alexametrics
الأولى

لم لا يعلم "جيل الثورة" شيئا عن 9 أفريل؟

مدّة القراءة : 3 دقيقة
لم لا يعلم

 

في رواية "الزيتون لا يموت" يُحدثنـا عبد القادر بن الحاج نصر عن أحداث 9 أفريل 1938 بعيونِ شاب عشرينيّ، يصف بعاطفةٍ معقلنة مظاهرتين خرجتا انطلاقا من العاصمة، شارك فيهما بطل الرواية، كاسرا حاجز الخوفِ، مناديا لأول مرة بالحرية وببرلمان تونسي.

 

هذه المظاهرة وُوجهت برصاص الاحتلال الفرنسي والقمع والاعتقال الشديدين. الحديث عن هذا التاريخ المفصلي، يُعيد للأذهان مشاهد تاريخٍ آخر ليربط جيلين متباعدين زمنيّا : جيل الحركة الوطنية المجاهد الذي ظفر بالإستقلال، وجيل ثورة 14 جانفي، الذي ظفر بإستقلال آخر-أو تقريبا.  ولكن، هل يعلمُ جيل الثورة، وجيل-مابعد 14 جانفي شيئا عن عيد الشهداء، غير أنّه يوم عطلة؟ أسفرت المواجهات يوم 9 أفريل عن استشهاد 22 تونسي وإصابة 155 اخرين، لتتبعتها المسيرات الشعبية حملات اعتقالات واسعة شملت قيادات الحركة الوطنية آنذاك. وأسفرت أحداث 17 ديسمبر 2010 - 14 جانفي 2011 عن استشهاد أكثر من 300 تونسي (لم يتم ضبط القائمة الرسمية-بعدْ).

 

 ورغم رمزية التاريخين وملاحِمَهُما-ملامِحهُما المتشابهة فإن جيل 14 جانفي الذي لم يعايش الحركة الوطنية، لايعلم عنها شيئا، بينما يتذكر تفاصيل ثورته الحديثة لأنه عايشها عن قرب. متاخمة تاريخِ اليوم-الكثيف والذي مازال يكتب بنسقٍ متسارع، لم تترك لهذا الجيل سيّء الحظ مجالا لكي يرتوي ويتعمق في تاريخه القديم (نسبيا) وتصبح ذاكرته حيّة. في الواقع، الذاكرة لاتبنى بالأحاديث ولا تبنى بالرواية الشفوية، الذاكرة تبنى بالصورة. عدم تأريخ أحداث 9 أفريل تأريخا جيّدا هو الذي جعل صورها مغيبة عن أذهان هذا الجيل. مئات الأعمال السينمائية والروائية والدرامية عن ثورة 2011 وعشرات وربما أقل عن أحداث 9 أفريل وأحداث الإستقلال. وهكذا يُكتب التاريخ، ذاكرة جديدة ملوّنة ومُغرية تـئِـدُ ذاكرة قديمةً مُغبرة تتآكلُ على أرشفة المركز الوطني للتوثيق بباب سعدون. أهمية معرفة تاريخ الحركة الوطنية لهذا الجيل، تكمن في رمزيته. إن لم يكن هذا الجيل حرّا فإن الحرية ليست حقيقيّة. إن لم يعرف هذا الجيل تاريخه فلن يعرفه الجيل القادم. هذا الجيل، الذي تشكل وعيهُ في فترةِ ثورة، وشبّ على قيم الحريّة والكرامة والسيادة الوطنية يجب أن يعلم أصولها الأولى!  

 

الشاب الذي تتحدث عنه رواية الزيتون لايموت، واحدة من الروايات النادرة التي وثقت أحداث 9 أفريل 1938، هو تونسي عادي، ليس مثقفا ولا سياسيا ولا نقابيا. صور لنا بن الحاج نصر الأحداث المؤدية للإستقلال عبر شخصية هامشية ساهمت في صناعة التاريخ. هذا الشاب كان (كحال شباب اليوم) غير دارٍ بالتاريخ، كان محايدا بسيطا ذو ذاكرة قصيرة، غير مهتم بالقضايا الوطنية. لكن الحيف والظلم وحس الإنتماء أيقضوا فيه حب الإطلاع والمعرفة والبحث والنضال. حكاية بسيطة ومعقدة في آن تستعرض خروج المسيرة الأولى من ساحة الحلفاوين بقيادة علي البلهوان والثانية من رحبة الغنم يقودها المنجي سليم وتصف مشاركة للمرأة التونسية في التظاهر.  

 

ملامح ذلك الشاب مثل ملامح الشاب التونسي القاعدي، يبدو غير مهتم، لا يعلم شيئا عن أي شيء، لكنّه في حاجة إلى دُفعة تُحيي فيه حب المعرفة ونبش التاريخ بحثا عن الحقيقة. هذا الجيل في حاجة إلى انتاج درامي/سينمائي/وثائقي عن الحركة الوطنية، أو عمل صحفي استقصائي، أو شهادات حية عن الذاكرة الوطنية، هو في حاجة إلى إرادة سياسية حقيقية تريد حماية تاريخ البلاد من التزوير والمزورين، فالتاريخ يكتبه المنتصرون، الصهيوني يكتب تاريخ الفلسطيني المهزوم، والامريكي يكتب تاريخ الهنديّ الاحمر المهزوم، وهكذا.. كيف لجيل يرى تاريخه الحديث يُزوّر أمام عينيه أن يثق بكتب التاريخ ويهرع اليها بحثا عن الحقيقة؟ التاريخ الحقيقي يرويه الهامشييون وترويه الكتب التي منعت من النشر وأخرى لم تنشر بعد وترويه شهادات مجاهدي جبل آقري وسمامة وأبناء الفلاقة والمثقفون الحقيقيون والمؤرخون الغائبون (أو المغيبون) عن الإعلام الرديء.  

هو لا يعلم تاريخه لأن هناك من يرى مصلحة في أن يكون هذا الجيل فارغا. لأن لا إرادة فعلية للتوثيق والتأريخ، ولا دعم للمحاولات الفردية القليلة التي تريد إحياء الذاكرة الوطنية وحمايتها. لأن توجهات الفنّ -أحد قنوات التأريخ- أضحت توجهات تجارية بحتة لا يغريها التاريخ. لأن منابر الإعلام أصبحت أبواقًا لأطراف سياسيّة ووسائل ممنهجة لتتفيه وتسطيح المتلقي.

 

تحدثـنا الرواية وبعض الوثائقيات القديمة (التي تعلم بيزنس نيوز أنها تتآكل في أرشيف مؤسسة التلفزة الوطنية) عن التسلسل الزمني للأحداث، حيث انطلقت يوم 8 جانفي مظاهرات شعبي إثر سجن ونفي عدّة قادة اعتباريين للتونسيين. هدأت الأحداث لشهر، ثم في مارس 1938، سقط 19 شهيدا، اثر اطلاق نار من طرف المستعمر الفرنسي على مجموعة من العمّال بالمتلوي. وما إن مر شهر مارس حتىوقع طرد علي البلهوان من الصّادقية وأضرب تلاميذ الصّادقية والزيتونة في 2 أفريل 1938 لتتسارع الأحداث وتنطلق مظاهرات ضخمة بوادي مليز وسوق الأربعاء ومع تواصل الاعتقالات، ومحاكمة البلهوان يوم 9 أفريل اشتعل غضب شعبي وتم اعلان حالة الحصار من الجانب الفرنسي ووقع قمع التونسيين ومهاجمتهم بالرصاص.

 

أحداث مهدت للإستقلال، أهم حدث في تاريخ تونس المعاصر، وشهداء دفعوا دمائهم يومها في سبيل وطن  مستقل وحرّ.  يكاد الشباب التونسي لا يعلم عنهم شيئا، ناهيك عن تفاصيل المعارك وأسماء الشهداء ودور النشريات والصحف والمثقفين. هذا الجيل –وبكل أسف- يجهل تاريخه، ويمضي بثقل جهل غير مقصود الى مستقبل غير واضح المعالم. تجاهل أهمية التأريخ والتوثيق وحفظ الذاكرة الوطنية لا يمكن أن يكون ذنبا فرديا أو خطأ تلقائيا. هو تقصير دولة في حق شهدائها ومناضليها ويجب تجاوز هذا الخطأ واحياء الذاكرة الوطنية  عبر الرقمنة  والاستثمار في التاريخ ودعم الأعمال الفنية والمبادرات الفردية لتوثيق "تونس الحقيقية" التي تفلت من أصابعنا دون أن ندري، حتى لا يموت الزيتون.

 عبير قاسمي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter