هل هي نهاية عهد النداء ؟
يبدو أن الأزمة التي تعصف بحركة نداء تونس لن تجد طريقها للحل، في المنظور القريب على الأقل، بالنظر إلى عدم توصل الندائيين الى حل يقلص من حدة التوتر القائم .. فآخر مستجدات هذه الأزمة وتداعياتها كشفت بلا مفاجآت عمق الهوة والخلافات بين قيادات النداء .. هذا الحزب الذي يعيش منذ انتخابات 2014 على إيقاع الانشقاقات وليس أدل على ذلك من الحلقة الجديدة في مسلسل صراع محتدم بين رضا بلحاج وحافظ قايد السبسي.. صراع أيقظ شقا جديدا حريص هو أيضا على إنقاذ الحركة.
الصراعات الداخلية صلب الجسم الندائي وضراوتها ما انفكت تتخذ أبعاد غير منتظرة بما يجعل الأزمة الراهنة مؤهلة لمزيد من الخطورة في حزب لم يعد إلا ظلا لما كان عليه في الماضي القريب.. ففي الوقت الذي احتدمت فيه الخلافات بين مختلف الشقوق، قررت الهيئة السياسية لنداء تونس في بلاغ يحمل إمضاء رئيسها حافظ قايد السبسي، تجميد عضوية رضا بلحاج المنسق العام للنداء، من كل هياكل الحزب وهو قرار لئن كان منتظرا من البعض ومرجوا من البعض الآخر، فإنه فاجأ الكثير من الملاحظين وزاد الطين بلَّة وعمّق هوة الخلاف بين نجل رئيس الجمهورية الذي يعتبر نفسه الوحيد صاحب القرار في الحركة والبقية .. قرار التجميد كان "غير شرعي ولا قيمة قانونية له"، حسب رضا بلحاج.
لكن المفاجئ في هذا المسلسل الرديء وكثير التقلبات، هي تلك التغيرات الراديكالية في المواقف .. فحلفاء الأمس صاروا أعداء، ثم عادوا حلفاء من جديد لينتهي بهم المطاف في الأخير في صفوف الأعداء .. هؤلاء الحلفاء الأعداء أي رضا بلحاج الذي كان غادر النداء ليؤسس حزبا جديدا بسبب عيوب في حافظ قايد "فادحة ولا يمكن إصلاحها" قبل أن يعود إلى مهده الأصلي لمساندة حافظ حتى يبقى على رأس النداء وها هو اليوم يُطرد من الحزب مع وابل من التصريحات النارية.
هذا الخلاف الأخير هو حلقة أخرى في حرب الزعامة صلب نداء تونس والتي لم تسئ فقط للحركة بل قد تهدد بالقضاء عليها .. ولئن ما زال النداء حسب مؤشرات سبر الآراء الخاصة بالباروميتر السياسي، يحتل المرتبة الثانية من حيث نوايا التصويت بالنسبة الى الانتخابات التشريعية لسنة 2019 الا أنه بعيد جدا عن أرقام 2014 .. فحسب "سيغما كونساي" لن يحصل نداء توس الا على 15,5 % من نوايا التصويت متقدما بقليل على التيار الديمقراطي الذي قد يجني 10 % من نوايا التصويت.
فالكل كان يُجمع على أنه بانتخاب الباجي قايد السبسي رئيسا للجمهورية، لن يبقى حزب النداء ما كان عليه قبل أن يغادره مؤسسه وقد أثبتت الأحداث صحة هذا الطرح .. فما ان دخل الباجي القصر الرئاسي بقرطاج حتى دخل قادة الحزب، بمن فيهم نجله حافظ، في حرب ضروس بين الأشقاء في محاولة للسيطرة على النداء .. من ذلك أن قرار تجميد عضوية بلحاج أدى الى ولادة شق آخر، وما أكثرها في النداء، "لإنقاذ الحزب" استجابة لدعوة الندائيين السابقين أمثال المنذر بلحاج علي وعبد الستار المسعودي ورضا بلحاج نفسه الذي عاد يوما ما لنداء تونس فقط من أجل خوض المعركة ضد يوسف الشاهد.
رضا بلحاج استجاب هذه المرة لدعوة الندائيين التاريخيين الذين غادروا الحركة بسبب القيادة الحالية .. اجتماع آخر عقده هؤلاء لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من النداء وقد تقرر مساندة لجنة الإعداد للمؤتمر الانتخابي للحزب .. اجتماع عرف هو أيضا توجيه التهم بالاقصاء وإرادة قوية في التخلص من حافظ سبب كل المصائب والمشاكل التي يعانيها النداء من جراء تهافته على الزعامة.
اجتماع أمس الأحد أحال كل الصلاحيات المتعلقة بقيادة الحركة الى حين انعقاد مؤتمر نداء تونس، للجنة إعداد هذا المؤتمر، بما أن المشاركين في الاجتماع اعتبروا أن الهيئة السياسية الحالية أصبحت فاقدة لكل مشروعية قانونية .. رضا بلحاج قال إن الحزب بصدد السقوط وكأنه غير واع بأن الحزب قد وصل إلى القاع وتحطم إلى مئات الأجزاء.
هذا التحول الجديد من شأنه التعجيل بانفجار النداء من الداخل بما يعني ذلك من خسارة ستكون مدوية ومخزية في انتخابات 2019 بعد أن فاز بالانتخابات الأخيرة في 2014 .. فالحزب انقسم أكثر من ذي قبل وهو ما ينذر بفنائه واضمحلاله.
يقول حافظ قايد السبسي في حوار أجرته معه جريدة "الشروق" إن رضا بلحاج استقال في السابق حين كان رئيسا للهيئة السياسية وقبلت استقالته .. ثم أسس حزب "تونس أولا" وفشل في الانتخابات البلدية مثل كل الأحزاب المنشقة عن النداء .. وحين أراد العودة لنداء تونس أقنعت قادته بذلك رغم أن معظمهم كانوا ضد هذه الفكرة".
وأضاف أن رضا بلحاج "يحاول تدمير الحزب من خلال عقد الاجتماعات الموازية التي لم يعلمه بها، بصفته المدير التنفيذي للحركة ولا حتى أعضاء الهيئة السياسية .. كل غايته هي استبعادي خلال المؤتمر المقبل".
بعد أن فاز بانتخابات 2014، كان نداء تونس يحمل على كتفيه آمال طيف كلير من الشعب التونسي لكنه اليوم خيَّب ظن ناخبيه وحلفائه بل ظن الجميع .. فكثيرون كانوا يعتقدون أن النداء بفوزه ذاك سيخرج البلاد من حالة الركود لكنه تحول للأسف إلى لعنة .. فبعد ان كان يفترض به ان يجمع التونسيين ويلم الشمل ويكون خير خلف لحركة النهضة التي فشلت في الحكم في 2012 و2013 ها هو نداء تونس مهتز وضعيفة اكثر من أي وقت مضى بسبب الأنا المتضخمة لأبنائها الذين يقاتلون في ما بينهم من اجل زعامة الحزب.. الأسوأ من ذلك أن لا أحد فيهم يريد الكف عن القتال .. وفي الأثناء تواصل البلاد الغرق أكثر في أزمتها الاقتصادية والاجتماعية مع غياب ادنى بوادر للإنقاذ ..
وفي السباق نحو انتخابات 2019 يحاول نداء تونس الخروج من عنق الزجاجة مهما كانت التكاليف فهو يبحث عن طوق النجاة لا ليستعيد أمجاده فهذا امر محال بل لينتقم من حزه العاثر وسوء الطالع الذي يلاحقه وقد يضمحل الحزب في يوم ما .. فهل يتمكن الحزب في ظل كل هذه الخلافات والصراعات الداخلية والشقوق المنبثقة عنه، من لم شتات أبنائه والمشاركة في الانتخابات المقبلة؟ أم أننا سنشهد نهاية عهد النداء ؟
(ترجمة للنص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires