قضيّة آدم بوليفة تكشف عن متحيّل ومُنتحل هوية مزيّفة.. لصالح من قام بذلك؟

مثّلت حادثة وفاة الشاب آدم بوليفة بالملهى اللّيلي بنزل الماديسون بالعاصمة تونس يوم 16 نوفمبر 2019، قضيّة رأيّ عام تورّط فيها المسؤول عن النزل وأعوان الحراسة والعاملين بالنزل. كما ساهمت هذه الحادثة الأليمة إلى إعادة لفت نظر إلى الأمن في  العلب والملاهي الليليّة وكيفيّة تنظيمها وتأمينها لضمان سلامة المواطن التونسي.

مازالت القضية قيد التحقيق، لكن بعد تداول العديد من الفيديوهات على موقع التواصل الإجتماعي، يذهب الرّأي العام الى فرضية  أنّ أعوان الحراسة تسبّبوا في قتل الشاب بوليفة ليلة إحتفاله بعيد مولده 23 رفقة والده وأصدقائه. الفيديوهات أظهرت أنّه نتيجة لشجار جدّ بالملهى بين الضحيّة وأحد العاملين بالنّزل ساهم في تدخّل أعوان الحراسة وسحل الشاب إلى خارج النزل أمام أنظار والده وقاموا بتعنيفه ثمّ رميِّه في فوهة مصعد معطّل مما أدّى إلى وقوعه على الأرضية بطابقيْن وتوفيّ على عيْن المكان. والد الضحيّة تدخّل لمعرفة مكان ابنه وأراد أن يفهم حقيقة ما حصل له حيث أعلمه أحد العاملين بالنزل أنّه بخير إلى حين قدوم السلطات الأمنيّة وسيارة الإسعاف ليتمّ إبلاغه بعد ذلك أنّ إبنه الوحيد فارق الحياة.  أذنت النيابة العمومية فور وقوع الجريمة بالاحتفاظ بمدير النزل، وخمس من موظفي وأعوان الحراسة الذين تورطوا، حسب المعطيات الأولية، في هذه الجريمة. 

والي تونس الشادلي بوعلاق أذن بغلق نزل الماديسون بشارع محمد الخامس يوم الثلاثاء 19 نوفمبر 2019، كما تمّ اصدار قرار يقضي بسحب رخصة مناولة المشروبات الكحولية من هذا النزل بعد ثبوت كرائها وهي رخصة شخصية لا يمكن استعمالها من طرف آخر، وهو ما يشير إلى عدم قانونية فتح الملهى. يوم الأربعاء 20 نوفمبر، أفاد سامي السويسي محامي الشاب المتوفي آدم بوليفة أنّه تمّ إيقاف ثلاثة أشخاص في القضيّة، وتمّ توجيه تهمة القتل العمد لشخصين والمشاركة في الجريمة لشخص ثالث. وبعد أن تمّ ترويج إشاعة مفادها خروج تقرير الطبّ الشرعي الذّي بيّن أنّ أسباب الوفاة تعود إلى كسر أضلع الضحيّة، أكّد رئيس قسم الطب الشرعي بمستشفى شارل نيكول منصف حمدون أنّ ما يروّج حول محتوى تقرير الطب الشرعي في قضيّة الضحيّة بوليفة غير صحيح وإشاعة وبيّن أنّ التقرير لم يُقدم ولم يُنشر بعد.

قضيّة المرحوم آدم بوليفة، كما سبق وأوردنا كثُرت فيها العديد من الأكاذيب والكلّ أصبح يتحدّث عن أسباب الوفاة ويدعو إلى محاسبة المجرم بأشدّ العقوبات. يوم الجمعة 22 نوفمبر 2019، فوجئ الرّأي العام بمنع  قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس المتعهّد بقضية مقتل الشاب آدم بوليفة بثّ روبورتاج حول القضيّة في برنامج " الحقائق الأربع" على قناة الحوار التونسي، والكلّ يعلم أنّ هذا البرنامج بفريقه الحرفي بعد بحث معمّق وتقصّي في الأحداث يكشف في كلّ مرّة عن العديد من الملفّات المسكوت عنها في مختلف المجالات. وكان قد قام بإعداد روبورتاج أعاد فيه تمثيل أحداث واقعة موت آدم بوليفة وكان سيكشف عن بعض الحقائق، إلاّ أنّ قاضي التحقيق بطلب تقدّم به أحد المحامين النائبين في القضية مستندا في طلبه على المبدأ القانوني المتعلق بسريّة التحقيق منع بثّ الروبورتاج. 

قرار منع بثّ التحقيقات بقناة الحوار التونسي ليست الأولى من نوعها، للتذكير تمّ إلغاء بثّ تحقيق سامي الفهري المتعلّق بكشف أسرار حركة النهضة. بعد أن تمّ منع فريق الحقائق الأربعة من بث روبورتاج المتعلّق بقضيّة آدم بوليفة، أصدرت الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري   بيانا يوم السبت 23 نوفمبر 2019، ندّدت فيه بقرار قاضي التحقيق بمنع البث التلفزي لجزء من برنامج الحقائق الأربع، واعتبرت أنّ تكرّر منع بث برامج تلفزية بصفة مسبقة من قبل السلطات القضائية يشكّل مواصلة لمخالفة مقتضيات الفصل 31 من دستور الجمهورية التونسية الذي ينصّ على أن "حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة ولا يجوز ممارسة رقابة مسبقة عليها". الهايكا بيّنت أنّ التعلُّل بأنّ ما سيبثّه الربورتاج من شأنه أن يشكل مسا بمبدأ سرية التحقيق مجانب للصواب على اعتبار أن سريّة التحقيق تشمل الوثائق والمحاضر المضمنة بمحاضر الأبحاث دون سواها، علاوة على أن الإقرار بذلك يقتضي الاطلاع على مضمون الروبورتاج إثر بثه، وخلاف ذلك يعتبر رقابة مسبقة على الإعلام.

بعد أن تمّ منع بثّ جزء من الحقائق الأربع، التصقت بالبرنامج تهمة أثارت الرّأي العام يوم السبت 23 نوفمبر، ذلك أنّ أحد الصحفيّين بالبرنامج ذهب لمنزل الضحيّة آدم بوليفة وبقي مع عائلة الفقيد لمدّة ثلاث أيام مقدّما نفسه على أنّه صحفي بالحقائق الأربع. حمزة البلومي نفى تصريحات هذا المُتحيِّل وأكّد أنّه لا ينتمي لفريق الحقائق الأربع، وبيّن أنّ هذا الأخير أمضى ثلاث أيام بمنزل الفقيد يصوّر ويأخذ في التصريحات من أهل الضحيّة. وباتّصال والد الضحيّة بفريق البرنامج للإستفسار عن حقيقة ذلك الشخص، أكّد له البلومي أنّ البرنامج لم يرسل أي صحفي "للإقامة" في منزل الضحية، كما أنّ ذلك الأخير لا يمتُّ للحقائق الأربع بأيّ علاقة. حمزة البلومي أكّد أنّ ذلك الشخص هو منتحل صفة وأراد استغلال ثقة الناس في البرنامج لكي يتمكّن من الدخول لمنزل الضحيّة ويأخذ شهادات عائلته. وأضاف البلومي أنّه بالإتّفاق مع وسام بوليفة والد الضحيّة، قرّرا تتبّع ذلك المُتحيِل قضائيا.

شملت قضيّة التحقيق في وفاة الشاب آدم بوليفة، مريم الدباغ وهي معلقة (كرونيكوز) بقناة الحوار التونسي، نظرا لبروزها في الفيديوهات التي تمّ تداولها واعتبر البعض أنّ هذه الأخيرة متسبّبة في وفاة آدم بعد أن اشتكت لحراس النزل بأنّ آدم قد قام بمضايقتها. يوم السبت 23 نوفمبر 2019، قام الإعلامي هادي زعيّم باستدعاء الدباغ في برنامج ''نجوم'' على إذاعة موزاييك أف أم حيث نفت أن تكون لها أيّه علاقة بمقتل الشاب، وأكّدت حضورها في السهرة ذاتها كما أنّها شاهدت من طاولتها قيام حراس الأمن في النزل بتعنيف آدم بوليفة مشيرة أنّها لم تتمكّن من رؤيته جيّدا لأنّه كان ملقيا على الأرض، وأضافت أنّها خرجت من الماديسون من باب النّجدة بعد توقّف الموسيقى وحضور دورية أمنية، وتابعت أن أحد الأمنيين أخبرها بوجود حالة وفاة وعليها المغادرة. الدباغ نفت قيام الضحيّة بإقلاقها لأنّ المكان المخصّص لها في النزل محمي ولا يمكن لأيّ كان الولوج إليه. وكشفت لميكرو الهادي زعيم في البرنامج الثقافي "نجوم" أنها تتعرض لتهديدات وتمرّ بحالة نفسية صعبة بعد ما اتهمها البعض بالتورط في مقتل الشاب آدم بوليفة. 

نفس الشخص الذي انتحل صفة صحفي تابع لفريق الحقائق الأربع، واسمه معتز عكريمي، تدخّل في برنامج ''نجوم'' مع الهادي زعيّم وقدّم نفسه على أنّ إسمه ''معتز بوليفة'' وادّعى أنّه كان حاضرا في طاولة الضحيّة آدم بوليفة، وأكّد لزعيّم أنّ الدبّاغ لا علاقة لها بالحادثة. بعد حوالي نصف ساعة، اتّصل والد الضحيّة، وسام بوليفة بالهادي زعيّم وأخبره أنّ ذلك الشاب لا علاقة له بعائلة بوليفة كما أنّه انتحل صفة صحفي بالحقائق الأربع وبقي في منزل الضحيّة لمدّة ثلاث أيام متتالية يصوّر ويأخذ  تصريحات. من جهته، اعتذر الهادي زعيم لوالد الضحية على الهواء، وأكّد أنه سيتم نشر صورة الشاب والتشهير به من أجل التحيّل وتقديم شهادة زائفة وسيتم سحب شهادته من مواقع التواصل الاجتماعي، وقامت إدارة الإذاعة بالاتصال بالشرطة التي حلّت فورا وألقت القبض على هذا الشخص.

أثارت هذه الحصّة جدلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبر البعض أنّ هذا المتحيّل متفق مع الدباغ التي أثبتت بهذا التصرّف أنّها متورّطة في القضيّة. كما اعتبر البعض الآخر أنّ مثل هذه التصريحات الزائفة مسّت من مصداقيّة إذاعة موزاييك وهزّت ثقة مستمعيها، وهو الشيء الذي دفع بإذاعة موزاييك أن تنشر إعتذارا مساء يوم السبت، واعتبرت أنّ ما حصل في برنامج ''نجوم'' تجاوزا خطيرا يتناقض بشكل صارخ مع الميثاق التحريري للإذاعة. وندّدت بكيفيّة السماح لشخص انتحل صفة صحفي وصفة قريب الضحية آدم بوليفة بالدخول إلى الاستوديو أثناء البث المباشر دون التثبت من هويّته أو مشروعية تدخّله أو استشارة إدارة التحرير. وحرصا منها على سمعة الإذاعة واحترام المستمعين وللحفاظ على خطها التحريري، قرّرت الإدارة العامة دعوة هيئة التحرير لفتح تحقيق داخلي عاجل في الغرض لتحديد المسؤوليات واتخاذ الإجراءات الضرورية.

موزاييك أف أم قرّرت الإيقاف المؤقت والفوري لفريق برنامج "نجوم"، وقامت باستدعاء أب الضحيّة وسام بوليفة وقدّمت له الإعتذار وقدمت الاذاعة اعتذارها من المستمعين، مشددة تمسكها بأخلاق المهنة. بعد إيقاف برنامج ''نجوم'' وكلّ العاملين به، تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي خبر طرد موزاييك أف أم للإعلامي الهادي زعيّم. في هذا الإطار، نشر زعيّم تدوينة يوم أمس 25 نوفمبر، أكّد فيها أنّه قدّم استقالته من إذاعة موزاييك نافيا خبر طرده، وبيّن أنه متعاون خارجي ولا يمكن انهاء عقده لأنه يعمل دون عقد منذ سنة 2004. وأشار إلى أنّ سبب إستقالته مردّه تسرّع موزاييك في أخذ قرار إيقاف البرنامج الذي يعمل فيه منذ 15 سنة دون سماع فريق العمل والتحقيق معه. في نفس السياق، نشر سامي الفهري تدوينة على حسابه بالأنستغرام أكّد فيها أنّ قناة الحوار التونسي متمسكة بالهادي زعيم وسيستمرّ في تقديم برنامج ''فكرة سامي الفهري'' نظرا لحرفيته في الإعداد والتقديم.

عشرة أيام مرّت على وفاة آدم بوليفة، أيام كُشفت فيها العديد من الحقائق كما كثرت  الإشاعات والكذب والتحيّل وبقيت القضيّة في طور التحقيق والبحث المستمر لدى السلطات القضائيّة.

يسرى رياحي