هل ينجح نداء تونس في الإصلاح والإلتزام ؟
بعد أشهر من التأجيل بسبب الصراعات والتوترات، تمكنت أخيرا حركة نداء تونس، من عقد مؤتمرها الإنتخابي الذي طالما انتظرته الساحة السياسية .. هذا المؤتمر الذي ينتظم على امتداد ثلاثة أيام بالمدينة الرمز، المنستير، جمع عديد الشخصيات السياسية والوطنية لانتخاب التركيبة الجديدة لقيادة الحزب إلى جانب تنقيح نظامه الداخلي.
يوم السبت 6 أفريل 2019 عاشت المنستير على وقع إحياء الذكرى 19 لرحيل الزعيم الحبيب بورقيبة .. رئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي، تحوّل إلى ضريح بورقيبة وهو من التقاليد الراسخة في مؤسسة الرئاسة بغاية تخليد ذكرى زعيم الوطن وأب الشعب.. لكن هذا التاريخ تزامن هذا العام مع انعقاد المؤتمر الإنتخابي لنداء تونس والذي تأجل في عديد المرات بسبب الأزمات الداخلية والخلافات بين مختلف قيادات الحركة ولا سيما بين رئيس الحكومة، يوسف الشاهد الذي تم تجميد انخراطه في النداء وقايد السبسي نجل رئيس الدولة والمدير التنفيذي السابق ورئيس الهيئة السياسية الحالي.
لا يخفى على أحد أن اختيار موعد ومكان انعقاد المؤتمر لم يكن اعتباطيا ولا محظ الصدفة .. فنداء تونس الذي أسسه الباجي قايد السبسي، الوزير سابقا في عهد بورقيبة، يستلهم وينهل في كثير من الجوانب، من الفكر البورقيبي .. ذلك الفكر التقدمي والحداثي والوسطي المرتكز على ضمان حقوق الإنسان والحريات الفردية.
إلتأم المؤتمر تحت شعار "مؤتمر الإصلاح والإلتزام" وقد بدأ المؤتمرون والمدعوون في الإلتحاق بالقاعة الأولمبية محمد مزالي، قبل الساعة العاشرة صباحا لتغص بعد أقل من ساعة من ذلك بالحضور الذين فاق عددعم 10 آلاف منخرط في النداء من ضمنهم 1800 منتخب في المكاتب المحلية التابعة للحزب.
كانت الصفوف الأمامية مخصصة للقيادات الكبرى في نداء تونس وثلة من الشخصيات الوطنية على غرار حافظ قايد السبسي وسفيان طوبال وأنس حطاب وعبد العزيز القطي وخالد شوكات ومنجي الحرباوي وفوزي اللومي وسميرة بالقاضي وناجي جلول وماجدولين الشارني ومحمد الناصر ومحمد الطرابلسي وفاضل عبد الكافي وحكيم بن حمودة.
المنظمتان الوطنيتان وهما الإتحاد العام التونسي للشغل والإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية كانتا حاضرتين ممثلتين في سمير الشفي، الأمين العام المساعد للمركزية النقابية وسمير ماجول رئيس منظمة الأعراف. لكن ما أثار الإنتباه هو غياب أحزاب المعارضة، في ظل حضور عديد الدبلوماسيين ومن بينهم سفراء فرنسا وفلسطين ورومانيا بتونس.
البداية كانت مع تلاوة آيات بينات من القرآن الكريم تلاها عرض وجيز للحضرة التونسية في انتظار قدوم الباجي قايد السبسي الذي تأخر بعض الشي قادما من ضريح بورقيبة حيث أشرف على موكب إحياء ذكرى وفاة الزعيم .. الديكور كان بسيطا لكنه منظّم حيث تم تركيز شاشتين عملاقتين على يمين الركح ويساره مع إضاءة حمراء .. الشيء الملفت للإنتباه كان خلفية المنبر وراء رئيس الدولة مباشرة حيث يشاهد الحاضرون صورة مركّبة جمعت بين الباجي قايد السبسي والحبيب بورقيبة في إشارة إلى النزعة الدستورية لحركة نداء تونس وسيرها على خطى بورقيبة والبورقيبية.
بعد النشيد الوطني، جاء الخطاب الرئاسي بمرجعية دينية كعادته، من خلال بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، إلى جانب بعض المقولات التي طبعت كلمة الرئيس المؤسس الذي أعطى بذلك إشارة انطلاق أشغال المؤتمر الإنتخابي. الحضور كان كله أذانا صاغية ليخيّم الصمت فجأة على القاعة، باستثناء بعد الشعارات التي كانت تقطع كلمة الباجي قايد السبسي لتهتف باسمه مناشدة إياه للترشح لعُهدة ثانية .. رئيس الجمهورية رد على ذلك لاحقا في خطابه حين قال إن تونس بحاجة إلى تغيير وأن هذا التغيير يقتضي أن لا يترشح لرئاسية 2019 فالبلاد تزخر برجال قادرين على القيام بهذه المهمة على أحسن وجه.
خطاب الرئيس أتى على عديد الجوانب، فقد أكد على قوة النداء رغم الأزمات العديدة التي مرت بها الحركة، مشيرا إلى أن الحزب لم يكتمل بعد وأن ما بقي يكفي لإعادة إحيائه ولعب دور بارز في إنقاذ تونس والتميّز على بقية الأحزاب الأخرى والتي لا يقل عددها عن 215 حزبا تؤثث المشهد السياسي اليوم في البلاد.
الباجي قايد السبسي وجّه في كلمته بعض الرسائل منها التلميح إلى أن حركة تحيا تونس ليس لها وزن كبير في الساحة السياسية اليوم وأن الحزبين الكبيرين هما النداء والنهضة .. كما توجه لمن يدّعون أنه يعتزم توريث الحكم لنجله حافظ، ملاحظا أن الزمن قد تغير كما أن الأمور تطورت.. ولم يفته أن يثير مسألة المساوة في الميراث، موضحا أنه مشروع يعني الكثير لبورقيبة الذي لم يتمكن من تحقيقه في حياته وكان سيفخر كثيرا لرؤية هذه الإنجازات تتحقق اليوم.
لكن الطلب الذي لم يكن ينتظره ولا يتوقعه أحد في القاعة هو رفع التجميد عن عضوية يوسف الشاهد في نداء تونس، وهو طلب فاجأ حتى رئيس الهيئة السياسية حافظ قايد السبسي وسيقع النظر فيه وإخضاعه للتصويت من قبل المؤتمرين اليوم الأحد، حتى وإن كانت هذه الدعوة أثارت وجهات نظر ومواقف مختلفة في صفوف الندائيين.. ومهما يكن من أمر وبقطع النظر عن القرار الذي سيتخذه الحزب بخصوص طلب الباجي قايد السبسي المتعلق برفع تجميد عضوية الشاهد من النداء، فإن هذا المؤتمر الإنتخابي يبقى ذا أهمية كبرى بالنسبة لنداء تونس وستكون له تبعات وانعكاسات بارزة على المشهد السياسي في البلاد. كما أن المؤتمر سيفرز تركيبة جديدة وهياكل جديدة أيضا على غرار اللجنة المركزية والهيئة السياسية.
في محاولة لتصحيح المسار قبل المحطات الإنتخابية المقبلة، سيتم حتما إصلاح التوجه السياسي للحزب، فضلا عن تنقيج نظامه الداخلي، انسجاما مع روح شعار هذا المؤتمر. على صعيد آخر يبدو أن عديد الشخصيات الوطنية ستلتحق بالنداء سيتم الإعلان عن أسمائهم مع اختتام أشغال المؤتمر وهي تغييرات ستؤدي إلى نداء متجدد بدماء جديدة أيضا.
(ترجمة عن النص الأصلي باللغة الفرنسية)
تعليقك
Commentaires