هل يكون عبد الكريم الزبيدي رجل المرحلة القادمة؟

رحيل الفقيد الرئيس الباجي قائد السبسي، أثبت أمام كلّ دول العالم، أنّ تونس دولة ديمقراطيّة قويّة بمؤسّساتها وعظيمة بشعبها الذّي أثبت يوم جنازة الراحل في 27 جويلية 2019، أنّه شعب أحبّ رئيسه الذي انتخبه، وتوحّد لوداعه يوم وفاته. تونس لم تعرف في هذه المحنة لا إنفلاتا أمنيا ولا  إنقلابا على السلطة في ظلّ شغور منصب رئيس الجمهوريّة، بل بالعكس شهدت انتقال سلسا عبر احترام الفصل 84 من دستور البلاد الذّي ينصّ على تولّي رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر منصب رئاسة الجمهوريّة لمدّة لا تتجاوز تسعين يوما إلى حين انتخاب رئيس جديد للبلاد من طرف الشعب.

واصلت  مؤسّسات الدولة سير نشاطها  بشكل عادي في ظل أسبوع من الحداد على روح الفقيد الراحل الباجي قائد السبسي. في نفس الوقت غيّرت الهيئة العليا المستقلّة للإنتخابات موعد الإنتخابات الرئاسية وأضحت قبل الإنتخابات التشريعيّة. وبالتالي سارعت الأحزاب في تنظيم قائماتها للإنتخابات التشريعية وقدّمتها للهيئة وكان يوم الإثنين 29 جويلية 2019، آخر أجل لقبول القائمات، وبعدها بقي على الأحزاب اختيار مرشّحها للإنتخابات الرئاسية وتقديم الأسماء في الفترة المتواصلة بين 2 أوت إلى حدود 9 أوت 2019.

 حملة مناشدة لترشّح عبد الكريم الزبيدي للرئاسية 

كما يحقّ للأحزاب السياسية اختيار ممثّلها في الإنتخابات الرئاسيّة، بادر البعض من الأشخاص وهم من روّاد موقع التواصل الإجتماعي الفايسبوك، بالإبداء عن حقّهم في اختيار مرشّحهم للرئاسيّة، بعد انتهاء مراسم دفن الفقيد الراحل الباجي قائد السبسي، يوم السبت 27 جويلية 2019. شّن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي حملة مناشدة  على الفايسبوك، تهدف إلى الدفع بوزير الدفاع ، عبد الكريم الزبيدي، إلى الترشّح للإنتخابات الرئاسيّة، وأنشئت له صفحة على الفايسبوك تحت عنوان ''حملة دعم ترشح السيد عبد الكريم الزبيدي للانتخابات الرئاسية 2019''، وصفحة أخرى تحت عنوان '' عبد الكريم الزبيدي رئيسا للجمهورية''. قام المشرفون على هذه الصفحات  بنشر مقاطع فيديو تلخّص أهم محطّات الزبيدي المهنية وحياته السياسية وسيرته الذاتية، ومقاطع أخرى عن أهم أقواله مؤكدة أنّ وزير الدفاع هو الشخصية الوطنية الوحيدة القادرة على تسيير الدولة في المرحلة القادمة نظرا لخلفيته العسكرية الملتزمة وولاءه للوطن وعلاقته برجالات الدولة.

سياسيون يساندون ترشّح الزبيدي للرئاسيّة

في نفس السياق، أعلن النائب بمجلس نواب الشعب فيصل التبيني يوم الإثنين 30 جويلية 2019، عن تخليه عن الترشح للانتخابات الرئاسية. استحضر التبيني في فيديو نشره بمقر مجلس نوّاب الشعب، اليوم التاريخي  لجنازة الفقيد الراحل الباجي قائد السبسي في 27 جويلية 2019، وقال إنّ المحافظة على وحدة الشعب الذّي خرج في جنازة الفقيد والذي عبّر عن حبّه للراحل الباجي قائد السبسي لا يمكن الحفاظ عليها إلا بالتوافق على اختيار شخصيّة وطنيّة تكون محايدة قادرة على خدمة الوطن ولها تجربة في تسيير شؤون البلاد. وحسب تقديره الخاصّ، قال التبيني أنّ وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي بتجربته السياسية قادر أن يكون هو ذلك الشخصية التي تحدّث عنها، لأنّه محايد وغير منخرط في الأحزاب. وأكّد أنّه سيكون من أوّل الداعمين لترشّح الزبيدي للرئاسيّة.

 وأعلن التبيني على قيامه بإطلاق مبادرة بمجلس نوّاب الشعب بمعية النائب عن نداء تونس محمد الفاضل عمران، تنصّ على جمع التزكيات في وثيقة رسميّة تُرشّح وزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي إلى الإنتخابات الرئاسيّة، وتتطلّب تزكيّة مرشّح للإنتخابات الرئاسية جمع 10 آلاف صوت من كلّ دائرة انتخابيّة، أو جمع إمضاء 10 نواب من مجلس نواب الشعب، لذلك بادر التبيني بجمع التزكيات من نواب المجلس وكان هو أوّل الممضين على الوثيقة ثمّ أمضى النائب علي بن سالم ورحّبت بالفكرة النائب فاطمة المسدّي. وأفاد أنّه بعد جمعه لـ 10 إمضاءات سيقوم بإعطاء الوثيقة لوزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، ودعاه إلى تحمّل هذه المسؤوليّة قائلا له إنّ تونس بين يديه هو وأمثاله من الشرفاء.

 وأفاد في تصريح إعلامي أنّ 12 نائبا وقّعوا على وثيقة  التزكية، وأكّد أنّه اتصل بوزير الدّفاع الوطني وأعلمه بالوثيقة، في حين أخبره الزبيدي أنّ التوقيت غير مناسب لطرح هذا الموضوع خاصة أنّه لم يمرّ وقت طويل على وفاة الرئيس الراحل الباجي  قائد السبسي. وشدّد التبيني على أنّ عبد الكريم الزبيدي هو رجل المرحلة والمؤهل للترشح للانتخابات الرئاسية المبكرة والمقررة يوم 15 سبتمبر القادم.

 كما نفت النائب في البرلمان عن حركة نداء تونس فاطمة المسدي في تصريحاتها الإعلامية ما تمّ تداوله أنّها أمضت على الوثيقة الرسمية الخاصّة بتزكية وزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي للإنتخابات الرئاسيّة، التي أطلقها المستقل بالبرلمان فيصل التبيني في مجلس نواب الشعب،  ولكنّها أبدت دعمها المعنوي لترشّح الزبيدي وأوضحت أنّها في  انتظار حسم نداء تونس في مرشحه للاستحقاق الرئاسي.

'' إن الزبيدي رجل وطني وخدم البلاد ونعتبره صديقا، وهو مؤهل لهذا المنصب وعديدون غيره مؤهلون أيضا، لكن الاختيار يبقى بيد الشعب التونسي"، هكذا عبّر رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي عن موقفه من ترشّح وزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي للإنتخابات الرئاسيّة، خلال إيداعه لترشّحه على رأس قائمة تونس 1 بمقر الهيئة العليا المستقلّة للإنتخابات. 

أيضا عبّرت الإعلامية والناشطة السياسية دليلة بن مبارك على مساندتها لوزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي في حال ترشّحه للإنتخابات الرئاسيّة، واعتبرت بن مبارك في تدوينة نشرتها على حسابها الشخصي بالفايسبوك، أنّ الزبيدي هو إنسان مسؤول ونظيف وإنّه مقارنة بالمترشحّين للإنتخابات الرئاسية يعتبر هو الأفضل حسب تقديرها. 

كما وجّه عضو المكتب السياسي لحركة مشروع تونس، حسن المحنوش، في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية بالفايسبوك، رسالة إلى وزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي، دعاه فيها  بطريقته إلى ضرورة الترشّح للإنتخابات الرئاسيّة  قائلا ''الدكتور عبد الكريم الزبيدي الوطن يناديك فلا تخذله وان خذلته سيحملك التاريخ مسؤولية تخاذلك وسيتبرؤ منك الوطن''.

وأعلن الناشط السياسي  والمرشح للانتخابات الرئاسية عمر صحابو عن سحبه لترشّحه للإنتخابات الرئاسيّة، إذا ترشح عبد الكريم الزبيدي،قائلا '' إنّ عبد الكريم الزبيدي في رأيي رجل المرحلة القادمة الأنسب والأفضل، فمن المنطقي إذن أن اسحب ترشحي إذا قرر الترشح''.

موقف الزبيدي من ترشّحه للرئاسيّة

مثّل اللقاء الأخير لوزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي مع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، يوم الاثنين 22 جويلية 2019 في قصر قرطاج، نقطة هامّة في تاريخه المهني وبرهن مدى ثقة الفقيد بالزبيدي الذّي دعاه للقائه وباح له بأمور يعلمها وزير الدفاع وحده وصرّح على البعض منها للإعلام ودفعه واجب التحفظ إلى كتمان البعض الآخر منها. في هذا اللقاء اطّلع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي على الوضع الأمني بالبلاد والجاهزية العليا للقوات العسكرية والأمنية. وقال الزبيدي إنّ الفقيد قال له حرفيا "أعرف بأن الساعة قد حلت ونحن جاهزون لمشيئة الله''. 

من جانبه، أكّد وزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي في حوار نشر على موقع صحيفة "الشارع المغاربي" يوم الثلاثاء 30 جويلية 2019، أنّه معني بالترشّح للانتخابات الرئاسية المُقرّرة ليوم 15 سبتمبر القادم في صورة كان لديه ما يضيف للبلاد. وتابع الزبيدي: "إلى حدّ الآن لا أستطيع أن أقول شيئا …ما يمكنني قوله فقط وتأكيده .. إني معني إلا إذا كان لدي ما أضيف للبلاد"، ونفى الزبيدي ما تمّ تداوله على أنّ الصفحة التي تشجّع على ترشحّه للرئاسيّة أن تكون تابعة له. وأكّد أنّ الموقع الرسمي الذي يلزمه هو موقع وزارة الدفاع الوطني، متابعا القول: ''لا ناقة لي ولا جمل في كل ما حصل...يجب أن ننتظر حتى تمر العاصفة...ولا تفكير ولا تركيز بالنسبة لي مطلقا إلا على الوضع العام بالبلاد وعلى مصلحتها العليا''. كما أكّد الزبيدي في جلسة إستماع له في مجلس نوّاب الشعب عدم ترشّحه للإنتخابات الرئاسيّة القادمة. وقال يوم الإثنين 22 جويلية 2019، أثناء الإستماع له، إنّه لم يرغب بالمرّة أن يشغل أي خطّة سياسية، وإنّ موضوع ترشّحه للإنتخابات الرئاسيّة من عدمه لم يتم طرحه أبدا.

 أيام معدودة تفصلنا عن فتح باب الترشّحات للإنتخابات الرئاسيّة الذّي ينطلق يوم 2 أوت، ويتم غلقه  يوم 9 أوت 2019. وحسب رئيس الهيئة العليا المستقلّة للإنتخابات فإنّ الملفات المتقدّمة للإنتخابات الرئاسيّة سيتم النظر فيها من 11 إلى 14 أوت 2019،  وستمهل الهيئة المترشحين 48 ساعة لتعويض التزكيات الغير مستوفية للشروط، وسيتم فتح  باب النزاعات من 15 أوت إلى يوم 31 أوت، ليتمكّن كل مترشّح قد تمّ رفض مطلبه من الطعن في هذا الرفض والتقاضي على درجتين. وسيتمّ الإعلان عن قائمة المترشّحين المقبولين نهائيا في الإنتخابات الرئاسية يوم 31 أوت 2019، وتمتدّ الحملة الإنتخابية للرئاسيّة لمدّة  12 يوما، من 2 سبتمبر إلى 13 سبتمبر 2019، وسيكون يوم 14 سبتمبر هو يوم الصمت الإنتخابي، ويكون بالتالي يوم 15 سبتمبر يوم الإقتراع، وسيتمّ التصريح بالنتائج الأوليّة يوم 17 سبتمبر.

الكلّ يأمل أن ينتخب رئيسا جديدا لتونس بطريقة ديمقراطية، يكون في مستوى تطلّعات وآمال الشعب التونسي الذّي أظهر حبّه للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، وأن يكون مسؤولا وقادرا على حمل الأمانة والحفاظ على البلاد ووحدة الشعب. 

يسرى رياحي