محامي يقتل سارق ... قضيّة تهزّ الرّأي العام
تعتبر جريمة السرقة من الآفات التي تصيب المجتمعات،ويرتبط هذا النّوع من الجرائم بعدة عوامل من أبرزها الفقر والبطالة وتدني العوامل الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وهو ما يساهم في تنامي هذه الجريمة بشكل متزايد وتستهدف عمليّة السرقة ممتلكات الأشخاص ومقتنياتهم والتعدّي على حرمة مساكنهم، لذلك جرّم القانون التونسي هذا الفعل وصنّفه ضمن الجرائم التي يجب إعتماد العقوبات الرادعة فيها.
في هذا السياق هزّت قضيّة المحامي جمال الحاجي يوم أمس الأربعاء 17 جويلية 2019، الرّأي العام التونسي وأصبحت مصدر نقاش موسّع ودقيق لكلّ التّونسيين خاصّة نشطاء موقع التواصل الإجتماعي الفايسبوك، الذّين قاموا بمساندة المحامي والدّفاع عنه.
من هو المحامي جمال الحاجي وماهي قضيّته؟
جمال الحاجي محامي أصيل ولاية سوسة، تابع للفرع الجهوي للمحامين بسوسة، أضحى يوم أمس موضوع نقاش كافّة وسائل الإعلام ومحطّ أنظار الرّأي العام بعد إقدامه على قتل سارق ببندقيّة صيد حاول سرقة منزله، مما ساهم في إيقافه على ذمّة التحقيق في سوسة.
صورة الحادثة وفق أقواله في التحقيق:
جاء في روايته لوقائع الحادثة أنّه استفاق في غرفة نومه على صراخ زوجته على السّاعة الرابعة وعشرين دقيقة تقريبا، وهي تقول ''سارق .. سارق''، وحسب المحامي عضو لجنة الدفاع المحامي حافظ البريقي المكلف بملفّ زميله جمال الحاجي، فإنّ الأبحاث بيّنت أنّ السارق داهم المحامي في غرفة نومه وقام بالإستحواذ على هاتف زوجته بعد أن نزعه من الشاحن وكان قد استحوذ أيضا على مبلغ مالي بسيط عند دخوله لإحدى الغرف الأخرى، في هذه الأثناء نهض الحاجي مسرعا وتوجّه مباشرة إلى خزانة بالغرفة وأخرج منها بندقية الصيّد خاصّته التي له فيها كلّ التراخيص القانونيّة، وعند نزوله بالمدارج باحثا عن السارق، قال المحامي أنّه لمح خيال شخص يحاول الفرار، فأسرع في النزول لكنّه لم يجده وواصل البحث بفتح باب المنزل ليتأكّد من إمكانيّة هروب الجاني أو الجناة، في هذه اللّحظة بالذّات خرج الجاني وكان على مقربة من المحامي حاملا في يده جسم أسود، اتّضح فيما بعد أنّه آلة غاز مشلّ للحركة، وفي يده الأخرى يحمل قضيب حديدي، وهو ما يفيد تحوّز الجاني على غاز مشلّ للحركة وسلاح أبيض، قام المحامي بالصياح على السارق وأمره بالوقوف وصوّب نحو الأرض عيارا، أثبت محاميه أنّ آثار العيار كانت موجودة على الأرض، عندها استدار السارق وقد سقطت من يده آلة الغاز المشلّ للحركة وبقي بيده الآلة الحادّة، وحاول الإعتداء بها على المحامي وفق أقواله، في هذه اللّحظة أكّد الحاجي أنّ الطلقة النارية خرجت بطريقة غير إراديّة، وأنّه كان في حالة غير طبيعية نظرا لقيامه المباغت من النوم و صياح زوجته و تفكيره في سلامة أبناءه و توقعه حصول مكروه لهم و كذلك تفطنه لوجود شخصين على الأقل مع الجاني.
ووفق لسان الدّفاع فإنّ الحاجي أكّد أنّه قام بالإتّصال بشرطة النجدة في عدة مناسبات دون جدوى وقد تمّت معاينة هاتفه من قبل قاضي التحقيق وثبت ذلك، وأفاد في أقواله أنّه لم يعتقد لحظة واحدة أنه أصاب المعتدي باعتبار أنه لم يصدر عنه صياح و قد نزلت بعض قطرات دم لا غير بمكان الواقعة، ووفق لسان الدفاع فإنّ النزيف حصل للجاني فيما بعد حسب ما ثبت من الأبحاث.
ما بعد الحادثة:
اجتمع كلّ زملاء الحاجي من محامين وقضاة، من كلّ الفروع، وتحوّلوا إلى المحكمة إنتظارا منهم لنهاية التحقيق مع زميلهم، وقال عضو لجنة الدفاع المحامي حافظ البريقي أنّه وكافة زملائه في انتظار تقرير الطب الشرعي وتقرير الشرطة الفنيّة للوقوف على مختلف عناصر القضية واتّخاذ الخطوات المناسبة من قبل رئيس وأعضاء مجلس الفرع.
و اعتبر رئيس فرع المحامين بسوسة، هشام بن عبدالله، إنّ ما حصل للمحامي جمال الحاجي هي مسألة تهمّ الرأيّ العام، وهي تتعلّق بانتهاك حرمة مسكن مواطن قبل أن يكون محامي، وردّة الفعل كانت طبيعية لحماية نفسه وعائلته من هذا الإعتداء المتمثّل في السرقة، وإنّ القضاء هو السلطة الوحيدة التي خوّل لها الدستور والقانون أن تقيّم وقائع وتفاصيل القضيّة، إحتراما لخصوصيتها، وأكّد أنّ كافة المحامين يعملون على إقناع القضاء بتطبيق الفقرة الثانية من الفصل 40 في المجلّة الجزائيّة والذّي ينصّ على ''عدم إرتكاب جريمة في حالة كان الفعل واقعا لمقاومة مرتكبي سرقة أو سلب بالقوة''، والثّابت حسب قوله إنّ هذه الفقرة الثانية تنطبق على وضعيّة المحامي الّذي تصدّى لعمليّة سرقة.
كما قال المحامي والقاضي السابق صلاح البرقاوي إنّه لا يجب الخوض مع القضاء في تفاصيل القضية، وإنّ القانون وفصوله لا ينظرون لا لصفة الجاني ولا لصفة الضحيّة، والقانون يجرّم بعض الأفعال كما يبيح البعض الآخر منها، وفي حالة تعرّض أحد الأشخاص إلى هجوم يعرّض حياته وحياة أقاربه للخطر، فإنّ الفصل 39 من المجلّة الجزائيّة يطبّق عليه، ويعتبر هذا دفاعا شرعيا.
ما هو الدّفاع الشرعي وماهي نتائجه؟
يعرّف القانون الجزائي التونسي الدّفاع الشرعي على أنّه الفعل الذّي يقوم به الضحيّة لصدّ المعتدي، ويعدّ الدفاع شرعيا في حالة تناسب ردّة الدّفاع عن النفس مع الهجوم، أيّ أن يكون فعل المدافع متماشيا مع حجم ودرجة خطورة الهجوم.
نتيجة الدّفاع الشرعي يضبطها الفصل 39 من المجلّة الجزائيّة والذّي ينصّ على : لا جريمة على من دفع صائلا عرّض حياته أو حياة أحد أقاربه لخطر حتمي ولم تمكنه النجاة منه بوجه آخر.
وعرّف هذا الفصل الأقارب، أنّهم أوّلا الأصول والفروع، وثانيا الإخوة والأخوات، وثالثا الزوج والزوجة، أما إذا كان الشخص المعرّض للخطر من غير هؤلاء الأقارب فـ للقاضي الاجتهاد في تقدير درجة المسؤولية.
وبالتّالي فإنّ الدفاع الشرعي يدخل على الفعل المُجرّم ويرجعه فعلا مباحا و ينزع عنه الطابع الاجرامي، أي أنّ الدفاع الشرعي سبب من أسباب التبرير والإباحة، وهذا ما نادى به زملاء المحامي للقضاء بتطبيقه، نظرا إلى أنّ جمال الحاجي ارتكب هذه الجريمة في إطار الدّفاع الشرعي عن نفسه وعلى عائلته.
كما إستند ثلّة من المحامين للدّفاع عن زميلهم جمال الحاجي على الفصل 40 من المجلّة الجزائيّة والذّي ينصّ على: لا جريمة في حالتين، الأولى إذا كان القتل أو الجرح أو الضرب واقعا ليلا لدفع تسور أو خلع مسيّجات أو ثقب جدران أو مدخل مسكن أو محلاّت تابعة له، والحالة الثانية إذا كان الفعل واقعا لمقاومة مرتكبي سرقة أو سلب بالقوة.
ردود أفعال الرّأي العام التّونسي:
بعد أن انفردت بيزنس نيوز صبيحة يوم الأربعاء 17 جويلية 2019، بنشر خبر إيقاف المحامي جمال الحاجي على خلفيّة قيامه بقتل الجاني الذّي تعمّد سرقة منزله، تداولت باقي وسائل الإعلام هذا الخبر بحجم كبير واستنكر بعض الإعلاميين عمليّة إيقاف الحاجي على غرار الصحفي زياد الهاني الذّي اعتبر أنّ تصرّف المحامي سليم وقانوني ومن حقّه الدّفاع عن نفسه في هذه الحالة وعن حرمة منزله مهما كانت النتيجة، كما عبّر أيضا وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية السّابق مبروك كرشيد، عن دعمه للمحامي جمال الحاجي، وأشاد بدماثة أخلاقه وعلّل إستعماله للسلاح نظر للخطر الذّي تعرّض له أثناء عمليّة إقتحام منزله.
وأجمع أغلب روّاد موقع التواصل الإجتماعي الفايسبوك، على ضرورة الإفراج عن المحامي جمال الحاجي، ليس لأنّه محاميا ولكن بصفته مواطن ككلّ المواطنين، وندّدوا في معظم منشوراتهم بكيفيّة إيقاف المحامي، ودعوا القضاء إلى النظر إلى القضيّة من زاوية عامّة وأنّ ما حصل للمحامي يمكن أن يحصل لأيّ مواطن آخر وإنّ الفعل الذّي قام به الحاجي من الطبيعي أن يقوم به أيّ أحد آخر مكانه، وشدّدوا في منشوراتهم في دعوة القضاء إلى تطبيق أحكام المجلّة الجزائيّة، أيّ الفصل 39 والفصل 40.
أثار نشر المعطيات الشخصيّة للمحامي مع وضع صورته وذكر إسمه من قبل وسائل الإعلام، غضب الفرع الجهوي للمحامين بسوسة، ودعوا في بيان لهم يوم أمس الأربعاء 17 جويلية 2019، كلّ وسائل الإعلام إلى التعاطي بكلّ سرّية وتحفّظ في ملف زميلهم، وأكّدوا على أنّ حاكم التحقيق بالمحكمة الإبتدائيّة بسوسة قد تعهّد بالملف، مما يستوجب عدم التعدّي على المعطيات الخاصّة لزميلهم وعائلته مع الإحتفاظ بحقّه في تتبّع كلّ ما يخالف ذلك.
المحامي جمال الحاجي عالم بكلّ العقوبات القانونيّة التي ينصّ عليها القضاء في حالة قتل سارق، وتمّ إيقافه، هذه القضيّة أدخلت الهلع والشك في صفوف التونسيين الذّين اعتبروا أنّ القضاء ينصف السارق على حساب الضحيّة، الحكم الذّي سيصدره القضاء بعد إنتهاء التحقيق بصفة كليّة في حقّ المحامي جمال الحاجي، سيكون قرار مصيري بالنسبة للمواطن التّونسي.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires