هل المعطيات الشخصية للتونسيين آمنة ؟
أهمّ ما جاء في حوار رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ
ما علق بأذهان التونسيين من حوار الياس الفخفاخ مساء أمس 14 جوان 2020، هو حديث رئيس الحكومة عن مراقبة تنقل التونسيين عبر تتبع شرائح هواتفهم لضمان عدم تنقلهم بين الولايات أثناء اجراءات الاغلاق والحجر الصحي.
هل نحنُ مراقبون ؟ هل تستمع الحكومة الى اتصالاتنا وهل بامكانها الولوج الى سجلات الأرقام والصور والمعلومات الشخصية؟ الاجابة لا. لكنّ النفي، لا يعني أنها غير قادرة على ذلك، ولا يعني أن معطياتنا امنة في المطلق.
ما صدم التونسيين- وأحال الى أذهانهم فترة بن علي الظلماء، هو حديث رئيس الحكومة عن "غرفة العمليات" وعن استخدام أدواتها لمراقبة تحركات التونسيين. بهذه الصياغة الرديئة، التي قد تخدع المستمع لتوهمه بأنها عملية استخبارتية معقدة، سقط رئيس الحكومة في فخّ ترهيب مواطنيه دون قصد. أوحى الفخفاخ أنه يراقبهم دون اذنهم، فيما ذهب البعض الى تبرير ذلك بأننا في فترة أزمة، ذهب البعض الى تجريم ذلك مُعتبرين مراقبة التحركات الجغرافية أمرا محظورا يدخل في سجل التنصت، كالفضاعات التي تقوم بها الديكتاتوريات مثل كوريا الشمالية. مرّد الجدل الذي أثارته هذ النقطة، هو أزمة الثقة السابقة بين الحكومة والمواطنين التي تلاحق الحكومة الجديدة من ماض مليء بالخيبات.
ما عمّق ردود فعل الرأي العام، هو تصريح شوقي قداس رئيس هيئة حماية المعطيات الشخصية لاحقا ليلة أمس الذي قال إن الهيئة ستطلب من رئاسة الحكومة توضيحا حول ما صرّح به رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ فيما يتعلق بمراقبة تونسيين عبر شرائح الهواتف الجوالة في فترة الحجر الصحي مُعلنا أنه لا علم للهيئة بالامر، ولم يتم استشارتها.
تعارضُ التصريحين في المساحة الزمية القصيرة ليلة أمس، أعطى الانطباع بأن الفخفاخ قد اعترف على المباشر بارتكاب جريمة دولة والتنصت على مواطنيه بالاضافة الى الكشف على معلومات سرية تخص وزارة الداخلية. في الواقع، هذا الانطباع غير دقيق. الفخفاخ في تصريحه لم يقل أنه يتتبع المواطنين في منازلهم ويراقب اتصالاتهم، بل يراقب التنقلات بين ولاية وأخرى. ولم يقل انه يراقب الهواتف، بل الشرائح، أي الأرقام المسجلة بمختلف الولايات وليس الاسماء الحقيقية والمعلومات الشخصية للمواطنين. مراقبة التنقلات ليست مراقبة دقيقة بالعنوان المضبوط ولكن مراقبة عامة للمنطقة الجغرافية التي تُبعث منها اشارة الهاتف لأقرب عمود اتصالات موجود بالمنطقة. ما تناسهُ البعض من تصريح قداس، هو الجزء الثاني الذي قال فيه أنّ متابعة تحركات وتنقلات الجمهور دون هوية عبر الهواتف لا يدخل في إطار المس من المعطيات الشخصية، مؤكدا أنّ كل عملية مراقبة لأشخاص بهوياتهم تستوجب إذنا قانونيا.
اذن تقنيا، الفريق الحكومي لم يقم بجريمة ولم يخترق هواتفنا بل قام بتقضي التجمعات، ومغادرة الولاية في فترة الحجر الصحي. وزارة تكنولوجيات الاتصال والتحول الرقمي أكدت بتاريخ اليوم 15 جوان 2020 أنها استشارت هيئة المعطيات الشخصية تحصلت على الموافقة شريطة أن تكون هويات المواطنين مخفية. وشددت الوزارة أن التطبيقة التي تحدث عنها الفخفاخ يتم فيها الاعتماد على معطيات عامة حول حركية استعمال الهاتف الجوال في منطقة معينة دون الاعتماد على المعطيات الشخصية للمواطنين. كما أنها تحرص في كل التطبيقات التي تم تطويرها واستعمالها على احترام تطبيق مقتضيات القانون المتعلق بحماية المعطيات الشخصية وذلك بالتشاور مع الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية.
لكن رغم أن المراقبة تمت حصريا لشريحة الهاتف، فان المعلومات الشخصية للمستعملين التونسيين غير امنة تماما.
"الفصل الأول ـ لكل شخص الحق في حماية المعطيات الشخصية المتعلقة بحياته الخاصة باعتبارها من الحقوق الأساسية المضمونة بالدستور. ولا يمكن أن تقع معالجتها إلا في إطار الشفافية والأمانة واحترام كرامة الإنسان ووفقا لمقتضيات هذا القانون" هذا الفصل هو فاتحة القانون الأساسي لحماية المعطيات الشخصية التونسي، لكن توجد بعض الهنّات المتمثلة في تعارض محتمل بين مؤسستي دولة هما هيئة حمايةالمعطيات الشخصية و الوكالة الفنية للاتصالات. الوكالة لها صلاحية استغلال المنظومات الوطنية لمراقبة حركة الاتصالات و التنسيق مع مختلف مشغلي الشبكات العمومية للاتصالات ومشغلي شبكات النفاذ ومزودي خدمات الاتصالات من أجل تمكينها من المحادثات والمكالمات وكلمات المرور والرسائل الخاصة، يعني هذا الفصل أن عمل الوكالة هو التنسيق مع الجهات القضائية/البحثية من اجل تمكينهم من معطيات شخصية/رسائل/مكالمات من أجل استغلالها في البحث "عن الحقيقة". الى جانب ذلك، تخصص الوكالة قسما كاملا للدراسات والاستقصاء، ويعين مدير هذا القسم طبعا بأمر من الوزير المكلف بتكنولوجيا المعلومات والاتصال. خطورة الوكالة لا تتمثل في طبيعة عملها المنظم باطار القانون، الذي يتضمن في قرار احداث الوكالة التعهد بـاحترام المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والأطر القانونية المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية وضوابط حرية الاتصال والتعبير ـ بل في الاليات التي تتمتع بها فعليا من امكانية النفاذ الى المعطيات، وقد تكون بذلك سلاحا في يد الأطراف السياسية المُتداولة على الوزارة في الحكومات المختلفة.
من جهة أخرى، فان الاتصالات والمعطيات الشخصية لا يمكن فقط للدولة ومشغلي الاتصالات اختراقها، بل الانترنت أيضا. في زمن اصبحت فيها المعلومة عن المستهلك أو الناخب عُملة، اصبحت معطياته الشخصية غير امنة سواء على حاسبه او هاتفه ويسهل اختراقها في كل وقت. الصور، الاماكن التي نزورها، المطاعم، الموسيقى، كلها معطيات نضعها على الشبكة في ظنّ انها غير مهمة لكنها. نشرُ ارائنا وأذواقنا وتوجهاتنا والسماح للتطبيقات والمواقع باستغلال اسماءنا وكلمات السر هو في حد ذاته تمكين سهل من استغلال معطياتنا الشخصية وبيعها لشركات مختصة في تحليلها.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires