من يريد تعطيل قانون المسؤولية الطبية ؟؟
شدد نزيه الزغل كاتب عام عمادة الأطباء بمناسبة نزوله ضيفا على إذاعة اكسبريس أف أم اليوم الاثنين 13 جانفي 2020 أن مشروع القانون الأساسي لحقوق المرضى والمسؤولية الطبية الذي سيتم مناقشته خلال الجلسة العامة المبرمجة ليوم الأربعاء القادم مهم جدا للمرضى قبل الأطباء لما فيه من امتيازات وطلب من النواب الحضور للجلسة والتصويت لأن المشروع يتعلق بقانون أساسي ويجب توفير 109 صوتا لمروره، مبينا أن القانون لم يمر في المرة السابقة لعدم توفر النصاب وعدم حضور النواب.
وعلى ما يبدو فأن النية تتجه مجددا الى اسقاط هذا القانون سواء بعدم اكتمال النصاب أو بإعادته الى لجنة الصحة صلب مجلس النواب لإعادة مناقشته بعد أن تمت المصادقة عليه خلال أشغال لجنة الصحة بمجلس نواب الشعب في أوت الماضي قبل الانتخابات وقبل تغير تركيبة اللجنة بفعل تغير تركيبة مجلس النواب.
القانون الأساسي لحقوق المرضى والمسؤولية الطبية بشكله الحالي سهر على إنجازه لجنة تتركب من أكثر من 30 عضوا من مختلف المتدخلين من وزارة الصحة ووزارة المالية وعمادة الأطباء ومن كفاءات مشهود لها بالخبرة والمعرفة في مجالها بالإضافة الى عشرات المتطوعين الذين كرسوا عدة أشهر من العمل المتواصل لاقتراع مشروع يتعلق بحقوق المرضى والمسؤولية الطبية وتم التوصل الى صيغة نهائية تمت المصادقة عليها خلال مجلس وزاري ثم مناقشتها صلب المجلس وتعديلها بطريقة تجعله يحفظ حق المريض والطبيب على حد السواء.
ويمنح المشروع المقترح الحقّ للمتضرر أو وليه الشرعي أو ورثته في حالة الوفاة المطالبة بالتعويض عن الضرر الحاصل له، في أجل أقصاه خمسة عشرة سنة من تاريخ حصول الضّرر أو العلم بالفعل المنشأ للضرر و أن تتحمل الهياكل والمؤسسات الصحية العمومية والخاصة المسؤولية عن إخلالها بالالتزامات المحمولة عليها قانونا وعن الأضرار النّاتجة عن التعفّنات المرتبطة بالعلاج وعن المواد والمنتجات الصحية الّتي تستخدمها كما يتضمن مشروع القانون التنصيص على إحداث حساب خاص في الخزينة يسمّى "صندوق التعويض عن الأضرار المرتبطة بالعلاج "، وذلك بمقتضى قانون الماليّة، و يضمن القانون عدم الاحتفاظ بمهني الصحّة أو إيقافه تحفّظيّا أو توقيع العقوبات المنصوص عليها بالفصلين 217 و225 من المجلة الجزائية، عليه في علاقة بممارسته لأعماله المهنية، إلاّ إذا ثبت من خلال تقرير الاختبار المأذون به أنّ الأضرار الحاصلة كانت ناتجة عن إهمال جسيم من قبله.
هذا القانون جاء ليملأ الفراغ التشريعي الحاصل في هذا المجال خاصة عدم وجود قانون يعرف الفرق بين الخطأ الطبي والحادث الطبي والحادث الناتج عن اهمال من الطبيب أثناء قيامه بعمله، وسبق أن تعرض العديد من الأطباء الى السجن أو الإيقاف في قضايا اهمال رغم ان الطبيب لا يتحمل أي مسؤولية في الخطأ الحادث، كما أن المتضرر لا يتمكن من الحصول على التعويض المطلوب الى حدود الان في حين أن مشروع القانون الجديد يضمن حصول المتضرر على التعويض اللازم في أجل لا يتجاوز التسعة أشهر و يحدد تماما الخطأ الطبي المستحق لتعويض و يحدد الإهمال الطبي و يحمل المسؤول عنه التبعات القانونية، و هذا ما سيسمح بإنهاء الجدل الحاصل في الكثير من القضايا التي تمت اثارتها إعلاميا و تم تحميل المسؤولية فيها للأطباء في محاكمات إعلامية شعبوية تفتقر الى الحد الأدنى للمهنية أو حتى تبحث في الحيثيات العلمية للحادث و تسيء لقطاع كامل أثبت في أكثر من مناسبة تفوقه سواء في اجراء العمليات الطبية الصعبة حتى دوليا أو في المناظرات الدولية للكفاءة المهنية سواء في فرنسا أو كندا أو غيرها من الدول المتقدمة في المجال الطبي.
غياب قانون منظم للعلاقة بين الطبيب والمريض له العديد من السلبيات خاصة أن الأطباء في العديد من المناسبات يتعمدون عدم المجازفة بالقيام بعمليات حساسة أو استعمال تقنيات طبية حديثة خوفا من الخطأ وتحمل المسؤولية القانونية وهو ما يعرض حياة المريض للخطر حتى في حال وجود أمل ضئيل للتدخل الطبي فأن الطبيب قد يخير عدم المجازفة حماية لنفسه ولمسيرته المهنية ويخير اتباع الخطوات الكلاسيكية التي تعتمد على الكثير من الكشوفات والتحاليل المدققة لإثبات أي خطوة سيتم اتخاذها وما قد يسببه ذلك من احراج للطبيب.
الجلسة العامة المرتقبة لتمرير مشروع القانون الأساسي وتحويله من حبر على ورق الى أمر واقع تعتبر فعلا أملا حقيقيا للعديد من الأطباء وللمرضى على حد سواء للتخلص من حالة الفراغ التشريعي وضمان حقوق كل طرف، فالطبيب يريد أن يمارس عمله في إطار قانون يحميه ويحمي مستقبله المهني من تحمل نتائج أخطاء لا دخل له فيها، وكذلك المريض يريد العلاج في إطار يضمن له حقه في الحصول على الخدمات الصحية اللازمة والحصول على التعويضات اللازمة في حالة حدوث تقصير أو اهمال. لكن يبدو و حسب من وصلنا من معطيات هناك رغبة في تعطيل هذا القانون و اعادته للتشاور و النقاش مع لجنة الصحة في البرلمان في خرق واضح لمبدأ استمرارية الإدارة و تواصل قراراتها خاصة أن القانون موضوع النقاش جاء في أكثر من خمسين فصلا و حدد بوضوح مفهوم الخطأ الطبي و الحادث الطبي و الإهمال و وضع خارطة طريق واضحة في التعامل بين الطبيب و المريض و نال استحسان مجلس الوزراء و عمادة الأطباء و الأطباء أنفسهم. الشيء الذي يدفعنا للتساؤل عن الرابح من تعطيل هذا القانون وبقائه في رف مجلس النواب؟
الأكيد أن الرابح لن يكون الأطباء ولا المرضى ولا القطاع الصحي في تونس ككل.
حسام بن أحمد
تعليقك
Commentaires