متى سيُفصح قيس سعيد عن هؤلاء وعن خارطة طريق واضحة للبلاد؟
'' لا مجال للعودة إلى الوراء، لا مجال للمساس بحقوق الإنسان إطلاقا ولا مجال للمساس بالحقوق والحريات، لأنّنا لن نقبل بذلك أبدا وإذا كانت حصُلت هناك تجاوزات فالقانون هو المرجع '' كان هذا تصريح رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي أكّد من خلاله أنّه ضدّ انتهاك الحقوق والحرّيات.
تفاعلا منه ضدّ الإعتداءات التي طالت المواطنين والصحافيين والمحامين الذي شاركوا في وقفة احتجاجية يوم الأربعاء غرّة سبتمبر الجاري، استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم أمس الخميس إبراهيم بودربالة، عميد الهيئة الوطنية للمحامين، وبشير العبيدي، الكاتب العام للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وبسام الطريفي، نائب رئيس الرابطة.
لقاء فريد من نوعه، لم يتعوّد الشعب التونسي سابقا على رؤيته، حيث أكّد قيس سعيّد في هذا اللّقاء على تشبّثه بالحفاظ على الحقوق والحريات وشدّد على أنّ كلّ من يتعمّد انتهاك الحقوق والحريات سيجابه بالقانون. لقاء دام لأكثر من نصف ساعة مع ممثلي الهيئات الوطنية، اعتذر من خلاله رئيس الدولة بطريقة غير مباشرة لكلّ الذين تمّ الإعتداء عليهم خلال الوقفة الإحتجاجية يوم الأربعاء الفارط.
لم يفُت رئيس الجمهورية خلال اللقاء بممثلي الهيئات الوطنية التذكير بأنّ تونس تعيش ظروفا استثنائية خاصّة ولكنّه استدرك أنّه ''لا مجال للتنكيل بالشعب '' مؤكّدا على ضرورة تطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة. واعتبر قيس سعيّد أنّ المواجهات بين الأمنيين والشباب هي بفعل فاعل وذلك بقوله '' هناك من يرمي بالشباب في بعض المواجهات، يرميهم كالحطب في النار ثمّ بعد ذلك يتنكّر لهم بل لا يردّ عليهم حتى السلام''.
كعادته لم يتخلى رئيس الجمهورية عن اعتماد الضمير المُبهم في خطاباته، وبلهجة حادّة ونبرة قوية لوّح قيس سعيّد أنّ هناك بعض الأطراف تعمّدت التنكيل بالشعب '' ينكّلون بالشعب في الماء وفي الكهرباء وفي الصحة وفي المواد الغذائية وفي الأدوية وفي كلّ مظاهر الحياة'' وأكّد أنّه سيعمل على محاربة ''هؤلاء'' بقوله ''نحن لن ندّخر جهدا في مواجهة هؤلاء الذين يريدون مصّ دم الشعب الذي دفع الدم من أجل الحصول على الحرية''.
''أحترم القيم والأخلاق وأحترم القضاء وسيأتي اليوم الذي يقف فيه هؤلاء أمام قضاء عادل وليس أمام قضاء في بعض الأحيان تُحذف من الملفات فيه عديد المؤيّدات التي تُدين عددا من الأشخاص'' صرّح رئيس الجمهورية في إشارة منه إلى الفساد الذي نخر المؤسسة القضائية وكشف أنّ زوجة أحد المحامين تملك ثروة تناهز مائة مليار وتابع أنّ أحد النواب كذلك له أملاك طائلة بعد توليه مناصب في الدولة وتحوّز على ثروة خيالية تُقدّر بـ 1500 مليون دينار.
من الجميل والمهمّ أن يعمل رئيس الجمهورية قيس سعيّد على مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، ولكن من المؤسف أن يعلم الجميع أنّ قيس سعيّد يُقدّم أرقاما غير ثابتة وأنّه يعتمد في اتّهامه للفاسدين على صفحات الفايسبوك المساندة له. المحلل السياسي وأستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك نشر أمس الخميس على صفحته الرسمية بالفيسبوك صورا لبعض الصفحات المناصرة للرئيس قيس سعيّد والتي تتضمّن تدوينات مطابقة لما أفصح عنه سعيّد ولكن تاريخ التدوينات يتنزّل قبل خطاب رئيس الدولة.
