قرطاج- القصبة- باردو : السجال الذي لم ينتظر نهاية كورونا
تنظيم الأولويات والتركيز في معركة الجائحة الغالبة على أيّ لغط جانبي اخر كان أبرز ما جاء على لسان رئيس الحكومة الياس الفخفاخ حين سأله الصحفي توفيق مجيّد في حواره على فرانس 24 عن موقف القصبة من الجلبة "الثورية" المُنادية باسقاط الحكومة.
قد تبدو اجابة الفخفاخ مُناسبة لسياق زمن الأزمة، لكنّ رئاسة الحكومة ليس الوحيدة التي يُراد لها أن تنجر الى المعارك الهامشية، صراعات قد لا تبدو ضارية في الوقت الحالي لأنّ ما يشغل الرأي العام واعلامهُ هو بداية نجاح تونس في محاصرة الوباء، لكن ذلك لا يمنع ضوضاء السجالات خارج منظومة الحكم وداخلها من التسرب للفضاء العام.
قرطاج وباردو – حرب التصريحات
دأب رئيس الجمهورية منذ أن مرشحا لهذا المنصب على تضمين نظرية خيانة المؤتمن في خطاباته وحضوره الاعلامي القليل لمحاولة اقناع الرأي العام أن من زكوهم ليكونوا النخبة التي تقود البلد الى اشعاعه، هم بصريح عبارته "خونة ومتأمرون". هاجس الرجل أن يُذّكر في كلّ مرة أن التغيير قادم دون أن يقول متى أو كيف، وأن الفساد موجود دون أن يشير لمن أو أين. وبينما يمكن لوم رئاسة الجمهورية على محتوى الخطاب الذي يظهر تشظيا في العلاقة بين المؤسستين الرئاسية والتشريعية، الا أنّ الأدهى هو توجه النائب الاسلامي عن الكرامة سيف الدين مخلوف بتهديد ضمني لرئيس الدولة عبر منبر مجلس النواب بلغة لا تختلف عن المعجم التحريضي الذي استخدمه سعيد. مرد الجدل هو أنّ قيس سعيد كان قد صرح خلال تدشينه للمستشفى العسكري الميداني في قبلي، أن الشعب قادر على سحب الوكالة ممن خان الأمانة وخان الوكالة معلقا "لو كان النائب مسؤولا أمام ناخبيه وكان بإمكان الناخب أن يسحب الثقة لما احتاجوا أصلا لمثل هذا الخرق الجسيم للدستور"، ليرد مخلوف بنبرة تصعيدية "كلامك في دعوة للتمرد ضد النواب والمؤسسات المنتخبة وإذا تواصل هكذا سنطبق أفكارك ضدّك لنسحب منك الثقة.. وهذا إنذار أخير".
ثورة الجياع، دون ثوار
الثورة الثانية (المضادة) هي الحلم الذي يقتات عليه من لم تضعهم الثورة الأولى في واجهة المشهد السياسي، أو تحالفوا لوقت قصير مع الحركة الاسلامية التي استغلتهم ثم حرصت على موتهم سياسيا. دون أن ننفي أن الاحتجاج فعل يضمنه الدستور، لا يمكن للصفحات الممولة والخطابات الداعية لحرب أهلية و تقاتل في الشوارع من "مدونين" و"ناشطين" يمكن أن تكون بريئة. ثورة الجياع واعتصام الرحيل 2 هي دعوات على فايسبوك لاسقاط الحكومة ومجلس النواب تدعو لارساء جبهة انقاذ وطنية متكونة من ثامر بديدة، نيبل الرابحي واسامة بن عرفة وذلك لاسقاط البرلمان والقيام باستفتاء شعبي لتغيير تظام الحكم. لنذكر، أنّ النيابة العمومية فتحت تحقيقًا حول "دعوات تحريضية عبر مواقع التواصل ضد بعض مؤسسات الدولة". لا نعرف بعد من هم "الجياع" الذين سيقومون بهذه الثورة في جوان المقبل، لكنهم بالتأكيد لا يتنزلون ضمن سجل التونسيين المشغولين بالسلامة الصحية ومعاضدة جهود دولتهم التي تقود انتصارها ضدّ وباء سقطت أمامه كبرى الدول.
ليبيا، النهضة، عبير موسي
نتكلم عن ليبيا وكأنها "الاخر" البعيد عنا والذي لا يؤثر فينا، لكنها ما تنفك تعود الى فضائنا العام اما في شكل تحديات أمنية أو في شكل اتهامات متبادلة بين السياسيين. أثار تصريح رئيس كتلة النهضة نور الدين البحيري بشأن وجود أطراف في تونس ممولة من الخارج مساندة لحفر استغرابا واسعا، من صدور اعتراف من داخل السلطة بوجود صراع ليبي في تونس بين المحاور الاقليمية، خاصة وأنّ تصريح البحيري لحق اتهام رئيسة كتلة الدستوري الحر عبير موسي النهضة بأنها تسعى لفتح المجال لتركيا ببعث قاعدة لوجيستية يريد راشد الغنوشي تمريرها في البرلمان عبر اتفاقيات تسمح لتركيا بالتواجد في تون والمرورو عبرها الى ليبيا. ما أثار الجدل هو أن تعليق البحيري، الرجل الثاني في النهضة، كان " المنطقة تعيش حربا بين قوى الشر وقوى الثورة" غير مفسرا من هم قوى الثور المزعومة وما دخل تونس في هذه الحرب. موسي أخذت الجدل الى أروقة المحاكم متهمة الغنوشي بالتخابر مع تركيا لصالح رئيسها اردوغان حتى يتسنى له الدخول للاراضي الليبية، بينما كان تعليق التهضة عل لسان رئيس كتلتها البرلمانية أنه يوجد أطراف تتلقى دعما أجنبيا لدعم سياسيات حفتر، وتدفع أموالا لتأليب الراي العام وتجييشه ضد مؤسسة البرلمان ورئيسه راشد الغنوشي.
خصومة الحكومة الواحدة
تجاوز المناكفات الفرقاء السياسيين لتمر لأعضاء الحكومة الواحدة التي تشهد حربا باردة بين الشعب والنهضة فسرها رئيس الحكومة بكونها "اختلافا ايديويوجيا بين العائلات الفكرية."
"النهضة تريد إخراج حركة الشعب من الائتلاف الحاكم، بعد أن وجدت نفسها في واقع مفروض عليها. دعوتها إلى توسيع التحالف الحكومي هو رغبة في ازاحة حركة الشعب من السلطة" هكذا كان تصريح أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي ردا على دعوات النهضة لحكومة وحدة وطنية. أصل هذا الجدل هو مراسلة قدمها نائب الشعب هيكل المكي لراشد الغنوشي وصفه فيها بـ"كبير الإخوان المتأسلمين بتونس"، وحمّله "المسؤولية عن سلامته الشخصية بسبب تجنّد صفحات تابعة لحركة النهضة ضده". النهضة اعتبرت هذا استهدافا لرئيسها، ووزيرها عبد اللطيف المكي الذي وصف المغزاوي نجاحه في مواجهة كورونا بأنه نجاح فريق من العلماء وليس المكي وحده. تواصل السجال عبر الترصحيات الاعلامية بين قيادات الشعب والنهضة، فيما كانت التحاليل متجهة الى أن الامر متوقع بسبب هشاشة الائتلاف الحكومة الذي جمعته مرحلة ظرفية مقابل اختلاف جذري في الرؤى.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires