alexametrics
الأولى

نواب البرلمان .. "كسكسلو يرجع لأصلو"

مدّة القراءة : 3 دقيقة
نواب البرلمان ..

 

لا أحد ينكر أن التونسيين مصدومون اليوم من نواب كان يُفترض أنهم يمثلونهم تحت قبة البرلمان .. الأحداث المتواترة في مجلس نواب الشعب والمنقولة على الهواء مباشرة على شاشة التلفزيون تعكس لنا زخما كبيرا من القذف والشتائم والسّباب بين أعضاء المجلس كان آخر ما شهدته إحدى الجلسات العامة أوساط الأسبوع الجاري .. وهنا يصبح السؤال مشروعا .. هل تم انتخاب هؤلاء النواب للمصادقة على مشاريع القوانين والاضطلاع بدورهم التشريعي؟ أو لتشريع العنف باسم الديمقراطية وحرية التعبير؟

 

الأمثلة على هذا الوضع المتردي للنقاش والحوار تحت قبة البرلمان عديدة ومتعددة قد لا يتسع هذا المقال لحصرها .. فهذا نائب يدعو زملاءه في المجلس إلى الكف عن النّباح معتبرا أن الكلاب يعرفون أنفسهم وأن الشعب يعرف جيدا مصدر النباح وأن بن علي كان على حق حين قمع البعض منهم .. هذا ما جاء على لسان النائب فيصل التبيني الذي قال في جلسة الأربعاء الماضي "أنا ابن مناضل قاوم الإستعمار الفرنسي وحرّر البلاد في حين ساهمتم أنتهم في تفقيرها .. أنتم لستم سوى مرتزقة وتجّار دين"، في إشارة إلى نواب حركة النهضة الذين ثارت ثائرتهم بسب هذه العبارات والاتهامات الإستفزازية.

 

وكان التبيني مُنع سابقا بسبب ألفاظه الجارحة من أخذ الكلمة خلال ثلاث جلسات عامة متتالية بعد أن وصف رئيس مجلس نواب الشعب ب"الكارثة على البرلمان".

 

تلك الحادثة لم تكن الوحيدة في جلسة الأربعاء التي شهدت منسوبا كبيرا من الإحتقان والتوتر بسبب مشادات كلامية بين نواب كلتة الجبهة الشعبية وكتلة الإئتلاف الوطني كادت تصل إلى حد التشابك بالأيدي .. رئيس المجلس، محمد الناصر كان بدوره مستهدفا مما حدا به إلى الإنسحاب والخروج من القاعدة قبل أن يتقرر تعليق الجلسة العامة.

 

أما نائبه الأول، عبد الفتاح مورو فقد أعرب عن امتعاضه من حصول ذلك وأمله لو أن المسألة فُضّت بطريقة سلمية، معتبرا أن "من الأسباب الكامنة وراء حالة الإحتقان والتشنج صلب البرلمان هو حالة التوتر الكبير في مجلس النواب على غرار ما تشهده البلاد وانعدام الثقة بين النواب مما جعلهم يؤوّلون كل لفظ ينطق به الآخرون".   

الوضع الذي وصلت إليه الأجواء تحت قبة البرلمان ليست وليدة اليوم فقد شهدت قاعة الجلسات مشادات عديدة بين أعضاء المجلس على غرار تلك التي حصلت خلال الجلسة العامة المخصصة للنظر في التمديد في مدة عمل هيئة الحقيقة والكرامة.

 

سامية عبو، النائبة عن التيار الديمقراطي كان لها نصيب وافر مما شهدته هذه الجلسة، من تبادل للسب وإتهامات بالفساد، كان طرفا فيها النائب عن كتلة نداء تونس، سفيان طوبال وكذلك النائب عن حراك تونس الإرادة عماد الدايمي .. إلا أن ما تلفّظ به النائب مبروك الحريزي (حراك تونس الإرادة) خلّف الأثر الأكبر (بالسلب طبعا) في نفوس كل من حضر الجلسة أو تابعها على شاشة التلفزة.

 

الحريزي كان تهجّم على رئيس المجلس واتهمه بأنه انقلابي معتبرا أنه ليس أهلا لأن يكون رئيسا للبرلمان وأنه يفترض أن يحاكم بتهمة الخيانة العظمى وأن الجلسة تعد خرقا للشرعية قبل أن يضيف قوله "جئت اليوم إلى المجلس بصفتي "انتحاري" (كاميكاز) ولتفجير نفسي.

 

الجلسة العامة المخصصة للنظر في مشروع القانون المتعلق بالمصالحة الإدارية شهدت بدورها مشاحنات وتجاوزات خطيرة .. فقد رفض رئيس المجلس يومها إعطاء الكلمة لسامية عبّو التي هاجت وماجت قبل أن تحاول النائب عن نداء تونس، هالة عمران تهدئتها إلى أن السيدة عبّو ردت عليها بكل عنف قائلة لها: "أغلقي فمك .. أنت وحزبك لستم سوى عصابة" 

 

مثل هذه المشاهد تكررت خلا مناقشة مشروع القانون المتعلق بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني .. كان أبطالها في تلك الجلسة النواب أيمن العلوي عن التيار الشعبي وسفيان طوبال ومحمد بن صوف عن نداء تونس.

 

تعديل مشروع قانون المصالحة الإقتصادية والمالية كان بدوره محل جدل وجدال خلال الجلسة المخصصة للغرض والتي شهدت مشادة بين سامية عبو ورئيس كتلة النهضة نور الدين البحيري.

 

سنة قبل هذه الحادثة كانت اندلعت مشادة كلامية بين النائب طارق الفتيتي (الإتحاد الوطني الحر) ونور الدين بن عاشور  (نائب مستقيل من هذا الحزب والتحق بنداء تونس) وقد انتهت المشادة الكلامية بتبادل اللكمات.

 

كلها وقائع مؤسفة ومشاهد مخجلة ما انفكت تتواتر وتزداد حدتها رغم المبادرة التي تم تقديمها في 2017 من قبل النائب عن الولاء للوطن رياض جعيدان والتي تتضمن مقترحا يتمثل في إضافة باب في مدوّنة الأخلاقيات وقواعد السلوك البرلمانية بالنظام الداخلي لمجلس نواب الشع، بهدف تهدئة الأجواء تحت قبة البرلمان وإرساء علاقات سليمة بين النواب.  

 

لكن ما يحدث اليوم يعكس لنا واقعا بعيدا كل البعد عن هذه الأهداف والمبادئ .. فلم نعد نتابع نقاشات ومداخلات بناءة تخدم الصالح العام وتتعالى على المصلحة الحزبية .. كان يفترض بنواب الشعب وهم في ديمقراطية فتية أن يستثمروا هامش الحرة التي أتيح لهم بعد الثورة في هذا الفضاء العام لكنهم للأسف الشديد لم يدركوا جيدا المعنى الحقيقي لهذه القيم منتهكين بذلك حرمة المؤسسة البرلمانية التي حان الوقت لتستعيد دورها الرئيسي ووظيفتها الأساسية ألا وهي التشريع، عوضا عن تبادل الشتائم والسباب.   

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter