فشل الحبيب الجملي في تشكيل الحكومة: غموض المستقبل السياسي ورسائل سلبية للخارج
التقى رئيس الجمهورية قيس سعيد أمس الخميس 12 ديسمبر 2019 برئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي الذي طلب التمديد في مهلة الشهر الذي ينتهي يوم الأحد القادم، موضحا أنّه في حاجة إلى مدّة إضافية و مؤكدا حرصه على أن يتمّ تشكيل الحكومة في أقرب وقت لعرضها على مجلس نواب الشعب. الجملي اعتبر ان الفترة السابقة لم تكن مضيعة للوقت بل استغلها في ضبط الإجراءات العامة ورسم اليات ومنهجية جديدة في إدارة الشأن الحكومي ستساهم في نجاح عمل الحكومة القادمة مؤكدا ان اختيار أعضاء الحكومة يقوم على توفر عدة شروط أهمها الكفاءة والنزاهة والقدرة على التسيير. هذا المبرر اعتبره العديد من المتابعين للشأن السياسي غير صحيح أو ربما يحمل في طياته اعترافا من رئيس الحكومة المكلف ومن ورائه الحزب الذي كلفه – أي حركة النهضة-بالفشل في ضمان الأغلبية الكافية للتصويت على الحكومة.
حركة الشعب أعلنت ان هناك اتصالات ومساعي غير رسمية لثنيها عن موقفها بعدم المشاركة في حكومة الجملي وعدم التصويت لها، وأكدت مصادرنا ان بعض الأطراف من حركة النهضة التقت بممثلين عن حركة الشعب وقدمت تنازلات للحركة كتمكينها من حقائب وزارية مهمة وكذلك تمكينها من نصيب في التعيينات في سلك المعتمدين والمعتمدين الأول والولاة وهو مؤشر قد يفهم منه أن النهضة وجدت نفسها في موقف محرج، فهي من ناحية لا تريد ضرب الاستقلالية المزعومة للحبيب الجملي ومن ناحية أخرى ترى ان الموقف ليس في صالحه وعليها التدخل لضمان حزام حماية سياسي.
التيار الديمقراطي أيضا عبر عن عدم انخراطه في إعادة تكريس الفشل على حد توصيف قيادته وتعليق المشاورات مع الحبيب الجملي وعدم المشاركة في حكومته. كذلك الحزب الدستوري الحر كان واضحا منذ البداية وأعلن عدم تصويته لفائدة الحكومة مهما كانت تركيبتها وهو ما ضيق على حركة النهضة ومن ورائها الحبيب الجملي باب التحالفات الممكنة وجعل شروط التفاوض أصعب، خاصة بعد ان عبر حزب قلب تونس انه من الممكن ألا يصوت لفائدة الحكومة في صورة تكونها على أساس محاصصة حزبية.
حركة النهضة المطالبة بضمان أغلبية 109 صوت قبل عرض حكومة مرشحها على مجلس نواب الشعب للتصويت وجدت نفسها في وضع حرج قد يجعلها عاجزة حتى على حماية رئاستها لمجلس النواب أمام معارضة قوية قد تبلغ أكثر من 150 نائبا باختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية وأمام حتمية فتح باب التشاور والتفاوض من جديد وربما تقديم المزيد من التنازلات لتكوين تحالف قوي يضمن لها تواجدها في الحكم خاصة بعد فشلها في تمرير قانون الزكاة الذي سقط ب 90 صوتا وأعلن هشاشة التحالف بين النهضة وكتلة الكرامة.
فرضية حكومة الرئيس تبقى واردة في صورة فشل النهضة وحلفائها في تكوين حكومة والتصويت لها في مجلس نواب الشعب وهو نفسه خيار صعب قد يهدد ديمومة المجلس نفسه وحله في صورة فشل التصويت أيضا وهو الشيء الذي قد يضاعف الأزمة التي تعيشها البلاد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي خاصة ان أي حكومة مهما كانت تركيبتها سترث وضعية اقتصادية صعبة وملفات حارقة أهمها دفع مستوى النمو و خلق فرص عمل للشباب لمقاومة ارتفاع مؤشر البطالة الذي تجاوز نسبة 15 بالمئة و أيضا فتح المجال امام الاستثمار وذلك بتنقيح القوانين و تجاوز الجمود الإداري المعطل وخاصة تنفيذ ميزانية 2020 التي تبدو غير متوازنة المعالم نصفها أو أكثر مخصص ككتلة أجور و مطالبة بالضغط على التضخم و عجز الميزان التجاري.
التحدي الأهم لرئيس الحكومة المكلف هو تنفيذ الإصلاحات المقترحة من قبل الممولين الدوليين وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي، ذلك أن أهم ما يواجه تونس اليوم هو الوفاء بتعهداتها إلى الصندوق، عبر تنفيذ خارطة الإصلاحات المتفق عليها لضمان مواصلة تمويله بنسب فائدة ضعيفة جملة وهي ستة، تتمثل في الإصلاح الجبائي وإصلاح منظومة دعم الوظيفة العمومية، والمؤسسات العمومية، والصناديق الاجتماعية، والنظام البنكي، والنظام المالي، وهي إصلاحات عاجلة و موجعة يتطلب تنفيذها قوة شخصية و إرادة سياسية لكن فشل الحبيب الجملي في تشكيل حزام سياسي مريح يسمح بتمرير حكومته يعتبر رسالة سلبية لشركاء تونس في الخارج حول مدى قدرته على الإيفاء بهذه التعهدات فتوتر المناخ السياسي الداخلي وعدم توازن التحالفات والمشهد المحزن للصراعات داخل مجلس نواب الشعب وعدم قدرة النهضة على تشكيل وفاق سياسي لتكوين حكومة كلها عناصر قد لا تعزز ثقة الجهات المقرضة و قد تضع تونس في وضعية أكثر حرجا مما هي فيه الان.
حسام بن أحمد
تعليقك
Commentaires