نبيل القروي من داخل أسوار سجنه إلى قصر قرطاج!!
أسدل ستار الدّور الأوّل للإنتخابات الرئاسيّة السابقة لأوانها، وكانت المفاجئة لكلّ الناخبين والسياسيين، مفاجئة قلبت كلّ الموازين والتوقّعات، أستاذ القانون قيس سعيّد، احتلّ المرتبة الأولى في نتائج الدور الأوّل من الإنتخابات الرئاسيّة السابقة لأوانها بنسبة 18 فاصل 4 بالمائة، والمترشّح الذّي حاولوا إقصاؤه بكلّ الطرق من السباق في الرئاسيّة، رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، فاز بالمركز الثاني بنسبة 15 فاصل 6 بالمائة.
26 مترشّحا للإنتخابات الرئاسيّة لكلّ منهم أسلوبه وطريقته في إقناع الشعب ببرامجه الإنتخابيّة التي تعدّ فقط إلى حدّ الآن حبرا على ورق لا أكثر، أيضا لكلّ منهم تاريخ لا ينسى، فالتاريخ لا يرحم، والشعب في هذا الدّور لم يرحم من تقلّدوا مناصب في الحكم وفشلوا في تقديم الفائدة للدولة وشعبها، وبكلّ جرأة وثقة في أنفسهم تقدّموا لشرف منصب رئاسة الجمهوريّة، ولكن يا خيبة ما سعوا إليه.
نبيل القروي لم يتقلّد السلطة ولم يشغل أيّ منصب في الدّولة ولم يختبره الشعب، بل بالعكس هو قدّم إختبارا للشعب وحصد نتيجة إختباره بفوزه بالمرتبة الثانية في الدور الأوّل. على امتداد تسعة سنوات، اعتمد القروي أسلوبا ذكيّا في التحضير إلى منصب رئاسة الجمهوريّة، أسلوبا بعيدا عن سياسة الكراسي والمناصب، بعد وفاة ابنه خليل القروي، انطلقت جمعيّة خليل تونس في جمع التبرّعات والمساعدات لفقراء تونس بكلّ الجهات والمعتمديات التي يمكن أن نقول عليها منسية من قبل السياسيين، ''يرحم خليل''، كلمة نطقتها الطبقة الضعيفة والفقيرة في كامل أرجاء البلاد، وكان القروي يتجوّل في ربوع تونس ويجالس تلك الطبقة التي لا فقه لها في السياسة والتي لا يهمّها شيئا سوى أن تأكل ولا تجوع.
لم يكتفي نبيل القروي بجمعيّة إبنه الراحل خليل فقط، بل كانت قناته ''نسمة''، منبرا إعلاميا لتلك الطبقة أيضا، بصفة يومية كان يمرّر في برامج قناته معاناة التونسيين وينقل مشاغلهم وآلامهم، وبطبيعة الحال هؤلاء تتملّكهم الفرحة برؤية أنفسهم في الشاشة التلفزية، حتى أصبحت هذه الطريقة عدوة يوميّة، وبعد كسبه لحب وثقة الكثير من هذه الطبقة التي تمثّل جزء كبيرا لا يتجزّء من تونس، جاء دور حزبه السياسي الذي كان سلاحه لدخول الحلبة السياسية ومنافسة السياسيين الذين سبقوه في هذه التجربة.
تعرّض نبيل القروي إلى العديد من الضغوطات والمضايقات بعد تصدّره لنوايا التصويت قبل الإنتخابات الرئاسيّة، أكثر من ذلك انطلقت محاولات إفشال مخطّطه للرئاسيّة، بداية بمحاولة الهايكا (الهيئة العليا المستقلّة للإتّصال السمعي البصري)، بعد صراع لسنوات،غلق قناة نسمة، مسانده الرسمي في كسب قلوب الناس، وبعد قطع بثّ القناة عادت بسرعة بعد سخط وغضب الطبقة الفقيرة الواسعة، فهؤلاء الذين تعوّدوا على مشاهدة مسلسلات تركيّة كلّ ليلة، ورؤية مشاكلهم تعرض على عامّة الشعب كلّ يوم في قناة نسمة لن يسمحوا بفقدان منبرهم الإعلامي الذين اختاروا متابعته يوميا عوضا عن القنوات الإعلاميّة الأخرى التي تقدّم برامج ترفيهيّة وفكاهية لا علاقة لها بواقع الشعب.
في محاولة ثانية، أراد أعداء القروي إقصاؤه من السباق الرئاسي، بتعديل القانون الإنتخابي وإدخال بند يمنع القروي من الترشّح، ولكنّ الراحل الباجي قائد السبسي لم يرضى بذلك، وعندما دخل القروي رسميا في السباق لقصر قرطاج، تحرّكت أجهزة الدّولة وقامت القوات الأمنيّة بإيقافه وإيداعه بسجن المرناقية يوم 23 أوت 2019، بسبب قضيّة رفعتها ضدّه منظمة ''أنا يقظ'' منذ سنة 2016، تتعلّق بفساد مالي وتبييض أموال.
دخل القروي للسّجن ومنع من المشاركة في المناظرة الرئاسيّة التي أجريت لكلّ المترشّحين، كما تمّ منعه من إلقاء كلمة للشعب في إطار حملته الإنتخابية، ولكنّه لم يعد في حاجة لتلك الكلمة لأنّه قام بإلقائها منذ سنوات، غاب نبيل القروي وحضرت سلوى السماوي زوجة الأسد (شعار حزب قلب تونس)، أشرفت هذه المديرة الإقليمية لمايكروسوفت في الشرق الأوسط وأفريقيا والمكلفة بالإعلان والإنترنت، على الحملة الإنتخابية لزوجها '' السجين السياسي''، كما وصفته، وانطلقت من مسقط رأسها في قفصة بالتعريف بالبرنامج الإنتخابي لزوجها رفقة فريقها، مثّلت هذه المرأة مفاجئة غير متوقّعة في الساحة السياسية، وانبهر بشراستها في الخطاب كلّ من استمع إليها، وبكلّ حرفيّة وقوّة تمكّنت من إنجاح حملة نبيل القروي الإنتخابيّة.
''أريد تونس وتونسيين بلا آلام ولا دموع، أريد تونس وتونسيين يملؤهم الإصرار والفرح والتفاؤل''، هذه الكلمات كانت فاتحة البيان الإنتخابي والحملة الإنتخابية لرئيس حزب قلب تونس، نبيل القروي، وبالتالي كان المحور الأوّل في برنامجه كأولويّة عاجلة ''مكافحة الفقر''، في هذا المحور تعهّد القروي بطرح مبادرة رئاسيّة خلال التسعين يوما الأولى بعد تقلّده منصب رئيس الجمهوريّة، ببعث ميثاق وطني لمكافحة الفقر، ويهدف هذا الميثاق إلى وضع إستراتيجيّة وخطّة عمل لتلبية إحتياجات أشدّ الناس فقرا من حيث الغذاء والسكن والتنقل والصحّة، وسيساهم في تنفيذ هذا الميثاق كلّ من الإتّحاد العام التونسي للشغل، اتّحاد الصناعة والتّجارة والصناعات التقليديّة، الإتّحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري واتّحاد المرأة.
ارتكز المحور الثاني على الأمن القومي، حيث التزم القروي في هذا المحور بإحداث وكالة مركزيّة موحّدة للإستخبارات والإستعلامات، خاصّة بالجيش والأمن والديوانة، بالإضافة إلى تعميق التنسيق مع الدّول الصديقة إقليميا ودوليا في الحرب على الإرهاب وعلى رأسها الدول المجاورة، كما التزم أيضا بالعمل على تطوير مفهوم الأمن القومي الشامل باعتباره يتجاوز مفهوم الأمن الكلاسيكي واعتبار القطاعات الإستراتيجيّة والحسّاسة في صميم الأمن القومي، مثل التعليم، الصحّة، الأمن الغذائي، الماء، الطاقة والمعرفة، مع وضع مفهوم جديد للأمن القومي الإقتصادي والإجتماعي والمعرفي متعلّق بهجرة الأدمغة، كذلك إلتزم بإحداث أكاديميّة دوليّة خاصّة بقوات النخبة ومكافحة الإرهاب وتشرف عليها خبرات تونسيّة بالكامل لفائدة الدول العربيّة والإفريقيّة.
