قيس سعيد : تونس ستواصل إلتزامها في خدمة السلم والأمن والتنمية المستدامة
رئيس الجمهورية يترأس اجتماعا رفيع المستوى لمجلس الامن
ماذا أعدّت تونس لرئاسة مجلس الأمن الدولي؟
في اجتماع مجلس الأمن الدولي: قيس سعيد يدعو إلى بناء نظام عالمي أكثرَ عدلا
افتتح رئيس الجمهورية قيس سعيد اليوم الأربعاء 6 جانفي 2021، فعاليات أول اجتماع رفيع المستوى لمجلس الأمن الدولي خلال سنة 2021 برئاسته والذي انطلق تحت شعار "تحديات حفظ السلم والأمن الدوليين في السياقات الهشة".
في البداية، قدّم رئيس الإجتماع قيس سعيد جدول أعمال الجلسة ودعا بموجب المادة 39 من النظام الداخلي المؤقت للمجلس مُقدمي الإحاطات الآتية أسماءهم إلى المشاركة في هذه الجلسة، موسى فقي محمد رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي، و إلين جونسون سيرليف رئيسة ليبيريا سابقا''.
وواصل قيس سعيد قائلا ''أودّ أن أرحّب بهذه المناسبة ترحيبا حارا بالأمين العام وبرؤساء الدول والحكومات والوزراء وسائري الممثلين رفعيّي المُستوى الموقرين، إنّ جلستكم ومشاركتكم فيها لا تأكيد على أهمية الموضوع قيد المناقشة ويشرفني أن أعطي الكلمة إلى معالي السيد الأمين العام أنطونيو غوتيريش''.
أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، توجّه في بداية كلمته بالشكر إلى الرئاسة التونسية على تنظيم اجتماع مجلس الأمن الدولي وأفاد أنّ ضمان السلم والأمن الدوليين يستدعي دراسة الصلة بين الهشاشة والنزاع معتبرا انّ هؤلاء من أكبرالعوائق لتنفيذ خطّة التنمية المستدامة لعام 2030. وأوضح أنّ النزاعات بدأت تتفاقم حتى قبل بدأ جائحة كورونا ''النزاعات ازدادت تعقيدا'' بسبب بعدها الإقليمي وانتشار المجموعات المسلحة وصلتها بالجريمة وحتى بالإرهاب وأشار أنّ النزاعات أصبحت تأخذ أطول مدّة وحلّها بات أصعب.
وأشار غوتيريش أنّه وفقا لتقرير الهشاشة والنزاع الصادرعن البنك الدولي فإنّ خُمس الناس يعيشون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالقرب من منطقة النزاع ونتيجة لذلك تنامت الإحتياجات الإنسانية لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ الحرب العالمية الثانية، كما تضاعف عدد الناس المعرّضين للمجاعة مبيّنا أنّ الآليات الدولية لإدارة النزاعات تتعرّض لضغوط تتجاوز قدرتها على التحمّل وأضاف أنّ هذه التطوّرات أدخلت الكثير من البلدان في حلقة مفرغة مؤكّدا أنّ النزاعات تُغذي الفقر وهشاشة المؤسسات وهو ما يُقوّض من مناعة المجتمعات وفرص السلام وتابع أنّه وفقا لتقديرات البنك الدولي، سيعيش الثلث الأكثر فقرا بحلول 2030 في بلدان هشة أو تعاني من نزاع.
واعتبر الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أنّ جائحة كورونا فاقمت تلك الظروف سنة 2020، ومنذ 22 عاما ازداد الفقر المتقع مشيرا أنّه من المتوقع أن يُثير إنكماش الإقتصاد في البلدان الهشة والتي تعاني من نزاع إلى ازدياد عدد الفقراء ما بين 18 و 27 مليون. وأضاف أنّ الفجوة بين الجنسين في اتّساع ومشاركة المرأة في سوق العمل تراجعت إلى مستويات كبيرة بسبب فيروس كورونا وبيّن أنّ أزمة المناخ أيضا تمثل سببا آخر من أسباب الإضطرابات الأمنية. وأكّد أنّه للخروج من حلقة الفقر والنزاع يجب بلورة مقاربة أكثر طموحا تستند إلى مبدأين يتجسّدان في هدف التنمية المستدامة، أوّلهما التكافل موضحا أنّ خطة سنة 2030 تُقرّ بأنّ التنمية المستدامة مستحيلة دون سلام والسلام مستحيل دون تنمية مستدامة، وشدّد على ضرورة الحاجة إلى مقاربة شاملة من أجل بناء السلام والحفاظ عليه مع التركيز على الصلة بين العمل الإنساني والتنمية والسلام. أما المبدأ الثاني فهو المشاركة، وبيّن غوتيريش أنّ منظمة الأمم المتحدة كانت قد وعدت إلى منع تخلّف أي أحد عن الركب لتعزيز الجهود الرامية إلى تعزيز التنمية المستدامة ومنع النزاعات وحلّها وأكّد أنّه منذ ما يزيد عن عشرون عاما كان قد اعترف مجلس الأمن في قراره 1325 بالحاجة إلى إشراقة أكبر للمرأة في عمليات السلام معتبرا أنّ هذا الوعد لم يتمّ الإيفاء به تماما.
وأفاد أنطونيو غوتيريش أنّ الصلة بين النزاع والهشاشة أوضح ما تكون في القارة الإفريقية والساحل وتفاقمت الهشاشة بسبب التهديدات العابرة للحدود مثل تغيّر المناخ والإرهاب والجريمة المنظمة عبر الوطنية وانتشار المجموعات المسلحة وانتهاكات حقوق الإنسان والإستغلال غير المشروع للموارد الطبيعية وتفاقم البطالة. وأكّد أنّه من أجل معالجة تلك الظروف عملت الأمم المتحدة بشكل وثيق مع الإتحاد الأفريقي والجماعات الإقتصادية الإقليمية ويُشكّل الإطاران المشتركان بين الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي بشأن السلام والأمن والتنمية المستدامة أدوات مهمة لمنع النزاعات في أفريقيا وحلّها بشكل مستدام.
بعد استماعه لمداخلات بعض رؤساء الدول ولأمين عام منظمة الأمم المتحدة، أكّد رئيس الجمهورية قيس سعيد أن تونس لن تتوانى في تقديم الحلول للإنسانية جمعاء حتى تكون الأمم المتحدة ''أمما بالفعل متحدة''.
وتوجّه قيس سعيد بتلاوة خطابه بصفته رئيسا لتونس ولمجلس الأمن الدولي قائلا ''إنّ اختيارنا لموضوع تحديات حفظ السلم والأمن الدوليين في السياقات الهشة محورا لهذه الجلسة التي نعقدها اليوم يتنزّل في إطار حرصنا على الوقوف على عوامل الهشاشة التي تمثل محركات رئيسية للعنف وتُطيل النزاعات القائمة والتي استمرت طويلا لمدّة عقود وتُمهّد للأسف لإندلاع نظاعات أخرى جديدة، كما أنّها تُساهم في تقويض أسس الدّول بل تضربها في وجودها وتُساهم في تقويض الجهود المبذولة لتعزيز الديمقراطية والتقدم الإجتماعي والإقتصادي في عديد المناطق بالعالم وخاصّة في قارتنا الإفريقية التي عانت كثيرا من الحروب ومن الضحايا الذين سقطوا في هذه المعارك، علاوة على تعميقها للأزمات الإنسانية وتعقيدها لمسارات التنمية وإعادة الإستقرار للبلدان الخارجة من النزاعات''.
''اعتقادنا راسخ بأنّ إنهاء الحرب على أهميته القصوى لا يُفضي بالضرورة وبصفة آلية إلى السلام الدائم ونحن نسعى إلى أن يكون السلام دائما مستمرا غير منقوص، كما أنّ وقف إطلاق النار لا يُمثّل نهاية للنزاعات بل يُعد خطوة أولى ضرورية نحو التسوية السلمية، إنّ تراجع مؤشرات التنمية البشرية وتدني فعالية مؤسسات الدولة هم من أكبر الأخطار التي تهدّد الدول، وضعف الحوكمة إلى الإرهاب والتطرّف العنيف ونشاطات الجريمة المنظمة العابرة للحدود فضلا عن تأثيرات التغيّرات المناخية وشحّ الموارد وانتشار الأوبئة وهذه كلّها عوامل يُغذي بعضها البعض وتدفع بإتجاه تأجيج مظاهر العنف والنزاعات والصراعات وتعمق تآكل التماسك الإجتماعي كما تتسبب في موجات اللجوء والهجرة غير النظامية وهي بذلك تمثل تقويضا جديا لجهود الحكومات الوطنية والمجموعة الدولية لبناء السلم وتحقيق الإستقرار في المراحل التي تلِي النزاعات المسلّحة''
'' ومن هذا المنطلق فإنّ نجاعة بناء عملية السلام تقتضي مساعدة البلدان والشعوب على تثبيت الإستقرار والإنتقال التدريجي من سياقات الضعف والهشاشة إلى مراحل التعافي بل إلى مرحلة الحقّ المشروع في التنمية في الرخاء وتتطلب تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية والحكم الرشيد وتوسيع المشاركة السياسية خاصة من بين فئات النساء والشباب''
''السيّدات والسادة لقد ظلّت عديد المناطق في مختلف القارات وخاصة في قارتنا الإفريقية بعد أكثر من ستة عقود من حصول الكثير من الدول على استقلالها، ضحية للعنف وللنزاعات ولتراكم عديد عوامل الهشاشة التي ولّدت تحديات وتهديدات معقّدة ومتعدّدة الأبعاد جعلتها في حالة طوارئ أمنية وإنسانية وتنموية وصحية وعرضة للعنف وللإرهاب ، إنّ التحديات والصراعات الناشئة عن مثل هذه الأوضاع وعن مثل هذه العوامل عديدة متنوعة قد لا يتسع المجال هنا إلى التعرّض إليها كلّها ولكن في كلّ الأحوال الوضع يستوجب اعتماد مجلس الأمن لمفهوم أشمل وأوسع للأمن الدولي يأخذ في الإعتبار التداخل والتفاعل بين عوامل الهشاشة من ناحية والعنف والنزاعات المسلحة من ناحية أخرى، كما تتطلّب أيضا استجابات متعدّدة الإختصاصات بمساهمة مختلف المتدخلين الدوليين في إطار جهد مشترك ومتسق ومنسق ومتكامل وإننا إذ نقدر عاليا الدور الهام الذي ما فتئ الإتحاد الإفريقي وما فتئت المنظمات دون الإقليمية تضطلع به في المساعدة على تجاوز هذه الأوضاع على غرار مبادرة إسكات البنادق في إفريقية وكم نتمنى أن لا نسمع هزيز الرصاص''
'' إنّ الأمم المتحدة بإطارها المؤسسي العريق وبمؤسساتها المختلفة مطالبة بالمساهمة الفاعلة والناجعة في معالجة الأسباب العميقة للهشاشة المهددة للأمن والسلم والمؤدية إلى العنف وتفشي النزاعات، كما أنّ التكامل بين الجهود الأممية والإقليمية والوطنية في هذا المجال يكتسي بالتأكيد عند الجميع أهمية بالغة، وفي هذا السياق من الضروري تعبئة جهود جميع الدول وجهود كلّ الجهات المسؤولة دون استثناء وفي مقدّمتها صناديق الأمم المتحدة وبرامجها وشركائها على المستويات الإقليمية المختلفة والمؤسسات المالية الدولية والدول المانحة وذلك بهدف صياغة استراتيجيات شاملة لبناء السلام تركّز على بناء قدرات الدول المعنية وتعزيز تملّكها لبرامج التخلص من عوامل الفقر والإقتتال والهشاشة وتوطيد مقوّمات الإستقرار وتحقيق أهداف التنمية المستدامة''
''ولما كانت وسائل الوقاية من أهم وسائل حفظ السلم ومنع النزاعات فإنه على مجلس الأمن انطلاقا من مسؤولياته في هذا الإطار مزيد دعم مبادرات منع نشوب النزاعات وتعزيز سيادة القانون ونجاعة المؤسسات الوطنية ودفع الجهود الوطنية والأممية والدولية لتعزيز التنمية وضمان مقومات العيش الكريم لجميع الفئات والأشخاص في كلّ أنحاء العالم وهذا ليس فقط الخيار الأسلم سياسيا وأخلاقيا بل هو الخيار الأقل كلفة للأمم المتحدة والمجموعة الدولية على وجه العموم فلا أمن ولا سلام دون تنمية شاملة وعادلة ومندمجة ومستدامة تخفظ كرامة الإنسان وتمكن سائرالشعوب من كلّ حقوقها وفي مقدمتها حقّها في التنمية''
بعد تطرّقه لأسباب النزاعات الدولية وتنامي الهشاشة ونقص الأمن، عاد رئيس الجمهورية قيس سعيد في كلمته على تداعيات جائحة كورونا على العالم أجمع قائلا ''يعلم الجميع أنّ الجائحة التي عاشها العالم في السنة المنقضية ولا تزال للأسف مستمرة أربكت كلّ مناخ الحياة في العالم وأثّرت تداعياتها على جميع الدول وأثرت في كلّ أوجه الحياة لكنّ مخاطرها وتأثيراتها كانت أشدّ وطأة في سياقات الهشاشة والفقر وهو ما يُضاعف من مخاطر زيادة التوتّرات الإجتماعية والإقتصادية ونزاعات العنف والمآسي الإنسانية وتهديد السلم والأمن الدوليين''.
وأكّد قيس سعيد أنّه 'في ظلّ تلك الأوضاع فإنّ تونس تجدد دعوتها إلى مزيد تعزيز التعاون الدولي في مواجهة تهديد كورونا وفق رؤية تقوم على التضامن الإنساني الحقيقي والتآزر الفاعل وتستوعب كلّ عوامل تغذية الصراعات وإطالة أمدها مشيرا أنّه مثل تلك الجوائح ''لا تعترف بالحدود ولا تستثني أحدا كما أنّها تضع العالم بأسره في سياق من الهشاشة ولا يُمكن أن نكون في هذا السياق وفي هذا السباق فرادى بل يجب أن نكون أمما متحدة''. كما شدّد رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد على أن تكون حتمية التلاقيح والأدوية المحتملة لجائحة كورونا متاحة للجميع ''حيث لن يكون أحد في مأمن ما لم يكن الجميع في مأمن''.
كما اغتنم رئيس الجمهورية الفرصة خلال هذا الإجتماع لدعوة كافة أطراف النزاعات في العالم إلى الإستجابة لنداء الأمين العام بوقف كافة أشكال الإقتتال والإمتثال للقرار رقم 2532 الذي اعتمده مجلس الأمن بالإجماع في مفتتح شهر جويلية الفارط بمبادرة من تونس وفرنسا وهو القرار الذي أنا السبيل للمجموعة الدولية لمعالجة جائحة كورونا بالنجاعة المطلوبة. وأكّد قيس سعيد على أنّ الجمهورية التونسية ستواصل إلتزامها في خدمة السلم والأمن والتنمية المستدامة من أجل تحقيق التطلعات المشروعة لكلّ شعوب الأرض إلى عالم أكثر أمنا وعدلا وازدهارا لا يتخلّف فيه أحد على الركب وأشار أنّه من حقّ الحقوق المشروعة التي شدّد قيس سعيد على ضرورة التذكير بها والتأكيد عليها ''في كلّ اجتماع وفي كلّ مكان حقّ الشعب الفلسطيني في أرضه وإننا مدعوون كلنا إلى المساهمة في صنع تاريخ جديد للإنسانية جمعاء لنكن جميعا في موعد جديد مع التاريخ''.
تعليقك
Commentaires