alexametrics
الأولى

محافظ البنك المركزي في امتحان أمام البرلمان

مدّة القراءة : 4 دقيقة
محافظ البنك المركزي في امتحان أمام البرلمان

 

 منذ الإعلان عن قرار مجلس إدارة البنك المركزي التونسي، الترفيع بمائة نقطة في نسبة الفائدة المديرية، من 6,75 % إلى 7,75 %، وجد مروان العباسي، محافظ البنك المركزي نفسه وحيدا في مواجهة الجميع .. فالقرار أغضب كل الأطراف بلا استثناء. فهي المرة الأولى بعد الثورة التي لم يجد فيها قرار ما، مساندة من أي جهة كانت، لأنه لا يخدم مصلحة أي طرف.

 

فالكل ضد هذا القرار، من فلاحين وشغالين وأصحاب مؤسسات وأحزاب حاكمة وأحزاب معارضة، حتى الحكومة (دون التصريح بذلك)، جميعهم اعترض على هذا القرار وهو الخامس من نوعه منذ 2017. الهجومات انهالت على محافظ البنك المركزي من كل حدب وصوب .. الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والمنظمة الثانية للأعراف "كونكت" والأحزاب السياسية من داخل منظومة الحكم وخارجها .. جميعهم عبَّروا عن استيائهم وغضبهم وقلقهم واستفساراتهم حول قرار مجلس إدارة البنك المركزي التونسي.

 

المسؤول الأول عن البنك المركزي، المؤسسة الوحيدة المسؤولة بنص القانون عن استقرار الأسعار والتحكم فيها، لم يتملَّص من المسؤولية بل بالعكس فقد عقد من الغد ندوة صحفية لتوضيح أسباب ذلك القرار .. لكن يبدو أن مساعيه لم تُقنع بقية الأطراف لتصوَّب نحوه كل الانتقادات رغم محاولاته المتكررة لبيان الأسباب الاقتصادية والمالية التي كانت وراء اتخاذ ذلك القرار والتي يعتبر عديد الخبراء المختصين في هذا الشأن أنها أسباب وجيهة.

 

العباسي كانت له اليوم الاثنين مواجهة مع نواب الشعب في إطار جلسة عامة تحت قبة البرلمان خصصت للاستماع له حول أسباب اتخاذ قرار الترفيع في نسبة الفائدة المديرية .. المحافظ الجديد للبنك المركزي كان مطالبا خلال هذه الجلسة بتقديم الإيضاحات والتبريرات والتفسيرات اللازمة بخصوص هذا القرار الذي اتخذه دون استشارة مسبقة وكأن الجميع مخطئون وهو فقط على صواب ؟!.

 

بدا مروان العباسي كتلميذ نجيب، مراجعا دروسه ومتمكنا من كل الملفات لتفسير أسباب قرار لا يخدم مصلحة أي جهة، فهو ليس في مصلحة التونسيين ولا الفاعلين الاقتصاديين ولا حتى الدولة .. لكنه شر لا بد منه لتفادي نسبة تضخم من رقمين. وفي هذا الصدد اعتبر العباسي أن التضخم آفة بالنسبة للاقتصاد وأن أي تأخير في اتخاذ القرار قد تكون له انعكاسات وخيمة، ملاحظا أن قرار مجلس الإدارة كان اتخاذه صعبا جدا ولكن لم يكن هناك حلول أخرى. وعملا بمبدأ "الوقاية خير من العلاج" فقد ارتأى البنك المركزي الترفيع في نسبة الفائدة المديرية قصد الحد من نسبة التضخم في موفى 2019.

 

بالنسبة إلى البنك المركزي التونسي لا توجد حلول أخرى  غير الترفيع في نسبة الفائدة المديرية وهي نتيجة طبيعية وحتمية للوضع الاقتصادي الاستثنائي الذي لم يسبق أن عاشته البلاد من قبل على جميع الأصعدة. فعجز الميزان بلغ مستويات مفزعة (11,2%) وهو ما أثر سلبا على انزلاق الدينار .. هذا العجز الذي تفاقم بشكل خطير منذ 2014 خاصة بسبب تدهور الميزان الطاقي للبلاد (+ 2 مليار دينار في سنة واحدة). يضاف الى ذلك تراجع انتاج الفسفاط الذي مر من 8 ملايين طن في 2010 الى حوالي 3 ملايين طن حاليا .. كلها عوامل ساهمت في زيادة عجز الميزان التجاري.

 

ولئن عرف الميزان الغذائي وقطاع السياحة تحسنا ملحوظا، فإن محافظ البنك المركزي ذكَّر بأن الليالي المقضاة من قبل السياح في 2018 لم تتجاوز 17 مليون ليلة، في حين انها كانت في حدود 29 مليونا في 2010. كذلك الشأن بالنسبة إلى المداخيل من العملة الأجنبية التي كانت بلغت 2 مليار يورو في 2010 وهي اليوم لا تتجاوز مليار يورو، ويعود هذا التراجع بالأساس الى تراجع أهم الأسواق التقليدية الأوروبية التي يمر مواطنوها بالمسالك القانونية عند الحجز بالفنادق وصرف العملة، خلافا للسياح الجزائريين والليبيين الذين يمرون بسوق الصرف الموازية كما لا يحجزون بالضرورة في الفنادق. مما أن تراجع قيمة الدينار التونسي ساهم في ارتفاع العجز الجاري وخدمة الدين.

 

في ما يتعلق بسوق الصرف ومخزون العملة الصعبة،  دعا محافظ البنك المركزي إلى تركيز آلية تمكن من تعديل الصرف، "عبر سن قانون يهدف إلى تشجيع من يمتلكون مبالغ من العملة الصعبة خارج المسالك القانونية، على إيداع أموالهم في البنوك للاستفادة من مردودها وتجنيب البلاد عبء التداين الخارجي".

 

كما لم يفت محافظ البنك المركزي أن يذكِّر بأن تدهور الدينار التونسي بدأ منذ 2015، على إثر العمليات الإرهابية بمتحف باردو وأحد الفنادق بسوسة، اعتداءان كانت لهما انعكاسات وخيمة على القطاع السياحي، مع تراجع رصيد الثقة في تونس كوجهة سياحية وتخفيض ترقيم البلاد.

 

حسب مروان العباسي فإنه حتى ولو كان الجميع ضد قرار البنك المركزي التونسي الترفيع في نسبة الفائدة المديرية، فإن مؤسسة الإصدار لم كيان أمامها خيار ثان .. فلو لم يتم اتخاذ ذلك القرار، لكان رصيدنا من العملة الصعبة أقل من 84 يوما وهو ما قد يدفع بوكالات الترقيم بأخذ ذلك في الاعتبار.

 

بعبارة أخرى الوضع اليوم كمن يشتكي من الانفلونزا ويرغب في الشفاء العاجل .. أمامه خياران إما علاج سريع بلا جدوى أو آخر ناجعا لكن يتطلب وقتا أطول .. بالنسبة إلى التضخم فالعلاج السريع لن يعطي مفعوله قبل انقضاء 8 أشهر تقريبا وهو علاج مؤلم لكنه بيد البنك المركزي .. هناك أيضا علاج اقتصادي لكنه بيد الدولة (استثمارات، إنتاجية ...) وهو حل بعيد المدى.

 

عندما يقر  البنك المركزي التونسي بأن الترفيع في نسبة الفائدة المديرية ليس في مصلحة أحد نتفهم ذلك جيدا خاصة إذا ما علمنا أن جملة القروض في البلاد هي في حدود 80 مليار دينار، نصيب المواطن منها يبلغ 20 مليار دينار ونصيب الفاعلين الاقتصاديين 40 مليار دينار في حين أن الدولة لديها قروض لدى البنوك التونسية لا تقل عن 22 مليار دينار أي أن الدولة هي المتضرر الأكبر من ذلك القرار .. المفارقة هي أنه في صورة عدم اتخاذ أي قرار من البنك المركزي، فإن التضخم كان سيبلغ نسبة من رقمين، في حين أن هذه المؤسسة لا يمكن لها بأي حال من الأحوال، بحكم ما ينص عليه القانون وقانونها الأساسي، المساهمة في زيادة التضخم. أي أنه في حالة تم منعها من ممارسة حقها في الترفيع في نسبة الفائدة المديرية، فإنه سيستحيل غدا محاسبتها في صورة ارتفاع مشط في نسبة التضخم.

 

(ترجمة للنص الأصلي بالفرنسية)


 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter