نصف نهائي مؤتمر حركة نداء تونس !
للأسبوع الثالث على التوالي، يتواصل مسلسل انتخاب المكتب السياسي وتركيز مؤسسات الحزب لنداء تونس بشقيه الاثنين شق المنستير وشق الحمامات، في سلسلة من الحلقات، لا تخلو كل حلقة منها من التشويق والجدل، بعد جولة حامية من نصف نهائي كأس نداء تونس بين مؤتمر ذهاب في المنستير ومؤتمر إياب في الحمامات.
فبينما تسعى أغلب الأحزاب خلال سنة انتخابية حامية المنافسة، إلى الدخول في تحالفات جديدة وجلب شخصيات وطنية لصفها لتقوية هياكلها، استعدادا لخوض المعترك الانتخابي للتشريعية والرئاسية خاصة بعد بروز قوى جديدة في الساحة السياسية، لا يزال نداء تونس يعاني من الانقسامات داخله، وبلغ الصراع أوجه خلال المؤتمر الانتخابي المنعقد في 6 أفريل 2019 بالمنستير، لتُفتتح مرحلة جديدة في التصدعات داخله نحو منعرج خطير من التشظي والتنافر بين أجنحة تتنازع حول الشرعية.
فالمؤتمر الذي كان يُفترض أن يوحّد ويجمع الندائيين، لم ينجح في جسر الانشقاقات وتجاوز الخلافات بل عمقها وأفرز لجنة مركزية برأسين بين حافظ قائد السبسي وسفيان طوبال، فمنذ انطلاق أشغال المؤتمر كان من الواضح أن المؤتمرين أرادوا استبعاد قائد السبسي الابن من المناصب القيادية وهو ما يؤكده رفض المؤتمرين بصوت واحد لانتخاب عيسى الحيدوسي الموالي لحافظ قائد السبسي لترأس المؤتمر، يليه اثر ذلك سقوط قائمة فاطمة المسدي وسماح دمق وفوز قائمة عادل الجربوعي .
إثر ذلك ، صرحت القيادية بحركة نداء تونس أنس الحطاب بقولها أن حافظ قائد السبسي لن يكون له منصب قيادي ولا يمكن لأي جهة احتكار القيادة والعملية الديمقراطية تقتضي إبعاد سياسة الوصاية.
وسرعان ما تكاثفت التصريحات المناوئة لوصاية حافظ قائد السبسي وصرح النائب الندائي عبد العزيز القطي بقوله إن عيسى الحيدوسي (شق حافظ) يخضع لضغط كبير وإلى تهديدات من طرف نجل الرئيس بعد أن تمّ وضعه أمام الأمر الواقع وبعد أن فهم أنه صار خارج الصفوف الأمامية للحزب، فبدأ بزراعة الإنشقاقات بهدف إفشال مؤتمر النداء ولديهم كل الأدلّة على ممارساته وتهديداته .
لكن حالة التصدع بلغت حد العبث السياسي وكان أشد مظاهرها، توجيه دعوتان لمؤتمر حزب واحد في نفس التاريخ فقط باختلاف المكان لاستكمال انتخاب أعضاء المكتب السياسي.
يبدو أن الندائيين وقفوا صفا واحدا رفضا للوصاية العائلية حتى اجتمع في الحمامات أكثر من نصف اللجنة المركزية أي النصاب القانوني لاستكمال أشغال انتخاب أعضاء المكتب السياسي وتم انتخاب سفيان طوبال رئيسا للجنة المركزية ب 115 صوتا.
ورغم الهزيمة أصّر حافظ قائد السبسي على استكمال أشغال المؤتمر بمدينة المنستير وتم انتخابه رئيسا للجنة المركزية ب 80 صوتا خلال مؤتمر وصفه الجناح المقابل بالموازي والغير شرعي.
اختار بعض الندائيين الانسحاب درءا لمزيد الانقسامات وهو ما أعلنه القيادي ناجي جلول عقب إعلان نتائج انتخابات المؤتمر ثم موقف سلمى اللومي التي أعلنت أنها ليست معنية بأشغال أي مؤتمر ولن تساهم في مزيد تقسيم النداء.
ازداد انحسار حافظ قائد السبسي فهرع لأبيه لإنقاذه وتدخل رئيس الجمهورية لإنقاذ نجله ولامتصاص غضب الغاضبين، وأعلن عن قائمة إضافية تضمنت 12 اسما منها مستشاريه الاثنين لزهر القروي الشابي ونورالدين بن تيشة وعيسى الحيدوسي، و يمكن اعتبار ذلك مكافئة له على وقوفه إلى جانب نجل الرئيس، كما تضمنت القائمة كل من سماح دمق وفاطمة المسدي بعد اعتراضهن على سقوط القائمات التي ترأستاها خلال التصويت وتقديم المسدي لاستقالتها.
وتواصل مسار الانقسامات فكانت أحداث الأحد 21 أفريل 2019 حجرا جديدا يُلقى في مسار الصراع وحرب التموقعات، مع ولادة جناحين متنازعين، كل جناح منهما يدعي امتلاك الشرعية .
استمر التصدع باجتماع جناح طوبال في القيروان لوضع خارطة الطريق للمرحلة القادمة ، مقابل اجتماع جناح المنستير بقيادة حافظ قائد السبسي بالمقر المركزي بالبحيرة لتوزيع المسؤوليات والمهم.
وتمّ توزيع المسؤوليات، الأمانة العامة للقيادي ناجي جلول، وخالد شوكات مديرا تنفيذيا، ومنجي الحرباوي ناطقا رسميا باسم الحزب، ورؤوف الخماسي رئيسا للمجلس الوطني .
كما تمّ خلال الاجتماع، مناشدة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي لإعادة الترشح للانتخابات الرئاسية ، لا يمكن القول أن نداء تونس حسم أمر مرشحه للرئاسية، طالما لازلنا في انتظار إعلان مرشح جناح الحمامات،
وأقر المجتمعون كذلك برفع التجميد عن رئيس الحكومة يوسف الشاهد ودعوته للالتحاق مجددا بصفوف الحركة، ونددت المجموعة المجتمعة بما اعتبرته إساءة لسمعة الحزب مشيرة الى ما تقوم به المجموعة ''الانقلابية '' الباحثة عن التموقع غير الشرعي وعن المصالح الشخصية الضيقة مما أساء لسمعة الحركة و شوش على المسار الإصلاحي الجديد الذي اختاره الندائيات و الندائيين بمؤتمرهم الانتخابي''.
بالتزامن مع ذلك انعقد اجتماع جناح الحمامات بالقيروان بقيادة سفيان طوبال، ودعا ما أسماه “الأقلية” ( شق المنستير) للالتحاق بالمؤسسات الشرعية للحزب، والاعتراف بنتائج الانتخابات، والتوقف عن التشويش على الحركة، وعلى عمل مؤتمر الحزب الذي أفرز مؤسسات تتمتع بكامل الشرعية مشددا على اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لإثبات شرعيته ولاستعادة مقر الحزب من شق المنستير''.
يبدو أن تدخّل رئيس الجمهورية ومؤسس الحزب لم يكن قصد ترتيب البيت الداخلي أو للتجميع بل كان تطويعا لإرادة ابنه وفرض مرشحيه على مؤسسات الحزب بقوة الشرعية العائلية والوراثية.
ومثل هذا المشهد المتضارب ضربة جديدة من شأنها أن تعصف بما تبقى من النداء بإيعاز من مؤسس الحزب الذي لم يقدر كبح طموح وعناد ابنه علاوة على حرب التموقعات، فالحزب الذي تمكن في مرحلة قصيرة، كسب الانتخابات التشريعية والرئاسية، أمام حركة النهضة ذات القواعد الانتخابية الثابتة يتهاوى اليوم بتدمير نفسه بنفسه من خلال صراع حلفاء الأمس الذين يتصارعون فيما بينهم في إحالة إلى ما يشبه النيران الصديقة.
طبيعة الصراعات تختزل وتفسر عمق الإشكال و مُجمل الاضطرابات التي تم تطويعها لخدمة أجندات سياسية بمقاربات خاطئة، أملتها حسابات شخصية تتسّم بالانتهازية مما جعل هذه الحركة تتلاشى شيئا فشيئا.
والمفارقة الأخرى العجيبة هو أن الجناحين المتنازعين قدما ملفات بخصوص الأزمة الواقعة لدى الكاتب العام للحكومة وهو رياض المؤخر أحد مؤسسي حركة تحيا تونس، المحسوب على رئيس الحكومة يوسف الشاهد وهو المخوّل له مبدئيا النظر في المسألة في انتظار أن يحسم القضاء فيها والحكم النهائي بخصوص المقر المركزي للنداء بالبحيرة الذي يحوزه حاليا شق المنستير، ويظل الطرفان في موضع صعب لا يخلو من التندّر والعبثية.
سناء عدوني
تعليقك
Commentaires