مشهد سياسي معقّد وآفاق غير واضحة
عرف المشهد السياسي في الآونة الأخيرة الكثير من التوتر والشدّ والجذب حتّى أنّه لم يستقر بعد، وأثبتت الأحزاب الحاكمة فشلها في إدارة شؤون البلاد، ولعلّ الصراعات القائمة بينها والاستقالات المتتالية داخلها خير دليل على ذلك.
قيادات تنتقل هنا وهناك... انشقاقات بالجملة... من كان يمثّل حزبا بعينه أصبح اليوم محاربا له.
لطفي زيتون القيادي في حركة النهضة ينشر غسيل حزبه ويتهمه بتسريب مداولات اجتماعات مجلس الشورى خارج الحركة، قائد السبسي الأصغر يجمّد عضويّة القيادي رضا بلحاج ويصرّح بأن هدفه الرئيسي ازاحته من الحزب وهذا الأخير يتمسّك بموقعه ويقول "سأعمل على تخليص تونس من حافظ قايد السبسي".
وحتّى سليم الرياحي الذي عبّر في أكثر من مناسبة عن مواصلة نشاطه السياسي داخل نداء تونس وأنه "لن يعود إلى الخلف" ها هو اليوم يقدّم استقالته من الأمانة العامة للحزب، والهيئة السياسيّة تثمّنها؟
أزمة سياسيّة تعرّي وتفضح عمق هوّة مسار الانتقال الديمقراطي برمّته، طغت عليه الحسابات الشخصية والرغبة في البروز لتكشف مشاكل الطبقة السياسية المنكوبة وممارستها لكل أنواع البطش دون رادع.
أزمة تغلغلت داخل الأحزاب وكانت انعكاساتها على المشهد السياسي أمر محتوم فخفت بريق رئيس الجمهورية ومؤسس حزب نداء تونس الباجي قايد السبسي وبدأ الحزب في الانهيار وتقلصت كتلته البرلمانية من 86 نائبا إلى 41 فقط.
وجّهت أصابع الاتهام إلى حافظ قايد السبسي الذي دمّر النداء ولا يزال يسهر على تشتته والعبث به وهذا لم يعد خفي على عموم المتابعين.
الباجي قايد السبسي يشارف على استنفاد أوراقه وبدأت حركة النهضة تعيد ترتيب حساباتها وظهرت بوادر القطيعة بين الطرفين ليتم الإعلان الرسمي عن نهاية التوافق بين النهضة وقائد السبسي يوم 24 سبتمبر في حوار تلفزي لرئيس الجمهورية الذي أكّد آنذاك على أن الحركة الإسلامية هي التي بادرت بالقطيعة بعد أن قررت التوافق مع حكومة يوسف الشاهد، هذا الأخير الذي أراد "السبسيان" اقالته بعد أن تحوّل إلى لاعب سياسي مهم وبدأ صراعه مع حافظ قائد السبسي.
أزمة الشاهد تسببت في فراق الشيخين وساهمت في تشكل خريطة سياسية جديدة يخرج منها الشاهد منتصرا بعد أن ضمن مساندة النهضة، والكل يعرف جيّدا أن هذا الدعم ليس مجانيا، فالمتمعّن والقارئ الجيّد للأحداث يدرك أن سياسة حركة النهضة تقوم على الانعطاف كلما دعت مصلحتها إلى ذلك وإن كان قسريا أو اختياريا، ففي مرحلة أولى تتخلى عن قائد السبسي من أجل الشاهد لكنها سرعان ما تعيد ترتيب أوراقها فتعيش صراعا داخليا بين من يريد ارجاع التحالف مع قائد السبسي وبين من يحب الإبقاء على التحالف مع الشاهد.
بدأت الآراء تتضارب داخل الحركة وبدأ في الأثناء يتكوّن حزب جديد سيكون يوسف الشاهد زعيمه.
خرج راشد الغنوشي وصرّح بأنهم ''بصدد التشاور مع جميع الأطراف بخصوص الإبقاء على حكومة يوسف الشاهد أو تغييرها بحكومة تكنوقراط''...
أليس هو الذي كان يؤكد على أنه من العبث تغيير حكومة قبل أشهر قليلة من الانتخابات؟
تصريح لاقى انتقادات عدّة واعتبره القيادي بحركة نداء تونس ناجي جلول ''لا يخرج عن المناورة لتحسين شروط التفاوض، نظرا لوجود توجه كبير بين حركة النهضة وحليفها الحزب الافتراضي لرئيس الحكومة يوسف الشاهد''.
وصرّح رئيس كتلة الائتلاف الوطني بالبرلمان مصطفى بن أحمد بأنهم متمسكون بالاستقرار الحكومي.
ومع بداية غزو الحركة الجديدة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد ''تحيا تونس'' واحتلالها المشهد السياسي والتحاق أغلبيّة كوادر نداء تونس بها وجدت حركة النهضة نفسها تقبل، عن مضض، الوقوف مع الحكومة بعد أن فرض الشاهد نفسه طرفا قويا يطمح لخلافة قائد السبسي خاصة مع العلاقة الوطيدة التي تربطه بالمؤسسات المانحة على غرار صندوق النقد الدولي، والنهضة بحاجة لأي غطاء تحكم معه وعدم الاستفراد بالحكم وسيبقى خيار دعمها ليوسف الشاهد مؤجلا وربما تضطرّ إلى القبول به في ظلّ التجاذبات والاهتزازات التي شهدها نداء تونس وبما أنها بحاجة إلى شريك في الحكم والشاهد هو الطرف الأبرز والأقوى والذي سطع نجمه في الفترة الأخيرة.
قراءة استباقية تدلّ، يوما بعد يوم، على أن حركة النهضة تراجع حسابات التحالف مع يوسف الشاهد وها قد أكّد رئيس كتلتها نورالدين البحيري أنهم يدعمون الحكومة وأنّ ''تغييرها في الوقت الحالي هو خراب وفراغ للبلاد ترفضه الحركة''.
سيعرف المشهد السياسي التونسي في الفترة القادمة تحولات عميقة وجوهريّة وقد يلتحق ''آفاق تونس'' و''مشروع تونس'' بمبادرة يكون قائد السبسي محورها ومن الممكن إعادة بناء نداء تونس على قاعدة رجوع الغاضبين بمن فيهم محسن مرزوق، في انتظار ما ستفرزه الانتخابات القادمة.
مروى يوسف
تعليقك
Commentaires