أيضا، الكلّ بدأ يتساءل بعد مرور شهر عن التدابير الإستثنائية يوم 25 جويلية الفارط، عن موعد تعيّين قيس سعيّد لرئيس حكومة أو لوزير أوّل هكذا يصحّ التعبير، نظرا لأنّ رئيس الجمهورية سيكون المشرف على كلّ مجالس الوزراء ولن ينعقد أيّ مجلس دون أخذ الإذن منه، بناء على ما صرّح به قيس سعيّد يوم 25 جويلية المنقضي. ولكن يبدو أنّ الرئيس خيّر اعتماد سياسة التعتيم الإعلامي ، فلا أحد يعلم خارطة الطريق التي يعتمدها ولا أحد يعلم موعد انتهاء التدابير الإستثنائية ، كما أنّه لا أحد يعلم من هم ''هؤلاء'' الذين ما فتئ قيس سعيّد يذكرهم ويتوعّدهم بالمحاسبة.
في متابعة لخطابه الأخير مع العميد بودربالة وممثلي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، أكّد رئيس الجمهورية قيس سعيد أنّ هناك مجموعة من الأشخاص تسعى إلى ضرب مؤسسة الرئاسة. وهنا يبدو للكثيرين أنّ أيّ انتقاد يُوجّه للرئيس ولمؤسسة الرئاسة وخاصّة في السياسة الإتصالية يُفهم كأنّه استهداف وضرب لمؤسسة الرئاسة، ويشكّ الكثيرون أيضا أنّ قيس سعيّد يرفض أن ينتقده أيّ أحد ومن يقوم بذلك يكون قد عرّض نفسه للخطر الداهم وللمحاكمات العسكرية.
''التونسي دفع غاليا من أجل تحقيق الحرية ومن أجل تحقيق الكرامة، واتّخذتُ هذه التدابير الإستثنائية من أجل الحفاظ على الدولة وعلى مكتسبات الشعب وعلى مكتسبات الشباب الثائر من أجل الحرية والكرامة من أجل الفقراء والبؤساء''.
'' القرار سيكون قرارا تونسيا نابعا من إرادة الشعب ، نحن دولة ذات سيادة نختار ما نريد نعبّر عن إرادة الشعب ولا نعبّر عن إرادة بعض الأشخاص الذين يعتبرون أن تونس ضيعة أو بستانا أو حقلا قابل للبيع ، تونس لكل التونسيين ولكلّ التونسيين الحق في الشغل والحرية وفي الكرامة الوطنية ولا كرامة في الأوطان إلاّ بكرامة مواطنيه ومواطناته''
من خلال خطابه المذكور، شدّد رئيس الدولة على أنّ تونس ذات سيادة ولا مجال للتدخّل الأجنبي في الشأن التونسي وأنّ الشعب التونسي هو الوحيد المُخوّل له تقرير مصير البلاد. كما أنّه أكّد أنّه سيظل وفيا لمبادئه في الدفاع بالقانون على الحقوق والحرّيات وأنه يستميت في الدّفاع عن قوت الشعب التونسي.
تركيز رئيس الجمهورية قيس سعيّد على محاربة الفساد والتصدّي للفاسدين ومحاسبتِهم وتنقية البلاد من كلّ خائنٍ، أمرٌ استحسنه الشعب التونسي ورحّب به ولكن استعمال أرقام غير ثابتة ورميُ التُهم ومواصلة استعمال الضمير المبهم وتوعّد ''هؤلاء'' دون ذكرهم والتسريع في مقاضاتهم وعدم الإفصاح عن خارطة الطريق هي تصرّفات لا مسؤولة ومن دورها أن تزيد من حالة الغموض والتأزم في البلاد.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires