alexametrics
الأولى

في عيد الشغل... غاب الشغل وحضر العيد

مدّة القراءة : 3 دقيقة
في عيد الشغل... غاب الشغل وحضر العيد

 

تحتفل تونس كغيرها من سائر البلدان في كل سنة بعيد الشغل يوم غرّة ماي، فتخرج جموع من العمّال والموظفين في مسيرات تتباين أعدادها وأحجامها وقوتها، لتعيد لأذهاننا ملاحم النضال التي خاضتها وتخوضها الطبقة العاملة ضدّ الاستغلال والتعسّف والاضطهاد.

 

لنتفق أولا أن لعيد الشغل رمزية تاريخية تعود إلى أواخر القرن 19 وتحديدا إلى سنة 1886 عندما قرّر عمّال مدينة شيكاغو الأمريكية الدخول في اضراب للمطالبة بتخفيض ساعات العمل اليومية إلى حدود 8 ساعات، وتم فض الاضراب من قبل الشرطة بالقوّة وسقط العديد من الضحايا نتيجة انفجار قنبلة وسط حشود العمّال وتمت مقاضاة 7 من زعماء العمّال والحكم عليهم بالإعدام.

 

هذا العرس العمّالي السنوي تعبّر فيه الطبقة العمّالية عن آلامها وآمالها وتقيّم فيه المنظمات النقابية أدائها وحصيلة ما تحقق على مدى سنة ووضع تخطيطاتها للعام الجديد، لا أحد ينكر أن بعض المنظمات النقابية تقوم بدورها وتعمل جاهدة على تنظيم العمّال وتأطيرهم والدفاع عن مصالحهم وحقوقهم وتسهر على تمثيلهم، لكن لا يختلف اثنان في أن هذه السنة وكسابقيها منذ سنة 2011 مازالت تعيش على مسلسل الاحتجاجات والاضرابات هنا وهناك إما مطالبة بالشغل أو بتسوية وضعيات مهنية أو بتحسين ظروف العمل، سواء كانت بدعوة من القطاعات التي تمثلها أو بصفة عفوية من العمّال نظرا لما يتكبدونه من معاناة وما يتعرّضون له من شتّى أنواع الظلم.

وماتزال الحكومة تنتهج أسلوب المماطلة وعدم التعاطي الإيجابي مع الملفات المطلبية وبالرغم من إعلان المجلس الوطني للحوار الاجتماعي الذي كان محطة للتعارف أكثر منه من التفاوض وانتزاع الحقوق حتى رأى البعض أنه ولد مشوّها، أعرجا ومبتورا نظرا لإقصاء بعض المنظمات الشغلية والمهنية.

المجلس الوطني للحوار الاجتماعي شاركت فيه أبرز القوى النقابية الممثلة في الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، وتمّ الإعلان عن الجلسة التأسيسية منذ نوفمبر 2018، وربّما كانت الآمال معلّقة على هذا المجلس علّه يحدّ من تردّي الوضع الاجتماعي، لكن، وحتّى أنّه ولد بعد مخاض طويل إلا أنّه ولد دون روح... حبر على ورق... بوعود جوفاء... وحلول ترقيعية لا ترقى لانتظارات وطموحات لا المنظمات الوطنية المشاركة ولا لمنتسبيها من عمّال.

 

فحسب آخر احصائيات المعهد الوطني للإحصاء فإن نسبة البطالة بلغت 15 فاصل 4 بالمائة في الثلاثي الرابع من سنة 2018 وتحتفل بلادنا بعيد الشغل في ظلّ أكثر من 642 ألف عاطل عن العمل.

ويشكو قرابة ثلث خريجي التعليم العالي أكثر فأكثر من ظاهرة البطالة التي ارتفعت في صفوفهم بنحو 11 ألف عاطل جديد عن العمل أي بنسبة 29 فاصل 7 بالمائة.

واحتلت تونس المرتبة التاسعة عالميا من حيث نسبة البطالة من مجموع أكثر من 200 دولة في العالم بحسب تقرير لصندوق النقد الدولي. 

هذا ولم تعرف النسبة في تونس تراجعا منذ سنوات بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد والإجراءات التقشفية التي اتخذتها في السنوات الأخيرة والتي أدت إلى تراجع الاستثمار كما قررت الحكومة غلق باب الوظيفة العمومية وتجميد الانتداب في القطاع العام.

قرار ربّما اضطرّت الحكومة لاتخاذه لكنه سيزيد الوضع سوء في ظلّ البطالة المستشرية والفقر المدقع وأمام عجز القانون وغياب الخطط التنموية.

 

غرّة ماي هو عيد الشغل والموافق لبدء نفاذ مجلة الشغل التونسية المنظمة للمسألة الشغلية والصادرة سنة 1966، كرّست العديد من الحقوق لفائدة الأجير أهمها أنه "يتمتع قطعا بحقه في الحصول على أجره ويحدد المشرع أجر أدنى مضمون لا يمكن النزول تحته وغالبا ما تتضمن الاتفاقيات المشتركة امتيازات مالية للأجراء...".

هذه السنة اختار الاتحاد العام التونسي للشغل أن يكون عيد العمّال نضال من أجل تحرير كادحات العمل الفلاحي من الاستغلال عقب الكارثة الإنسانية التي عرفتها البلاد يوم السبت 27 من الشهر الجاري والمتمثلة في انقلاب إحدى شاحنات الموت التي تنقل عاملات فلاحيات بمنطقة السبالة من ولاية سيدي بوزيد فقدنا على اثره 12 عاملة وعاملا فلاحية، عاملات ركبن شاحنة الموت طمحن في عيشة أفضل وغد أجمل، ركضن وراء بعض المليمات لينلن الفتات الذي بالكاد يغطي حاجياتهم الأساسية لهم ولأسرهم الفقيرة، عاملات اخترن –مجبرات- طريق الرعب ببطون خاوية حاملات رغيف خبز لا يسدّ رمقهن ليصادفن الموت  وهم في طريقهم الى إحدى الضيعات الفلاحية للعمل، معظمهم من قرية واحدة ويحملن نفس اللّقب. حادث مأساويّ-سيرياليّ أعاد إلى الواجـهةِ السؤال عن وضعية النقل الفلاحي في تونس، ناهيك عن تشغيل القُصّر والعنف الاقتصادي ضد المرأة، وعدم احترام مجلة الشغل وغياب نظام الضمان الاجتماعي. مثال واحد من نسوة السبالة قادر أن يرينا كل مواطن النقص، التي قد تشوّه صورتنا المثالية عن المرأة التونسية

 

هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها وقد لا تكون الأخيرة إذا ما تمت مراجعة التشريعات وضمان حقوق عاملات الفلاحة في المناطق الريفية، الكل يتحدث عن عيد العمّال لكن لا أحد يتحدّث عن هموم العامل وحاجاته وحقوقه أو عن قانون العمل الذي يجب تطويره وتفعيله لحماية العمال. فعمّال القطاع الفلاحي في تونس يعرفون شتّى أنواع الاستغلال والظلم والقهر ناهيك عن استهتار الدولة بهذه الفئة وبمقتضيات مدونة الشغل والمعاملة اللا إنسانية التي تطال العاملات والعمال الذين يكدون صباحا مساء لتوفير القوت اليومي.

 

اليوم وككل سنة يستعد العمّال لإحياء مناسبتهم لتعلو الأصوات المطالبة بتوفير الحد الأدنى من الشغل اللائق وانهاء كل أشكال العنف والاستعباد والاستغلال وإغاثة العاطلين عن العمل والتأسيس لواقع تسوده العدالة الاجتماعية.

 

مروى يوسف

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter