قيس سعيد يفتح باب الصُّلح مع المشيشي
خمسةُ أشهر، هي مدةّ القطيعة بين القصبة وقرطاج، خمسة أشهر دون اجتماعات ثُنائية وزيارات للقصر، خمسةُ أشهر من التعقيدات والتراكمات وحرب التصريحات، والاصطفاف الحزبّي واختيار الخنادق، والدفاع كناية عن هذا أو ذاك والمناولة لصالح هذا أو ذاك، منذ 25 جانفي تحديدا، ولنصف مدةّ عهدة هشام المشيشي في القصبة، لم نشهد لقاء بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
يبدو أن التسريب الوهميّ قد جاء بنتائج عكسيّة، وأكسب قرطاج تضامنا وظهر حقيقة الاسلاميين، الا أنّه من جهة أخرى كان سببا مباشرا في دعوة قيس سعيد لهشام المشيشي الى قصر قرطاج. لقاء شاركهما فيه وزير الدفاع ابراهيم البرطاجي لكنّه كان مُناسبة لوضع النقاط على الحروف والحوار ماشرة دون وساطات أو رسائل مشفرّة قابلة للتأويل، ورغم أننا لا نعلمُ ما عبّر عنه المشيشي الذي يُظهره فيديو الرئاسة في مكانة التلميذ المُنصت لموعظة المعلم دون أن يُجيب، الا أننا نعلم ما قالة رئيس الجمهورية قيس سعيد، الذي تحدّث عن جُلّ المسائل التي اثارت الجدل في الفترة الأخيرة وأراد أن يرفع اللبس عن موقف قرطاج المُبهم بسبب سياساتها الاتصالية الضعيفة.
الموقف من التسريبات
باللهجة التونسية ونبرات الاستهزاء من وباء التسريبات المستجد أكد الرئيس التونسي إن ما يدور من أحاديث وتسريبات حول اعتزامه القيام بانقلاب دستوري "أمر مخجل"، مشدّدا على أنه "ليس من دعاة الانقلاب والخروج على الشرعية".
أكد الرئيس استغرابه من مزاعم خطّة للانقلاب، بعد سنوات من عمله في المجال القانوني والدستوري، معتبرا أن "الانقلاب لا يكون على الدستور بل يكون على الشرعية"، متسائلا " كيف بالإمكان الحديث عن انقلاب دستوري ونحن في ظل الفصل 80 وفي حالة طوارئ؟" وأكد الرئيس أنه لم يكن يريد أن يُعلّق على مثل هذه التُرهّات
"من المؤسف والمخجل ما يتم الحديث عنه، نحن لسنا دعاة انقلاب بل دعاة شرعية وتكامل بين المؤسسات. نحنُ دعاة عمل وتنسيق."
وسخر الرئيس من " التسريبات التي ينشرها الاسلاميون معلقا "قريب نعملو وزارة للتسريبات"، مستهزئا من "الخبراء" الذين يعلقون على خبر التسريب المزعوم قائلا "الجزائر عندها مليون شهيد وأحنا هنّا مليون خبير." واعتبر باختصار الرئيس أنه من الخطير افتعال هذه القضايا وفي نفس الوقت التسويق لها، داعيا النيابة العمومية للتحرك من تلقاء نفسها والبتّ في هذه الادعاءات.
الدّولة واحدة
أكثرُ ما رددّه قيس سعيد موجها كلامه بالأساس للمشيشي الذي يحضر الاجتماع بصفته رئيس الحكومة لكن أيضا بصفته كمُكلف بتسيير وزارة الخارجية، أنّ الدولة واحدة وأنه لا يجب فسح المجال للهرطقات والاشاعات لخلق حالة من العطالة داخل الدولة. ولأول مرة تخلى الرئيس عن الخطاب الهجوميّ، حيث التمس متابعو كلمته، محاولة للعقلنة والتهدئة وخطابا مبسطا ومباشرا يختلف عمّا سبقه من خطابات "المؤامرات والغرف المظلمة" ورمي الاتهامات.
أّكّد الرئيس أن الدولة لا يجب أن تتأثر بالمسائل الجانبية وأن رؤساء الدولة، الحكومة والبرلمان يجب أن يعملو بتنسيق مستمر سواء على المستوى الأمني أو العسكري أو الديبلوماسين وأن الاختلاف في الاراء والمقاربات أمر عادي ولا يعني القطيعة وتفكك الدولة.
"لا يمكن أن تُدار الدولة بشكل منفصل. التنسيقيجب أن يستمر بين مُختلف مؤسسات الدولة في اطار القانون سواء الديبلوماسية أو الأمنية أو العكسرية، لا يوجد 20 دولة بل دولة واحدة، يوجد رئيس دولة ورئيس حكومة ورئيس برلمان يعملون في اطار الاحترام والتكامل، يمكن أن تكون هناك اختلافات في المقاربات."
مطالب رفع الحصانة
أشار رئيس الدولة الى نقطة مهمة تمس من الأمن العام وصورة الدولة، وهي مسألة مطالب رفع الحصانة التي أودعتها وزارة العدل بمجلس النواب الشعب وتجاهلها راشد الغنوشي، منبّها إلى أنّ بعض النواب الذين وردت بشأنهم مطالب لفع الحصانة متّهمون في قضايا تحيل وتهريب مخدرات ومنهم من في حالة فرار.
وأكد سعيد إنّ البرلمان من حقّه رفض طلبات رفع الحصانة ولكن ليس من حقّه اخفاؤها والمساومة بها.
"على النيابة العمومية أن تتحرك عندما يتعلق الأمر بالمس من الدولة ومؤسساتها، يوجد 25 شكاية ذهبت من وزارة العدل إلى البرلمان تخص نوابا، ولكن لم يتم النظر فيها من قبل مجلس نواب الشعب، ولم يتم عرضها على الجلسة العامة. لم يتم تطبيق القانون في البرلمان على النواب، يوجد عدد من القضايا المتعلقة بالتحيل وتهريب المخدرات وقضية تهريب، التي يجب أن يتم طرحها للنقاش، وأن يكون الشعب على علم بها في صورة تم رفض رفع الحصانة سياسيا على مجلس نواب الشعب أن يقوم بدوره، فالوضع أصبح يمس من الدولة التونسية".
وهكذا يكون سعيد قد أوضح نقاط اللبس ووجه المسؤولية الى باردو. بالنسبة للبرلمان، فقد نفى مساعد رئيس البرلمان المكلف بالإعلام ماهر مذيوب تصريح رئيس الجمهورية قيس سعيّد حول تعمّد المجلس عدم النظر في طلبات رفع الحصانة لنواب ملاحقين قضائيا، وهو طبعا أمر من السهل تكذيبه نظرا لأنّنا نعلم على الأقل أنه يوجد مطالب لرفع الحصانة على 3 نواب على الأقل في قضايا عدلية هم النائب زهير مخلوف في قضية تحرش بقاصر والنائب راشد الخياري في قضية أمام المحكمة العسكرية والنائب غازي القروي في قضية غسيل موال .. وما خفي كان أعظم، ان اصرار البرلمان ومن وراءه الحركة الاسلامة النهضة التي أصبحت تتحكم في المؤسسة التشريعية ما هو الا دليل على أن النهضة أبدت سوء نيتها وعدم استعدادها للاعتراف بالأخطاء والمرور للاصلاح. الكُرة الان في ملعب القصبة في انتظار طرقة تفاعل المشيشي مع تصريحات سعيد.
تعليقك
Commentaires