قضية القروي : رصد لردود الأفعال الدولية - صورة تونس مهددة
تدويل القضية، تسمية فخمة لمفهوم بسيط. حينما تعجز مجموعة وطنية، أو مواطنون عن حل قضية ما على مستوى وطني، الخطوة القادمة تكون غالبا رفع الأمر الى المحاكم الدولية/المنظمات الدولية/ وسائل الاعلام الدولية. ورغم أن المفهوم في عموميته قد يحيل الى اتهامات الاستقواء بأطراف خارجية وعدم احترام القضاء الوطني الا أنه في السجل السياسي يتنزل في خانة وسائل الضغط المشروعة على السلطة.
في التاريخ التونسي المعاصر لجأنا الى تدويل القضية في أكثر من فرصة، من تدويل قضية الاستعمار لدى الشرعية الدولية، الى تدويل قضية اغتيال شكري بلعيد، وتدويل قضية اختفاء سفيان الشورابي ونذير القطاري في ليبيا. مع الوقت، ومع بناء منظومة قضائية تونسية مستقلة تحول هذا الاجراء من الطابع القانوني للتظلم لدى المحاكم الدولية، الى فعل احتجاجي في أغلبه، متعلق بقضايا حقوق الانسان ولا يتجاوز رمزية نشر القضية على مستوى أوسع.
حاولنا قطعا الحفاظ على ختم/توصيف الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. نظريا، هذا التصنيف صحيح، على مستوى الدستور والتشريع والمحاولات الجدية للمرور من مرحلة التأسيس للديمقراطية الى ممارستها فعليا. لكن الواقع السياسي يطرح رهانات أخرى، تهدد بتحطيم المكاسب الحاصلة والانجرار الى ماكان الحال عليه قبل 14 جانفي خاصة على مستوى تورط الجهاز القضائي/التنفيذي في أجندات سياسية.
27 أوت 2019 أعلن حزب قلب تونس عن تدويل قضية رئيسه ومرشحه للرئاسية نبيل القروي للمطالبة بالافراج عنه. سابقة على المستوى والوطني والعربي هي تلك التي يكون فيها مترشح للرئاسية على ذمة مسار قضائي بينما منافسوه يخضوضن حملاتهم الانتخابية. لا يمكن لأحد أن ينكر أن نبيل القروي لم يدخل السياسة عن طريق الترجبة والبرامج والتصورات السياسية، مر القروي مرورا سهلا من بولبتي الاعلام والعمل الخير الى الفعل السياسي دون الارتكاز على تصور سياسي/اقتصادي واضح. قد يعاب على رئيس قلب تونس نزعته الشعبوية ولجوءه الى وسالم "حامي الفقراء" كحجة جاهزة اسفل حلقه لأي اتهام، وقد يعاب عليه الوضعية غير القانونية لقناته نسمة وفضه للاعتراف مؤسسة دستورية كالهايكا واعتبرها ذراعا للسلطة. لكن لا يمكن لأي وسلية اعلام تحترم نفسها أن تبني خط هجوم ضد القروي بناء على اتهامات لم يبت فيها القضاء بعد، لذلك لا يمكن أن نعيب على القروي أنه "فاسد" فالمتهم بريء حتى تثبت ادانته. ولا يمكن من جهة أخرى أن نتهم صريحا الحكومة باستغلال القضاء لاقصاء مرشح من الانتخابات لما في هذا الاتهام من طعن في استقلالية القضاء ونزاهته بدرجة أولى، ولما قد يندرج عنه من تشكيك في سلامة المسار الانتخابي. أخلاقيا وعلى مرمى حجر من الاستحاقا الانتخابي، المسألة تقتضي هدوءا وحججا للانحياز لطرف ما، لكن يبدو أن أعين العالم الفضولية، لها رأي أخر.
المعسكر الأنغلوسكسوني، والذي لا يبدي رايه في الساحة السياسية الا نادرا كان له رأي في فترة ماقبل الانتخابات الرئاسية حيث أصدر مركز كارتر الأمركي (منظمة غير حكومية ) تقريره بعد فترة مراقبة دامت أشهرا. تضمن التقرير العديد من النقاط السلبية التي كان مردها أساسا عاملان، تعديلات القانون الانتخابي وايقاف المرشح نبيل القروي. المركز الامريكي المختص في الشأن السياسي والانتقال الديمقراطي استدخم مقاربة تقوم على نقل الأحداث مع تجنب التعليق عليها، لكن الأحداث دون تعليق كانت كفيلة ببث الشكوك حول المسار الانتخابي رغم أن المعجم المستعمل في التقرير لم يتجاوز ألفاظا مثل "مقلق"، "مثير للجدل".
التقرير اعتبر توقيت مشروع تنقيح القانون الانتخابي يستهدف بعض المترشحين للتشريعية من مالكي القنوات، وللأمانة فقط عمد تقرير المركز الى التنسيب ونقل زاوتين تفسيريتن لفحوى التنقيحات منهم رواية تشير الى أن غاية التنقيح ضمان التوازن. التقرير اشار الى ان التنقيح يمكن أن يؤدي الى أن تسليط قيود على الحريات السياسية وتبرير الطعون المقدمة للمحكمة الادراية بهدف اقصاء بعض المترشحين وسحب ملفاتهم. التقرير انتقد مضمون وتوقيت هذه التعديلات واعتبرها –رغم أنه لم يتم تمريرها- نكسة سلبية.
التقرير انتقد في نقطة موالية ايقاف نبيل القروي، وأشار الى أنقضيته تحيل الى تساؤلات عديدة، دون ان يوجه المركز أصابع الاتهام. التقرير استغرب توقيت اثارة القضية خاصة أن قاضي التحقيق أذن بابقاء القروي بحالة سراح منذ 2016، ولمح المركز الى استغرابه من عدم اثارة القضايا الموجهة ضد يوسف الشاهد و حاتم بولبيار مقابل حرمان القروي من المشاركة في العملية الانتخابية في اشارة واضحة الى دوافع سياسية وراء ايقافه.
المعسكر الفرنكوفوني أيضا قرر ابداء رأيه، حيث كان موضوع القروي حاضرا تحت قبة البرلكان الفرنسي في مناسبتين. النائب بمجلس النواب الفرنسي مجيد الغراد بين خلال مداخلة تخوّفه على المسار الانتخابي في تونس على خلفية ايقاف المترشّح للرئاسة نبيل القروي مشددا أن القروي تعرّض لعديد الضغوطات لمنعه من الترشّح للانتخابات الرئاسية من خلال التهجم على قناة نسمة وتقديم مقترح قانون لمنعه من الترشّح حسب تصريحه. وتابع النائب في مداخلة رصدتها بيونس نيوز أنه التقى حافظ قائد السبسي في فرنسا، الذي أبلغه أن تونس تعيش تحت خطر تهديد العودة الى الديكتاتورية من طرف الحكومة.
إدوارد فيليب الوزير الأول الفرنسي قال أن فرنسا تراقب الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها في تونس، مشددا على دعم التجربة التونسية، الا أن هذه لم تكن الاجابة المبتغاة من قبل النائب جون كريستوف لاغارد الذي دعا الوزير الأول إلى إبداء موقف من إيقاف المرشح نبيل القروي. وتابع إدوارد فيليب أن تنظيم الانتخابات في بلد عرف ضربات إرهابية ليس بالأمر السهل اذ أن تونس تثبت للعالم بأنها لم تحد عن الديمقراطيةاجابة ديبلوماسيةن من رجل ديبلوماسي، تحيل على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتونس رغم أن النواب يخالفونه وجهة النظر.
من الجانب الدولي وتحديدا الاتحاد الأروبي، كان لقضية القروي حضور في توصيات بعضة الاتحاد الاروبي لمراقبة الانتخابات الرئاسية في تونس حيث شددت في بيان على ضرورة تكريس مبدأ تكافؤ الفرص من خلال تمكين نبيل القروي،من القيام بحملته الانتخابية.
في بيانها، أبرزت بعثة الاتحاد الأوروبي أنها تحترم استقلاليّة السّلطة القضائيّة، لكنها "تسجّل أنّ أحد المترشّحين الذين كان من المفترض أن يشارك في مناظرة يوم 7 سبتمبر، وهو المترشّح نبيل القروي، لم يتمكّن من التّعبير باعتبار وضعه تحت الإيقاف التّحفّظي من قبل العدالة منذ يوم 23 اوت". في نقطة موالية، أضاف البيان أنّ البعثة "تدعو السلطات المعنية إلى اتّخاذ الإجراءات اللاّزمة قصد تمكين كلّ المترشّحين، ومن ضمنهم السيد نبيل القروي، من القيام بحملتهم للانتخابات الرّئاسيّة في إطار احترام مبدأ تكافؤ الفرص وفقا لما ينصّ عليه القانون الانتخابي التّونسي وطبقا لمقتضيات الأحكام التّرتيبيّة الجاري بها العمل".
هناك شبه اجماع من قبل هذه الأطراف الثلاثة على مظلمة تعرض لها نبيل القروي، الانتقادات تجاوزت الايقاف وعدم احترام مبدأ تكافؤ الفرص الى محاولات تغيير القانون الانتخابي، خاصة وأن القروي سبق واستغل ورقة التدويل وبعث برسالة الى مجلس النواب الفرنسي والبرلمان الأروبي وسفراء الاتحاد الاروبي متى صدر مشروع قانون تنقيح القانون الانتخابي في جوان الماضي مما أثار حفيظة العديد من منافسيه الذين اعتبروا هذه الخطوة استقواء بالأجنبي. القروي كان انذاك يهدف الى تأسيس حملة دولية ضد تعديل القانون الانتخابي في محاولة للتأثير على السلطة للتراجع عنه. اليوم يقوم قياديو قلب تونس وزوجة القروي سلوى السماوي بذات المحاولة وهي الية سياسية معمول بها وليس فيها اي خرق للقانون التونسي. نبيل القروي هو ضحية التوقيت السيء هذه المرة، 4 أيام قبل يوم الاقتراع رغم وزر النوايا التي قد يحملها البعض للحكومة، وخاصة ليوسف الشاهد.
يبدو أن اللعبة السياسية في تونس تسمح بشكل غير معلن باستعمال كل الأسلحة، 3 مفاهيم سياسية جديدة وجدت طريقها الى الساحة – البروباغندا التي يستخدمها القروي، الlawfare (حرب القوانين) التي يستخدمها يوسف الشاهد، والتدويل، وهي ثلاثة أوجه مختلفة لواجهة واحدة تحمل الأسماء ذاتها وتتعلق بالقضية ذاتها وتهدد المسألة ذاتها، صورة المسار الانتخابي التونسي الذي يجب أن يكون ترجمة لما يريده التونسيون لا لما يريده السياسيون.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires