في القيروان يُمنع بيع الخمور ويُسمح ببيع القوارص لتُزهق أرواح الشباب
''للقيروان جانب تاريخي ديني ونحن نعمل على السياحة الدينيّة ونريد أن نجعل من القيروان عاصمة للسياحة الدينيّة في العالم العربي والإسلامي وهذا هدفنا'' بهذه الكلمات الرجعيّة عبّر والي القيروان محمد بورقيبة عن أهمّ أسباب منع بيع الخمور في ولاية القيروان.
ولاية القيروان من أكثر الولايات التي يستهلك متساكنيها الخمور والمشروبات الكحوليّة، ولكن في المقابل لا توجد بها أيّ نقطة بيع منظّمة من قبل الدولة، ممنوع بيع الخمور في القيروان، في وسط المدينة يوجد ''بار'' خاصّ بالرّجال يفتح كامل أيام الأسبوع ويقفل يوم الجمعة احتراما للمصلّين وتقديسا للدين في القيروان التي تعدّ رابعة الثلاث والتي يريد الكثيرون أن يجعلوها قبلة وعاصمة للثقافة العربيّة الإسلاميّة. القيروان بها أكثر من 400 نقطة بيع خلسة للخمور وللمشروبات الكحوليّة وبها أربعة نزل يُباع فيها الخمر ولكنّ المناطق الداخليّة تضطرّ إلى شراء الخمر خلسة لأنّه من الصعب أخذ رخصة بيع الخمور. وأصبحت بالتالي السوق الموازية لبيع الخمر والمشروبات الكحوليّة أرحم من نقاط البيع المنظّمة المنعدمة في القيروان وتفاقمت كثيرا على الرّغم من سعي الوحدات الأمنيّة للتصدّي لها.
عدم بيع الخمر في القيروان ومنع منح الرّخص والعمل على جعل القيروان قبلة إسلاميّة لكلّ الدول العربيّة، خلّف فاجعة كبرى حلّت بمنطقة حاجب العيون من ولاية القيروان تزامنا مع عيد الفطر، لم تعرف القيروان وأهالي تلك المنطقة تحديدا طعما للعيد أو نكهة له بعد وفاة سبعة أشخاص من بينهم ثلاث أخوة أصيلي منطقة الشوايحية من معتمدية جلمة ولاية سيدي بوزيد جرّاء تناولهم لمادة القوارص التي تحتوي على مادّة الميثانول السّامة، كما تجاوز عدد المصابين 60 شخصا. هؤلاء لم يجدوا الخمور والمشروبات الكحوليّة واقتنوا مادّة القوارص وقاموا بإستهلاكها لتحلّ الكارثة بين موتى ومُصابين وعائلات لم تعرف طعما للعيد مثل غيرها من الناسّ.
مادّة القوارص مرخّص بيعها واستهلاكها من قبل وزارة التجارة، ويشهد بيعها إزدهارا في منطقة حاجب العيون بالقيروان حيث أن هناك فئة كبيرة من ضعاف الحال يستهلكونها وذلك نظرا لسعرها الرخيص حيث أنّ سعر القارورة ذات 5 لتر تساوي 4 دنانير. المحلاّت التي قامت ببيع هذه المادّة بجهة حاجب العيون تمّ غلقها وإيقاف أصحابها مع فتح بحث تحقيقي في الغرض، ووفقا لوالي القيروان محمد بورقيبة فإنّ القوارص يتمّ خلطها بالكحول ولكن نظرا لشحّ الكميات بسبب استعمال الكحول في الجل المعقّم، قام بائعي مادة القوارص بخلطها بمحاليل أخرى ادّت إلى تسمّم مستهلكيها.
وفقا للإدارة الجهوية للصحة بالقيروان تمّ إحصاء 56 حالة تسمم جراء إستهلاك مادة "القوارص" وارتفاع عدد الوفيات إلى سبع حالات، 23 حالة تسمّم تم تحويلها للمستشفيات الجامعية والجهوية، ثلاث حالات بالمستشفى الجهوي بالقصرين، وحالة واحدة بمستشفى الجامعي نابل، وتسع حالات بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد وسهلول بسوسة وحالة واحدة بالمستشفى الجهوي بسيدي بوزيد وحالتين بالمستشفى الجامعي بالمنستير وحالة واحدة بمستشفى الحروق البليغة ببن عروس وستّ حالات بمركز الإسعاف الطبي الإستعجالي بتونس، كما تمّ الإحتفاظ بـ20 حالة ماتزال مقيمة بالمستشفى الجامعي ابن الجزار بالقيروان، وستّة حالات بمستشفى حاجب العيون بصدد تحويلهم إلى المستشفى الجامعي ابن الجزار.
ولاية القيروان التي ارتكزت أنظار الرّأي العام عليها بمناسبة هذه الفاجعة ليس بالجديد عنها مثل هذه الكوارث، ففي الإنتحار والفقر والتهميش والحرمان من أبسط أساسيات العيش الكريم وغياب لهياكل الدولة ومؤسّساتها ''القيروان نموذجا" على مستوى وطني. وأكبر دليل على ذلك، هذه الفاجعة التي حلّت بالولاية في فترة العيد، فإنّ مستشفى ابن الجزار لم يستوعب عدد المصابين بالتسمّم جرّاء مادّة القوارص وليس به قسم إستعجالي لتقبّل المرضى وتمّ توزيعهم على المستشفيات المجاورة وفي ذلك خطر على حياتهم. في 7 جانفي 2019، مستشار وزير الشؤون الاجتماعية محمد أحمد القابسي، أكّد أن القيروان تحتل المرتبة الأولى على المستوى الوطني في نسبة الأمية بمعدل 35 بالمائة و وصلت إلى حدود 45 و 46 بالمائة بمعتمدتي العلا وبوحجلة في صفوف النساء، ويتراوح المعدل الوطني بين 19 فاصل 4 وفاصل 5 بالمائة.
النائب في البرلمان، طارق الفتيتي أفاد أنّ نسبة الفقر في القيروان بلغت 34 فاصل 9 بالمائة، و35 بالمائة من الأهالي في القيروان فقراء يعني 200 ألف فقير في القيروان، مؤكّدا أنّ نسبة الفقر المدقع بلغت 10 فاصل 3 بالمائة يعني 60 ألف فقر مدقع. كما أشار أنّ منح العائلات المعوزة لا تتجاوز 16 ألف، وأضاف أنّ القيروان أصبحت تتصدر المرتبة الأولى في الانقطاعات المدرسية وهي الولاية قبل الأخيرة في مؤشر التنمية.
يريدون أن يجعلوا من القيروان عاصمة إسلامية وقبلة للسياحة الدينيّة وهي الأولى في نسبة الأمية والفقر التي لها انعكاسات سلبية على التنمية والإرهاب والناشئة. المصيبة التي حلّت بالقيروان والضحايا الذين راحت أرواحهم نتيجة تلك الكارثة تتحمّل الدولة المسؤوليّة في ذلك، الدولة التي تسمح ببيع الخمور في المحلات التجاريّة الكبرى وفي العديد من الولايات وتمنعه في القيروان، القيروان أصبحت منذ سنوات مقبرة لأحلام الشباب الذين خيّروا الإنتحار خاصّة في معتمديّة العلا على الموت فقرا وتهميشا.
في الفقر والتهميش والإنتحار ''القيروان نموذجا'' وكلّ طرق الموت مُتاحة، عن طريق الإنتحار أو حوادث الطرقات المتتالية أو الجرائم المتفاقمة أو تناول مادّة القوارص لأنّ الدولة منعت بيع الخمور والمشروبات الكحوليّة في القيروان لتجعلها قبلة للسياحة الدينيّة.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires