alexametrics
الأولى

مشروع قانون المسؤولية الطبية وحقوق المرضى.. هل يؤسس للديمقراطية الصحية؟

مدّة القراءة : 4 دقيقة
مشروع قانون المسؤولية الطبية وحقوق المرضى.. هل يؤسس للديمقراطية الصحية؟

 

تستمر أصوات بكائيات الموت على أطفالنا منبعثة من مستشفياتنا العمومية، تلك التي تحولت عناوين المأساة، هناك حيث أصبح الموت الأسود خاطفا لصغارنا بتبريرات عدّة، تحت مسمى الإهمال والأخطاء الطبية وانعدام الإمكانيات، والموت الطبيعي.. ،هناك في أغلب المستشفيات العمومية حيث دق المسمار الأخير في نعش الصحة العمومية.


ثلاثي الأسبوع: وفاة الرضع واعتداءين بالعنف على إطارات طبية

 

مثلت حادثة وفاة سبعة رضع بمستشفى محمد التلاتلي بولاية نابل حادثة الموت الثانية للطفولة المبكرة، بعد حادثة وفاة 11 رضيعا بمستشفى الرابطة بالعاصمة، حادثتين لا يكاد يفصل بينهما ثلاثة أشهر، حوادث موت واحدة، تشابهت أسبابها لنسمع نفس التبريرات من المسؤولين، وقد سبق الحادثة الأخيرة دق لنواقيس الخطر من قبل عديد الأطباء الذين اشتكوا الحالة الكارثية بالمستشفيات العمومية على مدى العشر سنوات الأخيرة مما حال دون تقديم الخدمات الصحية الناجعة.

يبدو أن السرطان الذي ينخر جسد المنظومة الصحية العمومية قد تمكن منها كثيرا، وجلّ أحداث الأسبوع تعزز القول بذلك فالحوادث الصحية حازت اهتمام وسائل الإعلام السمعية والبصرية ومثلت عناوين الصحف والأخبار.

ففي نفس هذا الأسبوع تواترت حوادث متنوعة وفي نفس اليوم 26 جوان شهدنا اعتداءا باستعمال سكين على إطار طبي بمستشفى محمود الماطري  بأريانة من طرف شخص في حالة  هستيرية، واعتداء بالعنف الشديد على طبيبة بمستشفى الرازي.

هذه الحوادث المتواترة والتي أودت بظلالها على الخدمات الصحية العمومية بالإضافة إلى مشاكل أخرى تتعلق بهجرة الأطباء والإطارات العليا في الصحة واستحواذ القطاع الخاص على النصيب الأوفر من الأطباء الداخليين وأزمة الصندوق الوطني للتأمين على المرض وغياب المعدّات وكثرة الأخطاء الطبية وتردي الخدمة الصحية وضبابية السياسة الصحية جعلت من الأطباء وكافة مكونات القطاع الصحي يطالبون بصوت واحد منذ سنة 2017 بتفعيل قانون المسؤولية الطبية وحقوق المرضى إثر الاحتفاظ بطبيب رهن الإيقاف بعد خطأ طبي أودى الى وفاة مريض.

قانون المسؤولية الطبية وحقوق المرضى، هل يحلّ أزمة القطاع الصحي؟

 

مشروع القانون الأساسي المتعلق بحقوق المرضى  والمسؤولية الطبية ينص على منح الحقّ للمتضرر أو وليه الشرعي أو ورثته المطالبة بالتعويض عن الضرر الحاصل له، في أجل أقصاه خمسة عشرة (15) سنة من تاريخ حصول الضّرر أو العلم بالفعل المنشأ للضرر. 
  
وينص المشروع الذي صادق عليه مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 28 مارس 2019 ، على أن تتحمل الهياكل والمؤسسات الصحية العمومية والخاصة المسؤولية عن إخلالها بالالتزامات المحمولة عليها قانونا وعن الأضرار النّاتجة عن التعفّنات المرتبطة بالعلاج وعن المواد والمنتجات الصحية الّتي تستخدمها. 

كما يضمن مشروع القانون، الرامي إلى إرساء إطار قانوني خاص يتعلق بحقوق المرضى وآليات الوقاية من المخاطر والأضرار المرتبطة بالعلاج وبنظام المسؤولية الطبية لمهنيي الصحة المباشرين لنشاطهم بصفة قانونية ومسؤولية الهياكل والمؤسسات الصحية العمومية والخاصة أثناء تقديمها للخدمات الصحية، التنصيص على إحداث حساب خاص في الخزينة يسمّى صندوق التعويض عن الأضرار المرتبطة بالعلاج ، وذلك بمقتضى قانون الماليّة. 

ويمول الصندوق، حسب مشروع هذا القانون بواسطة مساهمة الدّولة ومساهمة المؤسّسات العموميّة للصحّة والأقساط السنويّة المحمولة على مهنيي الصحّة المعنييّن بأحكام هذا القانون، والموارد الأخرى الّتي يمكن توظيفها لفائدته طبقا للتشريع الجاري به العمل. 

وقد عقدت لجنة الصحّة والشّؤون الاجتماعيّة بمجلس نوّاب الشعب يوم الخميس 13 جوان 2019 جلسة استماع إلى وزيرة الصحّة بالنيابة سنية بن الشّيخ خصّصت لمناقشة مشروع القانون الأساسي المتعلّق بحقوق المرضى والمسؤوليّة الطبيّة.

لعلّ هذا القانون الذي يثير حاليا جدلا في الوسط الطبي من شأنه أن يقع في فخ الثغرات خاصة لصعوبة تحديد المسؤوليات وتحديد حقوق المرضى نظرا للخلط القائم بين المفهومين ولصعوبة تكييف الوقائع داخل المستشفيات العمومية  والتدخلات النقابية والتضامن القطاعي المفرط ولعدة أسباب أخرى لاحظناها في التحقيق حول وفاة الرضع وامتناع الممرضات عن الخضوع للتحاليل.

 

ويتضمن مشروع هذا القانون كذلك بأن لا يقع الاحتفاظ بمهني الصحّة أو إيقافه تحفّظيّا أو توقيع العقوبات المنصوص عليها بالفصلين 217 و225 من المجلة الجزائية، عليهم في علاقة بممارسته لأعماله المهنية، إلاّ إذا ثبت من خلال تقرير الاختبار المأذون به أنّ الأضرار الحاصلة كانت ناتجة عن إهمال جسيم من قبله،  ومشروع هذا القانون تناول في أحد بنوده أن مجلة  الإجراءات الجزائية والقانون الجزائي لا يأخذ بعين الاعتبار خصوصية مهنة الأطباء والصيادلة مما يعني طلب تغييره بما يتلاءم مع خصوصية المهنة.

 

 من حق الأطباء كغيرهم ضمان حقوقهم بالنظر إلى المصاعب التي يمكن أن تواجههم  أثناء أدائهم لمهامهم  والاعتداءات المتكررة خاصة في حالة وفاة مريض أو لغياب التجهيزات للكشف عن المرضى، ومن حق الأطباء أن يضمنوا حقوقهم إزاء الأخطاء الطبية الناجمة عن نقص الإمكانيات وغياب المعدات والأجهزة اللازمة تلك الخارجة عن نطاق مسؤوليتهم.

وقد تحدث مشروع هذا القانون عن كافة الأساليب القانونية التي من شأنها تنظيم خطة العمل بين الطبيب ومريضه ولضمان حق كل منهما،  لكن هل سيمكن هذا القانون من حل أزمة القطاع الصحي الذي يعاني إشكالات أكبر تتعلق أساسا بهجرة المواطن للطب العمومي وفقدانه الثقة في المستشفيات العمومية خلال السنوات الأخيرة وتوجه أغلب الناس بمختلف الفئات الاجتماعية نحو الطب الخاص وإشكال أخر أكبر يتمثل في العجز عن إيجاد حل ينهي فقدان طب الاختصاص بالجهات الداخلية.

 

وبالنظر إلى كافة الأزمات المتتالية والتي تنذر بانهيار القطاع الصحي العمومي بتونس فإنه من الضروري تركيز سياسة صحية شاملة وتجهيز المستشفيات العمومية بالمعدات اللازمة وحل أزمة فقدان الأدوية والقضاء على الفساد داخل هذا القطاع الحيوي و إرساء ديمقراطية صحية حقيقية بتشريك المريض في اختيار خضوعه للعلاج وفق ما يحترم حرمة الذات البشرية وما يضبطه القانون من أهليته للاختيار من عدمها وهو الباب الثاني من مشروع هذا القانون ومن الأهم أيضا التوجه نحو ثقافة علاجية جديدة تقوم على الثقة بين مختلف الأطراف على  أساس التزام مواطني أكبر من طرف الأوساط الأكاديمية على تقديم بحوث علمية فيما يخص جودة العلاج وسلامة المرضى، والمشاركة  أكثر في القرار السياسي لتقليص مشاكل القطاع وإرساء الإصلاح السياسي في الصحة بإتباع تجارب البلدان المتقدمة.

سناء عدوني

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter