قيس سعيد وقاطرة الاستقالات التي عصفت بتونس
تعيش تونس على وقع وتيرة متسارعة وكبرى لموجة اقالات واستقالات لمسؤولين بارزين في مؤسسات حكومية ووزارات سيادية ومناصب قضائية وحتى أمنية، ويبدو أن قاطرة الاستقالات والاقالات لن تتوقف.
فمنذ تنصيب قيس سعيد رئيسا للجمهورية، انطلق ماراطون الاستقالات والاقالات ، بدءا بإقالة وزيري الدفاع عبد الكريم الزبيدي ووزير الخارجية زمن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وصولا لاستقالة رئيس الحكومة الياس الفخفاخ.
قبول قيس سعيد لاستقالة رئيس وزراءه الياس الفخفاخ الذي لم يعمر طويلا قابلته مشاورات حثيثة لاختيار شخصية جديدة تخلف سابقتها، ليتم بعد مشاورات طويلة الاتفاق على تعيين هشام المشيشي رئيسا للحكومة.
هشام المشيشي الشخصية التي ارتأى سعيد انها الأنسب لقيادة حكومته، لم تعمّر طويلا كسابقتها حيث ان اصطفافه الى جانب حركة النهضة المغضوب عليها من قبل الرئيس أثارغضب سعيد، لتندلع بذلك ازمة سياسية كبرى بين رأسي السلطة التنفيذية تم على إثرها اقالة سعيد للمشيشي رفقة كل من وزير الدفاع الوطني براهيم البرتاجي، ووزيرة العدل حسناء بن سليمان، وتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن أعضاء المجلس وتولى قيس سعيد ترأس السلطة التنفيذية في البلاد.
منذ وصول قيس سعيد إلى قصر قرطاج، وتوليه السلطة بشكل رسمي في 23 أكتوبر 2019، لم تشهد الدبلوماسية التونسية هي أيضا استقرارا لا من حيث المواقف ولا من حيث الشخصيات التي تولت المناصب الدبلوماسية.
حيث تم في مرحلة أولى اقالة وزير الخارجية خميس الجهيناوي وكاتب الدولة للديبلوماسية الاقتصادية وإقالة نور الدين الري من منصبه كوزير للشؤون الخارجية.
كما تمت إقالة القنصل العام التونسي في باريس طاهر العرباوي واستبداله برضا غرسلاوي وأنهيت أيضا مهام القنصل العام التونسي في ميلانو عادل بن عبد الله الذي حل محله خليل الجندوبي، وتم إجراء تدقيق مالي وآخر إداري معمقين في القنصليات التي تمت اقالة سفراءها.
هذا وقرر سفير تونس لدى الأمم المتحدة قيس قبطني تقديم استقالته من السلك الدبلوماسي بعد قرار السلطات التونسية إعفاءه من منصبه الذي لم يشغله سوى خمسة أشهر، وكانت تونس استدعت سفيرها لدى الأمم المتحدة المنصف البعتي وأعفته من مهامه بعد خمسة أشهر فقط من تسلّمه رئاسة البعثة الدبلوماسية في نيويورك، وكان السبب وراء إقالته اتّهام رئاسة الجمهورية له بأنه دعم في أحد الملفات الفلسطينيين على حساب علاقة بلده بالولايات المتحدة.
من جهتها نفت وزارة الخارجية التونسية ما ورد على لسان السفير السابق، حيث أكدت في بيان أنه لم يتم إعفاء مندوب تونس الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة قيس قبطني، وأن المسألة تتعلق بنقله إلى مركز دبلوماسي آخر.
يبدو أن سلسلة الإستقالات في قصر قرطاج، تتوالى بشكل لافت فبعد فترة من دخوله قصر قرطاج، شرع الرئيس قيس سعيد في إعادة هيكلة ديوانه، واستبعاد عدد من المستشارين المقربين الذين لازموه كظله في أيامه الأولى في القصر، بدءا من مستشاره الأمني محمد صالح الحامدي الذي قدم استقالته، ومستشاره السياسي السابق ورفيق دربه عبد الرؤوف بالطبيب ، ومدير مكتبه طارق بالطيب ، بالإضافة إلى إقالة مدير البروتوكول طارق الحناشي، إلى جانب قبول رئاسة الجمهورية استقالة مستشارة شؤون الإعلام والاتصال برئاسة الجمهورية هالة الحبيب، وتقديم المكلفتين بالإعلام ريم قاسم ورشيدة النيفر، استقالتهما، ومستشار الأمن القومي الجنرال محمد الحامدي، وآخرين.
هذا وأثارت استقالة مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة، زلزالاً في تونس، فالمرأة القوية الأولى في القصر والذراع اليمنى للرئيس، أعلنت استقالتها من مهامها بعد سنتين كاملتين لوجود "اختلافات جوهرية في وجهات النظر المتعلقة بالمصلحة الفضلى للوطن بينها وبين الرئيس قيس سعيد"، وفق قولها وهي التي كانت حارسة أسراره وصندوقه الأسود كما سماها البعض.
وسبق أن وُجهت لمديرة الديوان المستقيلة انتقادات لاذعة من زملائها بالفريق الرئاسي من مستشاري الرئيس السابقين، كما اتهمت بأنها وراء استقالة عدة شخصيات في القصر.
موجة الاقالات والاستقالات الثقيلة وضعت أداء قيس سعيد سياسيا ودبلوماسيا محل نقد واسع لعدم قدرته على الأخذ بزمام الأمور داخل ديوانه وفشله في اختيار مستشاريه مما أثر سلبا على أدائه السياسي والدبلوماسي.
من جهة أخرى أصدر الرئيس سعيد قرارات بإقالة الرئيس الأسبق للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب، على خلفية شبهة "تدليس" وفتح تحقيق معه ومن ثم تم تعيين رئيس جديد وهو عماد بو خريص أقيل هو أيضا بعد فترة دون توضيح أسباب الإقالة، وتم أيضا إصدار امر رئاسي يقضي بإقالة الكاتب العام للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أنور بلحسن من منصبه، وغلق واخلاء مقر الهيئة.
وأقال سعيد أيضا المكلفَ بمهام وكيل الدولة العام مدير القضاء العسكري العميد القاضي توفيق العيوني، ورئيسَ الهيئة العامة لشهداء وجرحى الثورة والعمليات الإرهابية عبد الرزاق الكيلاني.
كما أقال كلاً من المعز لدين الله المقدم، مدير ديوان رئيس الحكومة المُقال، والكاتب العام للحكومة وليد الذهبي. وأقال أيضاً كل مستشاري رئيس الحكومة المُقال الثمانية، وهم: رشاد بن رمضان، ولحسن بن عمر، وإلياس الغرياني، وأسامة الخريجي، وعبد السلام العباسي، وسليم التيساوي، وزكرياء بلخوجة، ومفدي مسدي.
وشملت الإقالات كذلك 9 مكلفين آخرين بمهام في ديوان الحكومة، وهم: فتحي ييار، ومحمد علي العروي، وحسام الدين بن محمود، وبسمة الداودي، وابتهال العطاوي، ومنجي الخضراوي، ونبيل بن حديد، وبسام الكشو، وروضة بن صالح.
كما شملت سلسلة الإقالات قطاع الإعلام، حيث قرر قيس سعيد مساء أمس الاثنين 14 فيفري 2022، إنهاء تكليف شكري الشنيتي من مهامه كمكلف بتسيير مؤسسة الإذاعة التونسية بصفة وقتية وإلغاء كل قرارات التسمية والتعيين التي تم اتخاذها من قبله.
وقبله، قام قيس سعيد بإصدار أمر رئاسي يوم 28 جويلية 2021، يقضي بإعفاء محمّد لسعد الداهش، من مهامه رئيسا مديرا عاما للتلفزة الوطنية وتكليف عواطف الدالي بتسيير مؤسسة التلفزة الوطنية مؤقتا.
سلسلة الإقالات التي بدأها الرئيس التونسي قيس سعيد لم ترافقها تفاصيل حول أسبابها، حيث اعتبرها خصومه انقلابا وخروجا عن الدستور بينما اعتبرها مؤيدوه تصحيحاً للمسار مرجعين استناد هذه القرارات لما منحه إياه دستور الجمهورية الثانية الذي يعطيه الأحقية في تسمية واقتراح من يراهم مناسبين لإدارة السياسة الخارجية والأمن القومي التونسي وذلك بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة.
ميرفت بن علي
تعليقك
Commentaires