هل شبابُ الأحياء الشعبيـّة مواطنون من درجة عاشرة؟
صورة لياسين قايدي
لا تتعاملُ الأذرعُ القمعية للدولة مع جميع أفعال الاحتجاج بذات السلوك، يوجد درجات مُختلفة من 'البـولسة' لكلّ تحرّك مُواطني، ويوجد درجات مختلفة من المواطنين في نظر الشخصيّة القاعدية للأمنيّ، عديمُ التكوين على ثقافة حقوق الانسان.
هذا الأمنيّ القادمُ لوزارة الداخليّة محملا بعـُقد شابّ تونسي بسيط لم يُهذّب فكره خلال سنوات نظام تعليميّ أجوف، مشحونا بعُنف شابّ تونسي بسيط شبّ على العنف كظاهرة مُجتمعية مقبولة، مُغرقا بفانتازم "الحاكم" الذي سيجعلهُ سيّدا، توّاقا الى السُلطة الرمزيّة لشارة الشُرطة وعصاها الغليظة.
يوجد طبقات من المحتجّين في ذهن البوليس : محتجون من صنف 'نبيل' هم المحتجُون من داخل دائرة السلطة (كمسيرة 26 فيفري الذي نظّمها الحزب الاسلامي) يوجد مُواطنون من صنف 'زميل' (كمسيرة النقابات الأمنية) هم أقلّ درجة لكن في سُلّم الامتيازات لكنّهم "أبناءُ جلدتهم" وفق ميثاق غير منطوق لا نعلم عنهُ شيئا، يوجد محتجون من طينة نقابيّة أخرى لكنها جُزء من منظومة الأخطبوط (مسيرة اتحاد الشغل جنبا الى جنبا مع قياديي الحركة الاسلامية).
هؤلاء جميعا مواطنون تتولّى الداخلية بكلّ لطف حمايتهم، مرافقتهم وخدمتهم. ويوجد، من هُم تحت، أولئك الذين يكونون فريسة الاعتداء والسّحل والتنكيل وحتّى الموت، لأنهم ينتمون الى تصنفيات خارج بـــُنى الهيمنة، وطبقات تراكمت الامتيازاتُ في الجهة المقابلة لها فتراكم البؤس فيها :
النساء، الشرذمة اليسارية، الشوّاذ المُخيفون الذين يلبسون حلقات الأنف، أحباء نوادي كُرة القدم، مواطنو الولايات الداخليّة، وأخيرا، في دَرَك التّصنيف، أبناء الأحياء الشعبية، السيستام، بمؤسساته وأمنه وقضاءه ونُخبته، يُلبسون أبناء الأحياء الشعبية وصــــما ثقيلا وخانقا وظالما، يرون خلف أسوار حيّ التضامن والانطلاقة والسيجومي وسيدي حسين والجبل الأحمر عالما من الجريمة والجهل والانحراف والارهاب، يرونهم كمُواطني القاع الذين لا يصلحون سوى خزّان انتخابي سهل الخداع.
ما يمكن قراءتهُ من خلال التعاطي الأمني مع التحرّك الاحتجاجي الأخير لأبناء سيدي حسين، أن البوليس يتعامل مع أبناء الأحياء الشعبية على أنهم محل شك دائم، يُراكمون احساسهم بانعدام المساواة والظلم الاجتماعي، يؤكدون لديهم شعور الإقصاء الاجتماعي- يبدو أنه ليس لهم الحق حتى في الرفض والاحتجاج والمشاركة في المسيرات، لأنهم أبناء أحياء شعبية عنيفون وجهلة. وأمام دهشتهم، كان شبان وشابات هذه الأحياء وقود الحراك الاحتجاجيّ. تحوّل الفرد الموصوم سلبيّا، الى مُحتجّ واع يردد الشعارات ويحمل اللافتات المطالبة "بالعدالة والحريّة للأحياء الشعبية" و"العدالة لأحمد" فأحسّ الجهاز القمعي للدولة بالتهديد... أن أمرا ما خاطئ، وأنه يجب أن يُركل ويُسحق ويُعتقل هؤلاء ممن تجرؤوا على اقتحام شارعهم ومساحتهم. أبناء هذه الأحياء، يتعرضون لاقصاء مضاعف، لتمييز مُضاعف، ولعنف مضاعف!
انّ وجودك كلّه، وكيانك، وانسانيّتك سيتم حصرها وفق انتماءك الترابيّ لجُغرافيا الطبقات، انّ الحكم المسبق الذي يُصاحب نظرات الاحتقار لعُنوانك سيحدد قيمتك كانسان، انّ هُويتك مسطرّة مسبقا وأوصافك معلومة وتُهمتك مُسجّلة ومصيرك محتوم. انّ تعاملهم معك سيكون بين نقيضي الإِبْخاس والشقفة.
واذا قررّت الاحتجاج، بمزاجك الحانق وغضبك اللاّمؤطر، تـــُسقط الدولة قوات الأمن في فضاءك الخطير على تخوم العاصمة والمدن الكبرى، ويواجهك البوليس بعداء غريب يكنه لشُبان الأحياء الشعبية، لا ندري ان كان حذرا مكتسبا من التجربة اليومية لرجل الأمن أم حقدا موروثا لأنّ الأمني البسيط يراك جُزءا من ماضيه في موقع الخضوع الذي انتقل منه بفضل وظيفته الجديدة الى موقع التفوّق. غالبا، هو أيضا ابنُ حيّ شعبي لفظه النظام التعليمي مبكرا فانقطع عنه. غالبا هو أيضا فشلت الدولة في تكوينه كفرد سويّ يحس بالمواطنة والانتماء، غالبا هو أيضا ضحية السيستام المُتخلي عن وظيفته الاجتماعية في الاحاطة والتثقيف والتربية، غالبا هو أيضا أُذيبت فيه الذكورية بكلّ سمومها منذ نعومة أظافره، غالبا هو أيضا يعيدُ انتاج الكراهية في مجتمع لا يعرف كيف يُحب، لكن ما لا يمكن تبريره هو قدرة البوليس على ارتكاب فضاعات كالتي رأيناها في سيدي حسين، لا يمكن تبريرُ كل ذلك الاذلال والتعذيب والبشاعة بأنها نتاج سياسة دولة، لا يمكن أن ننكر المسؤولية الفردية لمن يجب أن يُحاسب ونكتفي بتلاوة عموميات و نسمح للافلات من العقاب أن يتواصل.
الشخصان اللذان سحلا الطفل فادي وجردّاه من ملابسه واعتديا عليه لا يمكن أن يكونا سوى مُجرمين بحاجة أولا للجزاء، وثانيا للعلاج النفسي.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires