ودّعوا لينا بعلامة النصر، فالمسيرة تستمر.. !
الى الأمام، حتّى ونحن تائهون، الى الأمام، حتى ونحنُ نُحصي المرثيات والجنازات ومن غادرونا قبل أن نصل الى تونس التي نريد. الى الأمام، المسيرة تستمر، لنمضي الى الشمس.
من هي لينا بن مهني ؟
لينا بن مهني، "بنية تونسيّة" تؤمن أن الثورة فعل يوميّ مستمر، وهكذا كانت عبر التزامها العنيد بالقضايا العادلة تجسيدا للثورة عبر الأفعال البسيطة أولا قبل الخطوات الجماعية للشعوب. غادرتنا لينا في عمر السادسة والثلاثين وهي تخوض معاركها على كلّ الجبهات كالورد وقوفا، تكافح المرض في جسدها وتصد الذكورية مساندة التحركات النسوية التي انطلقت أواخر ديسمبر 2019 بنفس الحماس الذي دفعها لتغطية أحداث 17 ديسمبر 2010 في سيدي بوزيد، بنفس الوعي، بنفس السلاح، كانت لينا تكتب، في فراش مستشفى عموميّ، مؤمنة بالمساواة والحرية والكرامة .. كان لينا تكتب.
الى الأمام، تلك هي تحيتنا المكسورة ورثاءنا. من نزيلات سجن منوبة للنساء، من عائلات شهداء وجرحى الثورة، من الألتراس، من اتحاد الطلبة، من النساء الديمقراطيات، من اليسار، من كلّ طيف سياسي يدين للثورة بوجوده، من فلاحي جمنة، من الكامور، من سيدي بوزيد، من الصحفيين والمحامين والأطباء الشبان، من الحقوقيين والدستوريين.. من الأقليات الجنسية، من يهود جربة.. من كلّ من دافعت عن قضاياهم.. الى الأمام. سنمشي غدا في جنازة وطنية ونزفك بالنشيد من الزهراء الى ساحة الشهداء، وسنبحث عنك بين الجموع تحملين الكاميرا وتدونين هبّة ما، سنبحث عنك بين الوجوه والأعلام الحمراء، عن جسد صغير وساعد يرسم علامة النصر ويُغني للحرية. سنوصلك الى حيث تعبرين الى ميّة وشكري وولاد أحمد.. وسنعدك أنّ الوصولية والفاشية والذكورية والرجعيات الدينية وأعداء الحياة وحقوق الانسان لا مكان لهم هُنا.
لينا، لا يمكنُ للتاريخ السّائر دوما للأمامْ، أن ينسحب للوراءِ-لمربع، أو مثلّث، أو دائرة ماقبل 14 جانفي.. ولا يمكن للوقتِ كذلك أنْ يسارع إلى مابعد-الثورة ويُحاكمنـا على مالم نُحققّه، لأنّ عمر الثورات لا يقاس بالأعوام، ولأنّ المسار الثوريّ لم يكتمل، ولأن المسيرة تستمر. فلا تصدّقوهم. ليس على تونس أن تكون يوتوبيـا مُلونّة، وليس عليها أن تكون ديستوبيا ظلماءْ، ومن الساذج أن تنحصر أحكامنا على الواقع من خلال هذه الثنائية وأن نسعى لتحقيق المثاليّ- المثاليُّ غير موجود. ومن المخجل أن يقررّوا عوضًا عنّا. نحنُ بخير، الطريقُ أمامنا وتمّر منّـا. لسنا متفائلين بسذاجة ولا متشائمين بسخط. أقدامنا على الأرضِ ورؤوسنـا في السماءْ ونسير رغم "حبيب الظلام عدو الحياة " الى الأمام. لينا وغيرها من المناضلين الوطنيين أثر الفراشة في وجه سيرورة التاريخ، سيعيشون الى الأبد رغم رحيل أجسادهم. سيعيشون عبر الفعل الثوري اليومي الذين التزموا به .. فعل يبدو ضئيلا أمام ضخامة الواقع المخيف لكنه يتسرب كضوء، كأغنية، كبيت من قصيد الى وعينا بأننا علينا أن نساند الحقّ حتى لو احترق العمر من أجل ساعة نصر.
أثر الفراشة، لا يرى. لكن أثر الفراشة لا يزول. وداعا لينا بن مهني.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires