هل يجب أن تلوم كفاءاتنا لاختيارهم الهجرة للخارج؟

مُثقلا بميزانية مرّت على مضض ووضع اجتماعي على شفا الانفجار وأرقام كورونا المُنذرة بالخطر، يحاول رئيس الحكومة المكلف منذ 3 أشهر هشام المشيشي تدارك حصيلته الضعيفة عبر استجداء استثمارات جديدة من اوروبا العجوز، التي تتخبط بدورها في أزمة اقتصادية غير مسبوقة بسبب الوضع الوبائي وأشهر الغلق ذات الكلفة المالية المرتفعة.

يحاول المشيشي ادارة الأزمة من الخارج هذه المرة مخصصا زياراته لكل من فرنسا وايطاليا للعنوانين الاقتصادية الكبرى، رغم أنه لا يوجد ما يبشر بنجاح القصبة أصلا في ادارة الأزمة من الداخل أو وضع حد للتوتر الاجتماعي والعنف السياسي المتصاعد -والذي يسببه أساسا شركاء هذه الحكومة اليافعة.
كانت هجرة الأدمغة أهم محاور الزيارة، حيث استقبل هشام المشيشي الكفاءات التونسية المقيمة بالخارج من أطباء واقتصاديين ومستثميرن وصحفيين. خمسون بالمائة من الشباب اليوم حسب استطلاع للمفوضية الأوروبية يريدون مغادرة البلاد، فماذا تطلب الدولة من شبابها الذي ترغمه سياساتها على الرحيل؟

عوض فتح حوار جدي حول اصلاح منظومة التعليم العالي والتخفيض من عتبة البطالة وتحسين ظروف العمل،تتجاهل حكومة المشيشي تراكمات سنوات وتتعامل مع الكفاءات بالخارج كأنهم هاربون أو مدينون للبلد برد الجميل قدر المعهد الوطني للإحصاء البطالة في تونس بـ 15.1 بالمائة كنسبة عامة خلال سنة 2019، وتمثل في صفوف أصحاب الشهائد العليا 28.6 بالمائة ما يعني 262.7 ألف شخص عاطل عن العمل، من بينهم 39 ألف متحصلون على الإجازة في العلوم الإنسانية وأكثر من 39 ألف متحصلون على إجازة في الحقوق والاقتصاد والتصرف وأكثر من 75 ألف شخص متحصلون على إجازة في العلوم الصحيحة. ووصل عدد المعطلين عن العمل من المتحصلين على شهادة الدكتوراه قرابة 5000 شخص!

بلغ عدد الكفاءات المهاجرة في السنوات الأخيرة نحو 95 ألف تونسي، 78 في المائة منهم جامعيون. 3 آلاف مهندس يغادرون تونس سنوياً للعمل في الخارج، مع العلم أن عدد المتخرجين سنوياً يقدر بنحو 8 آلاف، أي أن نحو 30 في المائة من المهندسين يخيرون الهجرة بينما تعد كفاءاتنا الطبية في فرنسا لوحدها 50 بالمائة من الاطباء.
1700 طبيب سيهجرون تونس حتى عام 2022 وستظل البلاد تعاني من نقص في عدد الأطباء حيث أن 45 في المائة من الأطباء التونسيين الجدد المسجلين في هيئة الأطباء في عام 2017 غادروا تونس نحو وجهات مختلفةّ المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية كشف أن الأساتذة المتواجدين في الخارج يقدرون بعشرات الآلاف في حين قدّرت منظّمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE في تقرير لها صدر في أواخر 2017 أن الكفاءات العلميّة التونسية التي هاجرت إلى الخـارج منـذ تقدر بـ 2012 بـ 94 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 25 و45 سنة.

هجرة الأساتذة الجامعيين، تواصل من جهة أخرى تطورها لا للبلدان الاروبية فقط بل لبلدان الخليج كذلك كوجهة جديدة، 8 آلاف إطار من التعليم الجامعي من بينهم 1464 أستاذا جامعيا هاجروا، تستقطب فرنسا 31 بالمائة منهم تليها كندا بـ3 بالمائة ثم الولايات المتحدة بـ 11 بالمائة ثمّ ألمانيا بـ10 بالمائة.
قيس سعيد، رئيس الدولة، تحدث سابقا عن منظومة التعليم العالي والبحث العلمي، وذكّر رئيس الدولة بمبادرته المتعلّقة بإنشاء مجلس أعلى للتربية والتعليم حتّى لا تبقى المنظومة التربوية والخطط الرامية لإصلاحها رهينة التوازنات الظرفية، وللمساهمة في تحسين مردود الدارسين من طلبة وتلاميذ وفتح آفاق أرحب من أجل مستقبل أفضل لهم داعيا لإيجاد حلّ جذري للحدّ من ظاهرة هجرة الأدمغة إيمانا بضرورة استفادة تونس من كفاءات أبنائها.. مبادرة يبدو أنها لن ترى النور هذه الأخرى مقابل تواري ساكن قرطاج عن الانتظار واختبائه وراء التهديد والوعيد، دون مبادرة تشريعية واحدة، بعد سنة كاملة من الحكم.

عبير قاسمي