موضة الاحزاب تعود من جديد
يبدو ان موضة الأحزاب و المبادرات السياسية عادة من جديد الى تونس ، و ذلك منذ اعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد عن إجراءات يوم 25 جويلية 2021 ، موضة تذكرنا بسنة 2011 و بالتحديد قبل أشهر من اجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر 2011 حين وقع انفجار في عدد الأحزاب السياسية التي كانت تعد على الأصابع قبل الثورة .
لم يتجاوز عدد الأحزاب السياسية قبل سنة 2011 ال 10 أحزاب ، هيمن عليها التجمع الدستور الديمقراطي منذ سنة 1988 تاريخ تأسيسه ، و لعبت بعض الأحزاب دور المعارضة على غرار الحزب الديمقراطي التقدمي الذي تأسس سنة 1988 او حركة التجديد التي تأسست سنة 1993 و التكتل من اجل العمل و الحريات منذ سنة 2002، فيما لعبت بعض الأحزاب الأخرى دور الواجهة او المعارضة الورقية للإيهام بوجود تعددية حزبية بالبلاد .
ثم جاءت الثورة و حملت معها ثورة حزبية حقيقية أفضت الى تأسيس أكثر من 200 حزب جديد، اذ وصل العدد الجملي للأحزاب في تونس الى 228 حزبا ، و سهل المرسوم عدد 87 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011 الخاص بتنظيم الأحزاب السياسية ، عملية انشاء الحزب و الذي يشترط في مؤسسي الحزب السياسي ومسيريه التمتع بالجنسية التونسية وبحقوقهم المدنية والسياسية كاملة. وأن لا تقل أعمارهم عن ستة عشر سنة. و هذا الى جانب ضرورة ضبط النظام الأساسي للحزب و طرق تسييره ثم مراسلة لرئاسة الحكومة بمكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ ، بالإضافة الى شورط أخرى شكلية .
و تعد التعددية الحزبية أحد شروط الديمقراطية و هي ضامن أساسي لحرية الرأي و التعبير ، لكن الواقع جعل من التعددية الحزبية فوضى عارمة فتعددت الأحزاب و تفاقمت الانقسامات و تحولت تعددية الأحزاب من نعمة الى نقمة . و أصبحت النشاط الحزبي وسيلة للوصول الى السلطة و لتحقيق مصالح شخصية بدل إيجاد الحلول لمشاكل المواطن . و لعل أبرز مثال على هذا المشهد هو البرلمان التونسي الذي فشل منذ المجلس الوطني التأسيسي في الاستجابة لتطلعات الشعب و طغت عليه الانشقاقات و السياحة الحزبية و ذلك في ظل غياب توجه سياسي واضح ، فالهدف لم يكن المواطن التونسي بل الوصول الى كرسي البرلمان .
و منذ سنة 2011 عرفت جميع الأحزاب السياسية انشقاقات و أزمات داخلها بداية من الأحزاب التي فازت في الانتخابات في أكتوبر 2011 و التي شكلت الترويكا الحاكمة وهي المؤتمر من اجل الجمهورية ، التكتل الديمقراطي وحركة النهضة ، ثم حزب نداء تونس الذي فاز في انتخابات سنة 2014 وصولا الى حزب قلب تونس و الى حركة النهضة التي تعيش أزمة استقالات منذ اعلان يوم 25 جويلية 2021 . فالمؤتمر من اجل الجمهورية الذي تأسس سنة 2001 انقسم بين حراك تونس الإرادة و التيار الديمقراطي ، و حزب نداء تونس الذي أسسه الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي سنة 2012 انشق بين تحيا تونس بقيادة يوسف الشاهد و حركة مشروع تونس التي يترأسها محسن مرزوق و حزب أمل الذي يقوده رضا بلحاج . اما حزب قلب تونس الذي أسسه نبيل القروي سنة 2019 فقد عاش انقساما داخل كتلته النيابية منذ شهر مارس 2020 و افضى ذلك الى ظهور الكتلة الوطنية.
و اليوم و بعد أشهر من اعلان رئيي الجمهورية قيس سعيد عن الإجراءات الاستثنائية يوم 25 جويلية ، بدأ مشهد سياسي و حزبي جديد في التشكل بين الاحزاب المساندة لقراراته و المعارضة له ، و بين الاحزاب التي رحبت بقراراته في مرحلة أولى ثم عارضت إعلانه عن الأمر الرئاسي الذي أعلنه يوم 22 سبتمبر 2021 .
و في موجة التغيرات السياسية أعلن مبروك كرشيد يوم 11 سبتمبر عن تأسيس حزب الراية الوطنية و هو حزب الروافد الوطنية كما يصفه ، يسعى إلى القطع مع المنظومة السابقة التي حكمت طيلة العشرة سنوات الأخيرة و يأسس إلى حوار مجتمعي جديد يقوم على المصالحة .
من جانبه أعلن القيادي السابق في حزب قلب تونس عياض اللومي اليوم الاثنين 13 ديسمبر عن خطة إنقاذ وطني سيتم الإعلان عنها رسميا يوم غد الثلاثاء، و هي مبادرة تجمع حولي 20 شخصية سياسية من بينهم مصطفى بن أحمد، طارق الفتيتي ، احمد نجيب الشابي و نسرين لعماري ، اغلبهم نواب بالبرلمان المجمد .
و اعلن المستشار السياسي السابق لرئيس الجمهورية قيس سعيد عبد الرؤوف بوطيب عن تأسيس حركة مواطنون ضد الانقلاب رفقة عدد من النشطاء السياسيين على غرار المحامي جوهر بن مبارك .
و في الوقت الذي عبر في حزب مبروك كرشيد الجديد معارضته لعودة البرلمان و هو نقطة يلتقي حولها اللومي و رفاقه تطالب حركة مواطنون ضد الانقلاب بعودة البرلمان و إلغاء الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس .
قد تبدو كثرة الاحزاب ظاهرة صحية و نواة العمل الديمقراطي في تونس لكنها تحولت إلى صراع حول السلطة بدل ان تكون حول الشعب ، و الملفت في بعض الاحزاب السياسية هو غياب خط سياسي او ايديولجيا واضحة، فبخلاف حركة النهضة ذات المرجع الإسلامي و الجبهة الشعبية ذات التوجه اليساري و التيار الديمقراطي الذي يصف نفسه كحزب اجتماعي من الصعب التمييز بين التوجهات السياسية للاحزاب الناشطة حاليا في الساحة السياسية .
تعليقك
Commentaires