مناخ إنتخابي متوتّر زاد في قلق محمد الناصر وحيرة الناخبين
أيام قليلة تفصلنا عن إجراء الإنتخابات الرئاسيّة السابقة لأوانها في دورها الثاني، والتي من القرّر أن يتمّ إجراؤها يوم الأحد 13 أكتوبر 2019، وسيتنافس في هذا الدّور كلّ من المرشّح المستقلّ قيس سعيد ورئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، كما أنّ الإنتخابات التشريعيّة ستتم نهاية هذا الأسبوع، يوم الأحد 6 أكتوبر 2019.
يتصف المناخ الإنتخابي بالمتوتّر في ظلّ الوقائع الأخيرة التي تعيش عليها البلاد، شهدت تونس دور أوّل للرئاسيّة يوم 15 سبتمبر 2019، ومثّلت نتيجة هذا الدّور صدمة لمعظم الأحزاب والمواطنين، فوز قيس سعيد ومروره للدّور الثاني أدخل الخوف والتوتّر في صفوف الكثير من السياسيين، وأصبح كلّ واحد فيهم يبدي عن مساندته لهذا الأخير، كحركة النهضة مثلا التي دعت كلّ قواعدها وأنصارها إلى ضرورة التصويت لقيس سعيد واعترفت أنّ حزب قلب تونس هو المنافس الوحيد لها في الحكم، كما شكّل العنصر الغير مفاجئ الآخر محلّ انتقادات كلّ الأطياف السياسية، وأوّلهم كذلك النهضة وتحيا تونس، نبيل القروي الفائز في الدّور الأوّل والذي مرّ للدّور الثاني وهو قابع بين قضبان سجن المرناقية.
رفض دائرة الإتّهام بمحكمة الاستئناف لمطلب الإفراج عن نبيل القروي الذّي يقبع في سجن المرناقية منذ 23 أوت المنقضي ، يوم الثلاثاء 1 أكتوبر 2019، زاد من حدّة التوتّر في المناخ الإنتخابي، هيئة الإنتخابات أبدت قلقها بشأن هذا الأمر، وزارت نبيل القروي في سجنه يوم الخميس 3 أكتوبر 2019، وحسب الهيئة فإنّ زيارة القروي تتنزّل ضمن لقاء الهيئة مع المترشّحين بصفة نهائية للدّور الثاني، وبيّنت أنّها قامت بمساعي لدى القضاء للسماح للقروي بالتواصل مع الناخبين، وقد تمكّنت قضائيا من ضمان إمكانية نفاذ وسائل الإعلام للسّجن من أجل حوارات صحفية مع القروي. وأشارت في ندوتها الصحفية هذا الأسبوع أنّها وافقت على مطلب ترشّح القروي للرئاسيّة وأنّها أيضا أعلنت فوزه في الدّور الأوّل، كما أكّدت كذلك أنّها ستعلن فوزه في الدّور الثاني من الرئاسيّة إذا ربح في التصويت، وأنّها ستحيل باقي الإجراءات على مجلس نواب الشعب.
يتمتّع قيس سعيّد بحقّه في القيام بحملته الإنتخابيّة بكلّ أريحيّة، وقد مرّ في العديد من وسائل الإعلام المحليّة والأجنبيّة وقابل العديد من المنظّمات الوطنيّة، وفي ظلّ إبداء العديد من الأطياف السياسية موقفها في مساندة هذا الأخير إلاّ أنّه أبى أن يستكمل سباقه الإنتخابي وحيدا وبكلّ ثقة، وأكّد أنّه لم يتحالف مع أيّ حزب كان، في حين أنّ مرشّح قلب تونس الذّي أثار سجنه وفوزه في الدّور الأوّل من الرئاسيّة، ردود أفعال وانتقادات كثيرة داخل تونس وخارجها، لم يُسمح له بإلقاء كلمة في الدّور الأوّل للناخبين ولم يتم الإفراج عنه، وهذا ما اعتبره الكثير بالأمر الغير العادل الذّي يغيب فيه مبدأ تكافؤ الفرص في هذا الإستحقاق الإنتخابي، كما أنّ بعثة الإتّحاد الأوروبي التي تُعنى بمراقبة الإنتخابات اعتبرت أنّه من المهم أن يتمتّع هذا السجين بحقه بالقيام بحملته الإنتخابية للرئاسيّة، ودعت هذه البعثة إلى ضرورة إجراء حملة إنتخابيّة شفافة وخالية من التوتّر ومن المعلومات المغلوطة.
نتائج الدّور الأوّل أبرزت مدى نقص ثقة المواطنين في الأحزاب، وهذا واضح بنسبة الإقبال الضعيفة على صناديق الإقتراع، الحملات الإنتخابية لكلّ الأحزاب والفائزين في الدّور الأوّل لا يمكن لها أن تغيّر الكثير مقارنة بنتائج الدّور الأوّل، فالمواطن التونسي أصبح عالما بحقيقة المشهد السياسي المتضارب والمتلاشي، وفي المقابل سيكون التونسيون يوم الأحد المقبل في مواجهة إستحقاق إنتخابي مصيري، تشريعيّة 2019، التي منها ينبثق مجلس نوّاب الشعب ومنه تتشكّل الحكومة التي ستشرف على إنقاذ هذه الدّولة، انتهت اليوم الجمعة الحملة الإنتخابية للتّشريعيّة وسيكون يوم الغد السبت يوم الصمت الإنتخابي، ليكون يوم الأحد يوم مصيري للشعب وللبلاد.
هذا المشهد الضبابي المُربك، للمناخ الإنتخابي المتوتّر لم يأثّر فقط على الناخب التّونسي، بل أثار قلق رئيس الجمهورية محمد الناصر، الذّي حلّ محلّ الراحل الباجي قائد السبسي وفق بنود الدستور التونسي والذّي لا يفترض أن تتجاوز مدّة نيابته للراحل 90 يوما، في ظلّ مواصلة سجن نبيل القروي وغياب تكافؤ الفرص بينه وبين نظيره قيس سعيّد في رئاسيّة الدّور الثاني، هذا الغموض والتعقيد لمآل الدّور الثاني، دفع بمحمد الناصر إلى التحرّك وإجراء لقاء يوم الأربعاء 2 أكتوبر 2019، مع رؤساء المنظّمات الثلاث، تباعًا، كل من سمير ماجول رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ونور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل وعبد المجيد الزار رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري.
خلال لقاء الناصر برؤساء هذه المنظّمات، تباحث معهم مجريات الوضع الإقتصادي والإجتماعي في البلاد، والوضع السياسي وتداعياته، خاصّة مسألة الإنتخابات الرئاسيّة، وعبّر عن قلقه لهم خاصّة في ظلّ عدم الإفراج عن القروي، ودعاهم إلى دعوة منظوريهم والشعب التونسي إلى ضرورة المشاركة في الإنتخابات والتصويت بكثافة، بعد هذا اللّقاء توجّه محمد الناصر بحوار متلفز إلى الشعب التونسي بمناسبة الإنتخابات التشريعيّة، وأشار إلى أنّ هذه المحطّة الإنتخابيّة التي تمرّ بها بلادنا هي محلّ الأنظار على مستوى دولي وعربي، وهي انتخابات مصيرية ستحدد قيادة تونس في السنوات المقبلة.
ولم يفت رئيس الدّولة أن يعبّر عن قلقه مجدّدا من تأثير وضعيّة المرشح للرئاسية نبيل القروي على مجريات الإنتخابات، وضع وصفه بالغريب وله تداعيات خطيرة على مصداقية الانتخابات والمسار الديمقراطي باعتبار وجوده في السجن مع غياب مبدأ تكافؤ الفرص بينه وبين قيس سعيد. كما بيّن أنّه يخوض بصفته الحامي للدستور، اتصالات مع وزير العدل ورئيس هيئة الانتخابات ورئيس المجلس الأعلى للقضاء من أجل حلحلة المأزق الحالي، وتمكين القروي من آلية لضمان المساواة بينه وبين قيس سعيّد، ودعا في حواره الطبقة السياسية والصحافة والمنظمات بتجاوز الخطابات المتشنجة وضمان منافسة نزيهة دون إقصاء.
هذه المساعي من المنظّمات الوطنيّة ومن رئيس الجمهوريّة ومن هيئة الإنتخابات من أجل ضمان تكافؤ الفرص بين القروي وسعيّد، من دورها أن تزيد من ثقة حزب قلب تونس في إمكانية الفوز، ولكنّ نيران القروي لم تنطفئ بعد، نتيجة تسرّب وثائق منذ يومين على موقع التواصل الإجتماعي 'الفايسبوك''، تبرز وجود شبهات جرائم إنتخابيّة ذات علاقة بتمويل أجنبي في حملات عدّة أحزاب.
بعد أن نشر موقع وزارة العدل الأمريكيّة يوم 30 سبتمبر 2019، تفاصيل إمضاء نبيل القروي على عقد بقيمة مليون دولار مع إحدى شركات ''اللوبينغ''، المختصّة في الضغط والتعبئة، أثار ذلك موجة جدل وغضب كبيرة إزاء هذا السجين المرشّح للرئاسيّة، تنصّ بنود هذا العقد على مساعدة نبيل القروي للوصول للرئاسة في تونس، ولتحقيق هذا الهدف تقدّم له الشركة جملة من الخدمات، من ضمنها تنظيم لقاءات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومع كبار المسؤولين في السلطة التشريعيّة والإدارة، أيضا تنظيم لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإدارة العلاقة العامّة مع وسائل الإعلام لتحقيق هدفه السياسي، على أن تكون هذه اللّقاءات قبل الدّور الأوّل من الإنتخابات الرئاسيّة.
الكثير من الفرضيات مطروحة، والفرضيّة الأكثر إزعاجا هي إمكانيّة إعادة إجراء الإنتخابات الرئاسيّة برمّتها، وهذه الفرضيّة قابلة للتحقّق في حالة قام نبيل القروي المرشّح للدّور الثاني من الرئاسيّة بالطّعن في نتائج الإنتخابات الرئاسيّة إذا خسرها، نظرا لعدم تكافؤ الفرص والحظوظ بينه وبين منافسه قيس سعيّد في إطار الحملة الإنتخابيّة، ووفق رئيس هيئة الإنتخابات نبيل بفون فإنّ سيناريو إعادة تنظيم الانتخابات الرئاسية وارد في حال رفض الجهاز القضائي إطلاق سراح نبيل القروي لأداء اليمين الدستورية إذا فاز في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية. إمكانية إعادة إجراء الانتخابات الرئاسية وإلغاء نتائجها سيطرح إشكالا آخر يتمثّل أساسا في خرق الآجال الدستورية التي تمّ تحديدها لإنتخاب رئيس الجمهورية في صورة الوفاة والمتمثّلة في 90 يوما.
هذه الفرضيّة زادت من وتيرة قلق رئيس الجمهوريّة محمد الناصر ونسبة الحيرة عند المواطن التونسي، فأيّ مصير ستشهده بلادنا في ظلّ هذا المشهد الإنتخابي المعقّد، هذا المشهد وليد تسع سنوات بعد الثورة، مشهد لا نعرف إلى أين ستسوق نتائجه مصير البلاد وشعبها.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires