قضية رانية عمدوني - حين تظن النُخبة أن الكويرية تعني الكُرة..

تتعرض الناشطة الكويرية والنسوية- رانية عمدوني، منذ أيام لحملات تحريض وهرسلة وتكفير ووصم بسبب اختلافها، على خلفية مشاركتها في الاحتجاجات الأخيرة حيث انطلقت صفحات النقابات الأمنية والصفحات المقربة من الاسلاميين وحتى بعض النواب مثل الاسلامي سيف الذين مخلوف في السخرية من شكلها واتهامها بالـ"تشبّه بالرجال" وبأنها "ذكر متحول جنسيا." الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، والعديد من المنظمات والشخصيات الوطنية تضامنوا مع رانية العمدوني ضد حملات التشويه والهرسلة التي تهاجم كل ماهو مختلف وخارج عن مقاييس الجمال المعيارية المُتخلّفة المخصصة فقط للنساء- والتي تحدد لهن مسبقا الطول والوزن والشكل المسموح به ليكُنّ جميلات.

ما أثار جدلا اضافيا حول هذه المسألة اليوم 9 فيفري 2021، هو نقاش سطحي بين شخصيتين عامتين في بثّ مباشرة لراديو يتابعه الملايين. حوار سيريالي بين اعلامي ومحامية خّلف سخرية واسعة.

نحنُ بعيدون كلّ البعد عن الجندرة اللغوية وضمّ ضمائر مجتمع الميم المقصيين من اللغة كما المُجتمع الى حديثنا الاعلامي، هذا معلوم، لكنّ الجهل لا يتوقف عند حدّ تصنيف المواطنين فقط على اساس انتمائهم الجنسي، ووصم من له جنسية مغايرة واقصائه من الفضاء العام. برهان بسيس، الاعلامي المعروف، وسنية دهماني المحامية و"الحقوقية" المُخضرمة، يظنان أن "الكويرية" وصف يستعمل لوصف البُدناء وزائدي الوزن من نعت مُكوّر! الجهل بالمفاهيم ذاتها أمر عادي فمن الطبيعي أن نخطئ في بعض المفاهيم المستحدثة- لكن الخطير هو ادعّاء المعرفة ومغالطة الرأي العام واستخدام الفضاء العام لمزيد تعميق التنمر وتبريره.

ما تجهله الشخصيات التي تتدعي أنها "نُخبة النخبة" والتي تفتي في الشأن العام، أن الكويرية هي طيف من الهويات الجندرية غير النمطية الخارجة عن الثنائية الجندرية. يمكن أن يعبّر الأشخاص كويريات/ي الجندر عن أنفسهمن بخليط من الأنوثة والذكورة، أو خارج البعدين أو يرتحلوا بينهما. جندر كوير هي التعبيرة التي لا ترى أن الهوية الجندرية هي فقط ثنائية "انثى- ذكر".وهذا تعريف بسيط متوفر على محرك البحث قوقل ويمكن الوصول اليه في ثوان، الأمر الذي يبدو أنه صعب جدا بالنسبة لاعلاميين لهم من الوقت قبل البثّ المباشر للتثبت مما يتفوهون به.

العالم المُنتفح على التغيير، العالم الحرّ، يحمي النشطاء الذين يعرفون أنفسهم أنهم جندر كوير بترسانات قانونية تضمن عدم اقصائهم وتعنيفهم. الحكومات الأقوى دوليا، في الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا وغيرهم تضمّ وزراء من مجتمع الميم. بعض الدول، اختارت أن لا تحصر الهوية الجندرية في الأوراق الرسمية مضيفة الجنس الثالث (other) حتى يحسّ الكوريون بأنهم-ن مُرحب بهم. بعض المدراس والمناهج في كون اخر، بعيد عن برهان بسيس، اختارت التربية الحيادية للناشئة، أي ان لا يتم تلقين الهويات الجندرية التقليدية في المدراس وأن لا يتم تقسيم التلاميذ حسب الجنس والمعايير الثنائية (أم، أب، أنثى تلد وذكر يعمل، وردي أزرق، كرة دمية...). العالم يتحدث عن عائلات لا تصنف الادوار وفق القاعدة الثنائية، وعن تجاوز التقسيم البين-ري (binaire) واحترام حقّ الافراد في أن يعرفوا انفسهم كما يشاؤون، لكن نخبتنا، تظن أن الكويرية هي مصدر كلمة كُرة.

ع.ق