وثيقة الائتلاف الحكومي : هدوء حذر وثقة مؤقتة

اجتمع الخصوم لمرة أخيرة  حول طاولة رئيس الحكومة الياس الفخفاخ لخطوة نهائية تختم مسار المشاورات، ولأن الوعود الشفاهية لا تعد ضمانا موثوقا في عالم السياسة وقد تتغير وفق موازين القوى، وقّع الحاضرون من رؤساء احزاب وكتل مشاركة في الحكومة وثيقة تعاقدية كالتزام مزدوج، يبدأ بالتصويت على منح الثقة للفريق الحكومي ويتواصلُ عبر العمل المشترك على الرؤية الحكومية الموحدة.

الثقة في الوثيقة  ! 

يدخل الائتلاف الحكومي عهدته عبر بوابة "خطة عمل" أولية تحدد خطه السياسي واهتماماته الكبرى في 80 نقطة اصر الفخفاخ ان يضمنها منذ البداية الالتزام بمبادئ الثورة، بعلوية الدستور التي يبدو أنها تمثلات قادمة من قرطاج ومستوحاة من مقاربة رئيس الجمهورية قيس سعيد، ضمنها الفخفاخ في النقطة الأولى والثانية من الوثيقة اي في اعلى هرم الاهتمامت. كما استلهم رئيس الحكومة المكلف بعض النقاط من برنامج الانتخابي المبني على تصور ديمقراطي اجتماعي، حيث تضمنت الوثيقة تشديدا على  تعزيز منظومة الحقوق والحريات والمساواة (بين المواطنين وبين الجنسين)  والانتقال إلى دولة آمنة تضمن العدل والإنصاف وتُفعل  مخرجات العدالة الانتقالية طبقا للقانون.  ولخص الاهتمامات العامة في إصلاح الصحة العمومية وتحسين القدرة الشرائية مع ايلاء اهتمام لمكافحة الفساد والتي ستكون ثالوث الرهانات الحكومية القادمة في الفترة الأولى على الأقل مع اضافة مساهمات الأحزاب في تعديل الوثيقة وفق رؤيتها السياسية وبرامجها الانتخابية مثلما تشير خاتمة النص التعاقدي.

تعهد رئيس الحكومة بالانفتاح على بقية الأطراف السياسية واعتماد مقاربة تشاركية في صياغة السياسات العمومية وتطوير الحوكمة المفتوحة وتعزيز آليات المساءلة والمحاسبة والمراقبة مقابل التزام الأحزاب الموقعة على العريضة  بوضع آلية قارة لتنسيق مواقفهم ودعم الحكومة وإسنادها سياسيا وبرلمانيا وإعلاميا.قُسمت المذكرة الى أولويات عاجلة ومتوسطة المدى وآليات وأسس ومبادئ عامة. من أولويات الفريق الحكومي اذن التصدي لكافة مظاهر الاجرام ومقاومة الاحتكار والتهريب (رهان أمني)، اعتماد إجراءات عاجلة تهم المؤسسات الصغرى والمتوسطة والكبرى و ايلاء الخطة الوطنية لمكافحة الفساد وتعبئة الموارد ما تستحقه من أهمية (رهان اقتصادي). ثم استكمال اللامركزية وإصلاح منظومات التربية والتعليم العمومي والصحة العمومية والفلاحة وانجاز النقلة الرقمية والنقلة الطاقية (رهانات اجتماعية).

هدوء حذر

بعد اتهامات متبادلة طيلة المسار الانتخابي ومن ثم طيلة المسار التشاوري، بدأ الهدوء النسبي يتجلي من خلال تصريحات رؤساء الأحزاب والكتل التي تحولت كانت مبنية على مهاجمة الخصم واضحت رسائل طمأنة وتقاؤل، حتى أن وجوه الاطراف المشاركين بدت باسمة وغاب التوترالذي كان سيد المشهد. الخلافات بين مكونات الائتلاف الحكومي كانت بشأن التموقع والحقائب الوزارية بدرجة أولى، وبشأن المواقف السياسية بدرجة ثانية (قانون العتبة، جوازات السفر الديبلوماسية، مردود حكومة الشاهد..). التفاهم الصوري والرسائل الايجابية لا تعدو كونها اليات احتواء الى غاية مرور الحكومةن ثم غالب الظن أن الصراعات السياسية بين اكتلة الديمقراطية وتحيا تونس والنهضة ستولد من جديد ولن يمنع التوافق في فريق حكومي واحد من التضاد في المواقف على المستوى البرلماني. النهضة لن تكون حليفا حكوميا مضمونا لأن تصريحات قياديها (الغنوشي والبحيري) تشير الى أن الحزل الاسلامي يراهن على تعزيز دور البرلمان في المشد القادم بحيث يكون السلطة الأولى في صدام واضح مع مؤسسة الجمهورية. التيار والشعب المتحدان في كتلة واحدة سيواصلان الخطاب الصدامي مع كتلة النهضة بشأن المواقف من تعديلات النظام الداخلي في المجلس وتعديل القانون الانتخابي وغالبا كل المحطات التشريعية القادمة حقوقية كانت أم مشاريع اقتصادية. الهدمة الوقتية لا تطول، لأنه ليس المجلس الوزاري وحده من سيضمن توازن الحكومة، بل المجالس الوطنية والمكاتب السياسية للأحزاب- وفي حالة النهضة، مجلس الشورى.

بداية جديدة ليوسف الشاهد

نشر يوسف الشاهد صبيحة اليوك رسالة شكر يعلن فيها عن انتهاء عهدته واستعداده لتسليم المهام – رغم ان مرور الحكومة في جلسة الثقة ليس امرا محسوما. وبهذا ينتهي لقب رئيس الحكومة لكن الشاهد لن يغادر الساحة السياسية التي ضمن قبل تشريعيات 2019 انه سيستمر في التواجد فيها عبر حركة تحيا تونس. وقع الشاهد على الوثيقة التعاقدية ضامنا بذلك قرار المجلس الوطني للحركة التي قررت منح الثقة لحكومة الفخفاخ. يبدأ يوسف الشاهد مرحلة جديدة هي تعبيرة عن طموحه السياسي الذي لم يتردد في اظهاره على مدى 4 سنوات تحدى فيها الجميع من نجل الرئيس والمدير التنفيذي للنداء حافظ قائد السبسي الى النهضة  الى اتحاد الشغل مرورا بترشحه للرئاسية. مع ان الشاهد سبق واعلن انه لن يترشح لأي منصب في الحكومة وأنه سيخدم تونس من اي موقع، الا أن من تابع الشاهد من توليه رئاسة الحكومة الى اليوم يعلم انه لن يغيب عن المشهد وسيسعى الى اثبات نفسه مرار عبر تموقعات حزبه والتخطيط للانتخابات القادمة.

ساعات تفصلنا عن جلسة منح الثقة التي تتحمل الاجابات لكل الاسئلة بداية بالسؤال المحوري هل سيكون لتونس حكومة قبل منتصف الليلة ام هل سنمر الى حل المجلس واعادة الانتخابات، والأسئلة الفرعية التي سيجيب عنها الفخفاخ في خطابه امام النواب.

عبير قاسمي