا أرسله إلينا.

 كان من المفترض ان يتسبب حذف الحساب بفضيحة وطنية. إلا أن هذا ليس هو الحال. في المشهد الإعلامي التونسي ، قليلون هم الذين ذكروا هذا الموضوع.

على مواقع التواصل الاجتماعي، حدث عكس ما كان متوقعا وتعرض الشاب ربيع بن إبراهيم  لحملة تحريض وشتم على مواقع التواصل الاجتماعي!

 لحسن الحظ ، لا يزال هناك عدد قليل من الأشخاص العقلاء في البلاد للدفاع عن حقوق التأليف المنهوبة.

"التلفزة الوطنية ارتكبت سرقات متكررة ومتعمدة. تقوم بسرقة المحتوى وتعديله و إزالة أي عنصر يتعلق بالمؤلف الأصلي. فعلت ذلك عن علم. لم تعد ممارسة استثنائية بل ثقافة عميقة الجذور. ثقافة الاستيلاء على عمل الآخرين من خلال الاعتقاد بأن لهم الحق في ذلك دون أي مساءلة. (...) فضيحة حقيقية ، تكشف أن الرداءة وقبل كل شيء ممارسة منتشرة. كل تضامني مع هذا الشاب وكل من سرقت جهودهم.  " كتب مهدي كتو، الصحفي ومقدم البرامج في محطات إذاعية وتلفزيونية خاصة.

 كتب المنتج نجيب بلقاضي: "إن إغلاق قناة يوتيوب التابعة للقناة الوطنية بسبب الانتهاكات المتكررة لحقوق النشر (استخدام الفيديوهات من قبل مصور الفيديو الحالم دون موافقته) هو صفعة مستحقة على وجه نظام لديه انتهكت الملكية الفكرية دون خجل على مدى عقود. في دولة أخرى تحترم مبدعيها تعتبر هذه فضيحة دولة! ".

في بلد يحترم نفسه ، كان الصحفيون الذين ارتكبوا هذه السرقة سيُطردون ويقدمون إلى العدالة. نفس الشيء بالنسبة لأولئك المسؤولين الذين لم يستجيبوا لشكاوى ربيع بن إبراهيم.