تعلّق المحور الثالث بالديبلوماسيّة التونسيّة، من الناحية السياسية الخارجية، تمثّلت فلسفة القروي في رفض كل سياسات الإصطفاف والمحاور وإقامة العلاقات الدوليّة على أساس مصلحة تونس أوّلا في العلاقات الثنائيّة ومتعدّدة الأطراف وخصوصا الإقتصاديّة، مع تكريس حسن الجوار، أيضا الإلتزام بالموقف الرسمي الأممي (الأمم المتحدة)، في ما يخصّ القضايا الخلافيّة، والتمسّك بثوابت الديبلوماسيّة التونسيّة في ما يتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة (القدس عاصمة فلسطينيّة)، واعتماد الكفاءة والتناسب مع المسؤوليّة كمعيار أساسي مع الترفيع في التمثيل النسائي.
ونصّ البرنامج الإنتخابي للقروي من ناحية تفعيل الديبلوماسيّة الإقتصاديّة في ترفيع نسبة الكفاءات المختصّة في الإقتصاد والتجارة والتسويق من بين إطارات الإدارات المركزيّة لوزارة الخارجيّة وكذلك في السفارات والتمثيليات الديبلوماسيّة المختلفة، أيضا بهدف الضغط على المصاريف والترفيع من مستوى النجاعة، بإحكام التنسيق في الهيكيليّة والأهداف ما بين التمثيليات الإقتصاديّة والمكاتب ذات العلاقة في كلّ سفارة وذلك بتوحيد المكاتب الخارجيّة للسياحة، تونس الجويّة، مركز النهوض بالصادرات ووكالة النهوض بالإستثمار الخارجي، أيضا التركيز على الأسواق الإفريقيّة وتعزيز العلاقات مع دولها، وتنويع الأسواق نحو أسواق جديدة غير تقليديّة مع تقوية شراكة تونس مع الإتّحاد الأوروبي، وتعزيز القدرات على جلب التمويلات من المؤسّسات الماليّة والأسواق الدوليّة.
كما أنّ البرنامج الإنتخابي للقروي يهدف إلى الديبلوماسيّة الثقافيّة في العمل الديبلوماسي التونسي، وتعزيز الحضور التونسي في المراكز القياديّة للمؤسّسات العربيّة والإقليميّة والدوليّة واسترجاع المواقع التقليديّة في هذه المؤسّسات، أيضا إعادة الروح لإتّحاد المغرب العربي وإعادة هيكلته والإنطلاق نحو تعميق الشراكة في المناطق الحدوديّة غربا وشرقا، عبر إحداث المناطق الحرّة لإرساء نواة سوق مغاربيّة مشتركة إنطلاقا من مجموعة خدمات ومنتوجات، مع طرح مبادرة دوليّة لإحداث '' هيئة الأمم المتحدة لمكافحة التفاوت الجهوي''، ويكون مقرّها تونس لتعزّيز حضورها الدولي، بالإضافة إلى بعث مؤسّسة تعنى بالتسويق لصورة تونس اقتصاديا وثقافيا وسياحيا، مع تعزيز علاقات التونسيين في الخارج بوطنهم تونس، وتسهيل تفاعلهم باعتماد الأنترنت لخدمة إحتياجاتهم الإداريّة.
أما المحور الرابع لنبيل القروي فاختصّ بالمبادرات الرئاسيّة، حيث أعلن أنّه سيلتزم بطرح مشروع مبادرة ''الدستور الإقتصادي''، قانون توجيهي اقتصادي، أيضا وضع مبادرة تشريعيّة كبرى خاصّة بالإعتماد على خبراء القانون الدستوري وتهدف إلى تنقية المنظومة التشريعيّة من القوانين والأوامر الغير متناسبة مع مبادئ الدستور وخاصّة في ما يتعلّق بالحرّيات الفرديّة وبأوضاع المرأة، بالإضافة إلى ضمان تطبيق الدستور بين كل المواطنين مع استكمال تكوين جميع الهيئات الدستوريّة وعلى رأسها المحكمة الدستوريّة، أيضا تحويل كل المراسيم إلى قوانين ومنهم المرسومين عدد 87 وعدد 88، المتعلّقان بالجمعيات والأحزاب، كما سيتم طرح مبادرة من أجل تحييد عمل المؤسّسات الوطنيّة للإحصاء والتقييم، المعهد الوطني للإحصاء ومعهد الدراسات الكميّة، وجعلها مستقلّة عن الجهاز التنفيذي.
كما اختصّ المحور الخامس لنبيل القروي بالمؤسّسات الرئاسيّة، إذ أنّ القروي التزم بإعادة هيكلة مؤسّسة الرئاسة ومواردها البشريّة وفق متطلّبات الرؤيّة الجديدة وتكون الأولويّة إقتصاديّة وللأمن القومي الشامل، بالإضافة إلى تعزيز معهد الدراسات الإستراتيجيّة بكفاءات من مختلف الإختصاصات ومضاعفة ميزانيته الحاليّة، أيضا إحداث وحدات بحث ودراسات مختصّة في القطاعات الجديدة وعلى رأسها الذّكاء الإصطناعي والإقتصاد الرقمي والأمن السيبراني لوضع دراسات قطاعيّة إستراتيجيّة متوسّطة وطويلة المدى تستأنس بها الحكومة في وضع برامجها ومخطّطاتها، مع إحداث هيكل للتّقييم الكمّي حسب الأهداف، يختص بتقييم مدى تقدّم السياسات العامّة، والمشاريع والقطاعات الإستراتيجيّة وتطابقها مع المعايير، وتحرير نشاط تنظيم سفرات الحج والعمرة وإحالته بالكامل إلى وكالات الأسفار الخاصّة.
وبالنسبة لمشروع نبيل القروي فإنّ رئيس الجمهوريّة يجب عليه أن يشرف على جميع المجالس الوزارية المتعلّقة بالقطاعات الإستراتيجيّة باعتبارها مرتبطة بالأمن القومي الشامل، وتعهّد القروي بزيارة ولايات الجمهوريّة كلّ شهر من مبدأ أن يكون رئيس الجمهوريّة ملتصق بالشعب.
هذا البرنامج الإنتخابي لم يناقشه القروي في المنابر الإعلاميّة ولم يشارك حتى في الحملة الإنتخابية للتعريف به، ولكن الشعب أنصفه وأثبت أنّ كلمته هي الفاصل الحقيقي ولا صوت يعلو فوق صوت الشعب الذّي انتخب القروي وقيس سعيد بطريقة ديمقراطيّة.
لم يعد يفصلنا عن الدور الثاني سوى أيام قليلة، وستتوّج تونس برئيس جديد لها على امتداد خمس سنوات متتالية، فالبنسبة لقيس سعيد فلا غبار على ترشّحه وحتى إن فاز فسيعتلي قصر قرطاج بعيدا عن المشاكل، ولكن المعادلة الثانية صعبة ومعقّدة، لأنّ نبيل القروي في صورة فوزه في الدور الثاني وأصبح رئيسا للجمهوريّة كما أراد الشعب، فستتوه تونس في الأخذ والردّ بين السلطة القضائيّة ومجلس نواب الشعب، بين إطلاق سراح الرئيس المسجون وبين حقّه في أداء القسم بمجلس نواب الشعب.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires