هل ينجح الجملي في تشكيل الحكومة في ظرف شهر أمام مشهد برلماني غير متجانس؟
بعد انتهاء السباق نحو قصر قرطاج ونحو الفوز في التشريعيّة ورئاسة البرلمان، ارتكزت الأنظار هذا الأسبوع نحو السباق إلى القصبة ومن سيكون جديرا بالإلتحاق بالفريق الوزاري للحكومة المقبلة، بعد أن انطلق مرشّح الحركة الإسلاميّة النهضة، الحبيب الجملي في المشاورات مع الأحزاب لتشكيل الحكومة.
قبل أن تنطلق المشاورات مع الأحزاب، تعالت الأصوات بأنّ رئيس الحكومة المُكلّف من قبل النهضة، الحبيب الجملي تابع للحركة الإسلاميّة، وكانت العديد من الأحزاب أعلنت عدم مشاركتها في الحكومة المقبلة إذا كان رئيس الحكومة نهضاوي. أكّدت النهضة أنّ الجَملي مستقلّ وأثنت على كفاءته وخبرته الاقتصادية والمالية عامّة واصفة الجملي بـ" شخصية مشهود لها بنظافة اليد والتحمّس لخدمة الدولة ومحاربة الفساد''. ودعت الحركة الإسلاميّة القوى السياسية والاجتماعية إلى الانخراط في المفاوضات حول تشكيل الحكومة. وبمجرّد البحث والعودة إلى أرشيف حركة النهضة في صفحتها الرسميّة، تحديدا يوم 22 ديسمبر 2011، تبيّن لنا أنّ الحبيب الجملي تمّ تعيينه كاتب الدّولة لدى وزير الفلاحة، ممثّل عن حركة النهضة وليس كمستقلّ في حكومة حمادي الجبالي.
في أوّل تصريح إعلامي له يوم السبت 16 نوفمبر 2019، لقناة الجزيرة القطرية، عاد الجملي على خبرته الإداريّة المعمّقة في الاقتصاد، والمؤهّلات التي يكتسبها لمواجهة جميع التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد وأنّه ملمّ بكافّة دواليب الإدارة التونسية. كما نفى أن تكون له علاقة تظيميّة بحركة النهضة، وأكّد أنّه مستقل ومنفتح على جميع الأحزاب من أجل مصلحة تونس وبيّن أنّ ثقته في نفسه وفي مختلف الأحزاب عالية لتكوين حكومة مقتدرة فيها كفاءات قادرة على مجابهة هذه الصعوبات بعد التشاور مع جميع الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية وهيئات المجتمع المدني. كما وجّه الجملي رسالة للشعب التونسي مفادها أن " هذه الحكومة ستكون حكومة عمل وإنجاز، وستعمل على الاستجابة لمطالب الشعب وليس لها أيّ حسابات خاصّة لا سياسية ولا شخصيّة، وسنصارح شعبنا بكل الحقائق كما هي، ونعول على دعم التونسيين لنا''.
لإرضاء كافّة الأطراف الحزبيّة وطمأنتهم على مدى إستقلاليتِه وعدم إنتمائه للنّهضة، أكّد الحبيب الجملي أنّه قادر على أن يقول كلمة ''لا'' للنّهضة، وبيّن أنّه عقد إتّفاق مع الحركة بعد أن أعلمته أنّها اختارته رئيسا مكلّفا بتشكيل الحكومة حيث اشترط الجملي حسب تصريحه لوسائل الإعلام على النهضة أن تتركه حرّا في تشكيل الحكومة واختيار أعضائها وطلب منها أن تقدّم له أكثر من اسم مقترح للمشاركة في الحكومة وأن تترك له حريّة التقيّيم والإختيار وحتى الرّفض، وقد وافق راشد الغنوشي على ذلك. الحبيب الجملي أكّد أنّه سيتعامل مع كلّ الأحزاب بنفس المسافة ونفس الطريقة بما في ذلك حركة النهضة، ولن يكون له أيّ تميّيز بين النهضة وبقيّة الأحزاب الأخرى وبقيّة الكفاءات المستقلّة. وبيّن أنّ العامل الوحيد الذي سيتحكّم في قراراته هو مصلحة تونس ونجاحها قائلا '' لن يكون لي أيّ خضوع لحركة النهضة في كلّ ما يتعارض مع مصلحة البلاد''.
بدأت أولى فعاليات المشاورات في تشكيل الحكومة المقبلة منذ يوم الإثنين 18 نوفمبر 2019، بمنع الصحفيّين المُتجّنّدين أمام دار الضيافة بقرطاج من تغطية الاجتماع الذي تمّ عقده بين رئيس الحكومة المكلّف الحبيب الجملي ورئيس حكومة تصريف أعمال يوسف الشاهد. حيث تمّ منعهم من التّصوير من قبل الأمن الرئاسي بتعلّة أنّ لديهم تعليمات بذلك، وانتهى الاجتماع بين الجملي والشاهد دون تقديم تصريح إعلامي إثر التشاور بشأن تشكيل الحكومة الجديدة. ولكن بعد هذا الخرق الواضح للقانون، تمّ توفير مكان مخصّص للصحفيّين بدار الضيافة لأخذ تصريحات إعلاميّة من قبل مُمثلي الأحزاب بعد انتهائهم من لقاء رئيس الحكومة المُكلّف في سلسلة لقاءات متتالية ومنظّمة.
لقاء الجملي بالتيّار الديمقراطي (22 مقعدا بمجلس النواب)
قبل أن يتلقى التيّار دعوة رسميّة من طرف رئيس الحكومة المُكلّف الحبيب الجملي، صرّح النائب عن حزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي أنّ النهضة ارتكبت خطوة أولى إيجابيّة باختيارها الحبيب الجملي رئيسا للحكومة، وأنّ التيّار بعد التثبّت من هويّة الجملي تبيّن له أنّه لا ينتمي للحركة الإسلاميّة. الشواشي أكّد أنّ التيّار الديمقراطي، يرفض أن يتعامل مع حزب قلب تونس والحزب الدستوري الحرّ من أجل تشكيل الحكومة مشيرا إلى أنّه في صورة مشاركة حزب قلب تونس والدستوري الحرّ في الحكومة المقبلة فإنّ التيار سينسحب منها.
بعد لقائه مع الجملي، أكّد الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي محمد عبو يوم الثلاثاء 19 نوفمبر، أنّ حزبه مازال ملتزم بشروطه للمشاركة في الحكومة القادمة، وهي الحصول على وزارة العدل والإصلاح الإداري والداخليّة. كما أكّد لرئيس الحكومة المُكلّف على ضرورة بناء دولة قانون ومؤسسات والقطع مع الفساد السياسي حتى لا تدخل الدولة في أزمة اقتصادية ودعا الجملي إلى أن لا تكون وزارات السّيادة في خدمة أطراف معينة، وأن التيار الديمقراطي ضدّ تشكيل حكومة محاصصة حزبية، موضّحا له أنّ التيّار الديمقراطي لا يريد أن يكون حزب قلب تونس مشاركا في الحكومة.
لقاء الجملي بحزب الرحمة ( 4 مقاعد في مجلس نواب الشعب)
رئيس حزب الرحمة سعيد الجزيري اعتبر أنّ رئيس الحكومة المكلّف الحبيب الجملي غير قادر على تشكيل وتسيير الحكومة بسبب عدم كفائته وباعتباره تقني في الفلاحة، كما لا يمكنه قيادة الحكومة نظرا لأنّ يوسف الشاهد الذي سبقه أثبت فشله كمتخصّص في الفلاحة. وعلى عُقب لقائه يوم الخميس 21 نوفمبر، برئيس الحكومة المكلّف الحبيب الجملي، بيّن الجزيري أنّ حزبه لا يزال يصطفّ إلى حدّ الآن في المعارضة، مشيرا إلى أنّه سيصوّت من أجل شخصيّة تشعر بالمسؤولية وذات كفاءة وتريد خدمة البلاد. الجزيري أكّد أنّ لحزب الرحمة كفاءات وسيقدّمها إذا ما طُلب منه المشاركة في الحكم، مبينا أن الوزارة التي يهتم بها حزبه هي وزارة الصحة، قائلا: "هي ليست وزارة سيادة لكنها سيادية للشعب ونستطيع عن جدارة الإفادة في هذه الوزارة التي تشكو من وضع متردي جدا ومن مستشفيات متدنية". النائب المنتخب عن دائرة بن عروس بالبرلمان، الجزيري، بيّن أنّ نوّاب حزبه استشعروا صنصرة في البرلمان خلال جلسة انتخاب رئيس مجلس نواب الشعب، وأفاد أنّ حزبه لم يصوّت لرئيس حركة النهضة الفائز بالمنصب، وخيّر التصويت بورقة بيضاء، ووصف برلمان تونس اليوم بالبرلمان المرعب.
لقاء الجملي بحركة نداء تونس ( 3 مقاعد بمجلس نواب الشعب)
بيّن القيادي بحزب نداء تونس علي الحفصي يوم الخميس 21 نوفمبر، بعد لقائه برئيس الحكومة المكلّف الحبيب الجملي، أنّ حزب النداء ليست لديه رغبة في المشاركة في الحكومة ولكن إن دعي بصفة رسميّة للنقاش حول الحكومة، سيتمّ درس الموضوع داخل هياكل الحزب. وأشار إلى أنّ الوضع يتطلّب من السياسيين اللّيونة والمزيد من التفهّم، وأنّ نداء تونس مع أن يجتمع مع الكتل في طاولة الحوار للنّقاش، وأتبع أنّ اللّقاء لم يتناول الحديث عن الحكومة وتشكيلها مبيّنا أنّ الوقت لم يحِن بعد للنقاش عن ذلك.
لقاء الجملي مع مشروع تونس ( 4 مقاعد في مجلس نواب الشعب)
بعد لقائه برئيس الحكومة المُكلّف يوم أمس الخميس، أكّد رئيس حركة مشروع تونس محسن مرزوق، أنّ حزبه غير معني بتشكيل الحكومة الجديدة لأنه ليس له تمثيل كبير في البرلمان، وأشار أنّه دعا الجملي إلى تشكيل حكومة على أساس الكفاءة وليس على أساس المحاصصة الحزبية.
الحزب الدستوري الحرّ (17 مقعدا في مجلس نواب الشعب)
الدستوري الحرّ قرّر البقاء في المعارضة وهو من الشيء الطبيعي والمتوقّع، نظرا لموقف موسي من حركة النهضة ''الإخوان المسلمين''، فالدستوري الحرّ أعلن عن رفضه المشاركة في حكومة تترأسها النهضة أو تشكّلها. هذا الرفض دفع برئيسة الحزب عبير موسي إلى عدم قبول دعوة رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي للمشاركة في مفاوضات تشكيل الحكومة، يوم الثلاثاء 19 نوفمبر، بعد أن تلقّت مكالمة هاتفيّة من كِتابة رئاسة الحكومة لحضورها المشاورات وبيّنت أنّها متمسّكة برفضها المشاركة في هذه الحكومة لأن رئيسها عيّن من قبل الإخوان. وأكّدت أنّ الدستوري الحرّ لن يشارك في مفاوضات ولا حوارات تهمّ الحكومة ولن يصوّت لها "نحن لا نؤمن بشخص مستقل يُعيّنه الإخوان لأنهم يعيّنون فقط عصافيرهم النادرة ومن يطبق توجهاتهم".
لقاء الجملي بحركة تحيا تونس ( 14 مقعدا في مجلس نواب الشعب)
أعلنت حركة تحيا تونس رسميا عن تموقع الحزب في المعارضة لأنّ نتائج الإنتخابات التشريعيّة لم تمنحهم الأغلبية التمثيليّة في البرلمان الجديد. وبعد لقاء أمين عام الحركة سليم العزابي يوم الأربعاء 20 نوفمبر، بمرشح النهضة لرئاسة الحكومة الحبيب الجملي في إطار المشاورات حول الحكومة، أكّد العزابي أنّه بيّن للجملي بقاء تحيا تونس في المعارضة كقوة اقتراح وأنّ الحكومة الجديدة يجب أن تكون حكومة مصلحة وطنيّة تشمل جميع التوجّهات السياسية الممثلة في البرلمان باستثناء الأحزاب التي توجد حولها شكوك حول الفساد أو أولئك الذين خطابهم متطرف سياسياً.
لقاء الجملي بحركة الشعب ( 15 مقعد في مجلس نواب الشعب)
قال الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، بعد لقائه برئيس الحكومة المُكلّف يوم الأربعاء 20 نوفمبر، أشار إلى أنّ الجملي أكّد للحركة أنّه مستقلّ ولا علاقة له بالنهضة، كما أنّ حركة الشعب بيّنت له أنّ الوقت مازال مبكراً للحديث عن مشاركتها في الحكومة الجديدة. عضو المكتب السياسي المكلّف بالإعلام أسامة عويدات صرّح أمس الخميس أنّ حركة الشعب عبرت في اجتماع مكتبها التنفيذي عن تحفظها من مقترح رئيس الحكومة المكلّف بتكوين لجنة خبراء مشتركة لصياغة برنامج عمل الحكومة المقبلة وذلك لإقتناعها بأنّ من يضع البرنامج هي الأحزاب التي ستشارك في الحكم وليس كل حزب يلتقيه يطلب منه المشاركة في اللّجنة. عويدات أفاد أنّ حركة الشعب ترى أنّه من الضروري أن تكون الحكومة "حكومة ثورة" وأن تتمتّع بنسيج سياسي سابق لصياغة البرنامج، وأن تقطع هذه الحكومة مع المنوال التنموي القديم وأن تكون أولوياتها الصحّة والتعليم والنقل وأن تحقق الدور الاجتماعي للدولة.
لقاء الجملي بحزب ائتلاف الكرامة ( 21 مقعد في مجلس نواب الشعب)
أعلن الناطق باسم ائتلاف الكرامة وعضو مجلس نواب الشعب، سيف الدين مخلوف، أنّ النهضة هي الوحيدة التي تحترم ائتلاف الكرامة بينما احتقرته الكتل البرلمانية الأخرى مثل التيار والشعب، واشار أنّ الإئتلاف لن يتعامل أبدًا مع قلب تونس والنظام القديم- عبير موسي. كما أنّ القيادي بالكرامة عماد دغيج، أشار إلى قطع العلاقات مع التيّار والشعب واصفا هذه الاحزاب بالمنافقة لأنّها لم تحترم اتفاقياتها. وعلى إثر لقائه برئيس الحكومة المُكلّف الحبيب الجملي، أكّد مخلوف أنّ ائتلاف الكرامة ضدّ مشاركة حزب قلب تونس في الحكومة المقبلة، وبيّن أنّ مقترحات ائتلاف الكرامة تهدف إلى تشكيل حكومة ثوريّة، تقطع مع المنظومة القديمة، وكلّ الذين تتعلّق بهم شُبهات فساد.
لقاء الجملي بحركة النهضة (52 مقعد في مجلس نواب الشعب)
الحركة الإسلاميّة بعد أن تحالفت مع قلب تونس في البرلمان لتضمن فوز راشد الغنوشي برئاسة المجلس، أكّدت أنّها ترفض مشاركة حزب نبيل القروي في تشكيل الحكومة. الغنوشي أشار بعد لقائه يوم الأربعاء 20 نوفمبر، برئيس الحكومة المكلّف الحبيب الجملي أنّ حركة النهضة مازالت متمسّكة برفض مشاركة قلب تونس في الحكومة، قائلا ''النهضة لن تُشارك في حكومة يُشارك فيها قلب تونس''. وبيّن الغنوشي إلى أنّه لم يتطرّق في لقائه بالجملي إلى الأسماء التي ستتولى الحقائب الوزارية بل تمّ الحديث حول برنامج الحكومة وأولوياتها في هذه المرحلة على غرار المشاكل الإجتماعيّة والإقتصاديّة ومكافحة الفساد.
لقاء الجملي بحركة قلب تونس ( 38 مقعد في مجلس نواب الشعب)
بعد أن تضامنت الحركة في البرلمان مع حركة النهضة وصوّت نوابها لحركة النهضة ليتمكّن الغنوشي من الفوز برئاسة البرلمان، تعرّض قلب تونس إلى العديد من الإنتقادات من قبل ناخبيه وحتى أنّ القيادي والنائب عن حزب قلب تونس عياض اللومي أشار إلى أنّ بعض نواب الحزب بكوا عندما طلب منهم التصويت لراشد الغنوشي، وبيّن أنّ تصويت قلب تونس لفائدة راشد الغنوشي في رئاسة البرلمان كان لمصلحة البلاد، وأن "التعاون" الذي جمعهم بحركة النهضة تقتضيه الديمقراطية، وأن التخلص من النهضة ليس "هدفا". أسامة الخليفي النائب عن قلب تونس، أكّد أنّ اللقاء مع الحبيب الجملي رئيس الحكومة المكلّف يوم الثلاثاء، لم يتطرّق إلى التشاور حول حكومة 2020 وكان لقاء تعارفيا، وتمحور حول تحييد وزارات السيادة، والبرنامج الحكومي القادم وبيّن أنّ قلب تونس كان حاسما وأكّد للجملي رفضه لحكومة متطرّفة تشرع عودة الإرهابيين من مناطق النزاع.
مشهد برلماني يتّسم بالضبابيّة وعدم التّوازن السياسي بين معارضين ومستقلّين وأحزاب ترفض المشاركة في تشكيل الحكومة إذا شاركت أحزاب أخرى فيها، ورئيس الحكومة المُكلّف الحبيب الجملي على أشدّه لإيجاد حلّ لهذه الأزمة قبل مرور شهر لتشكيل الحكومة وهو أيضا أمام اختبار ليُثبت مدى إستقلاليَته وعدم تدخّل النهضة في قراراته وهي التي أكّدت أنّها لن تُشارك في حكومة يُشارك فيها حزب قلب تونس.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires