لهذا لا يمكن للهايكا أن تغلق الزيتونة كما أغلقت نسمة
مدّة القراءة : 5 دقيقة
بعد تنفيذ قرار حجز معدّات البث الذي أصدرته الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا) باستعمال القوّة العامة ضدّ قناة نسمة، طالب العديد من المتابعين بتنفيذ نفس الإجراءات ضدّ قناة الزيتونة. فهل يمكن للهايكا القيام بنفس إجراءات حجز معدات البث؟ وكيف يمكننا قراءة ما جرى في نسمة قراءة دلالية؟
قناة نسمة:
تمّ احداث الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري بمقتضى المرسوم عدد 116 لسنة 2011، ولكن لم يتمّ احداثها فعليا الاّ في 3 ماي 2013.
لقد نصّ المرسوم عدد 116 لسنة 2011 ، (قبل الاحداث الفعلي للهايكا)، على أنه «يتعين على منشآت الاتصال السمعي والبصري المرخص لها سابقا تسوية وضعيتها وفقا لأحكام هذا المرسوم في أجل أقصاه سنة من تاريخ صدوره.»
القنوات الخاضعة للاجازة والتي كانت تبث قبل الرابع عشر من جانفي هي قناتي حنبعل ونسمة تي في.
لقد أكد المرسوم على وجوب تسوية الوضعية القانونية للقنوات التلفزية المرخّص لها سابقا في ظرف سنة من تاريخ صدوره، أي أنه يتعيّن عليها تسوية وضعيتها قبل تاريخ 2 نوفمبر 2012.
بعد الاحداث الفعلي للهايكا، نشأ خلاف بينها وبين قناة نسمة حول ضرورة تغيير الصبغة القانونية للشركة المالكة للقناة “نسمة برودكاست” من شركة ذات مسؤولية محدودة الى شركة خفية الاسم وفق ما تقتضيه كراسات الشروط.
الجلسات بين الطرفين تواصلت دون الوصول الى نتيجة، الى أن قرّر مجلس الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري بإيقاف التسوية مع قناة نسمة وهو ما يجعلها في وضعية نشاط دون إجازة وبالتالي.
إنّ النشاط دون إجازة (ترخيص) يستوجب حسب الفصل 31 من المرسوم عدد 116 لسنة 2011 خطية مالية تتراوح بين 20 ألف دينار و 50 ألف دينار، كما يسمح هذا الفصل للهايكا أن « تأذن بحجز التجهيزات التي تستعمل للقيام بتلك النشاطات».
وهو ماتمّ فعليا، اذ أصدر مجلس الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري «بتاريخ 15 أفريل 2019 قرارا يقضي بحجز التجهيزات الضرورية للبث التابعة للقناة التلفزية الخاصة “نسمة” وذلك لممارستها نشاطات بث دون اجازة من الهيئة على معنى أحكام الفصل 31 من المرسوم عدد 116 لسنة 2011 المؤرخ في 02 نوفمبر 2011 والمتعلّق بحرية الاتّصال السمعيّ والبصريّ وبإحداث هيئة عليا مستقلّة للاتّصال السمعيّ والبصريّ.»
وتمّ استصدار قرار بالتنفيذ باستعمال القوّة العامة، بعد صدور الاذن القضائي، وتمّ تنفيذه بتاريخ 25 أفريل 2019.
قناة الزيتونة:
بدأت بالنشاط الفعلي سنة 2012، وهي ملك للشريكين أسامة بن سالم وسامي الصيد
وتعتبر من القنوات القريبة من حركة النهضة.
تقدّمت القناة بطلب للحصول على الاجازة من الهايكا سنة 2013ن الاّ أن مطلبها جوبه بالرفض باعتبار أنّ أحد مالكيها وهو أسامة بن سالم كان عضوا بمجلس شورى النهضة ووالده قيادي بها ووزير للتعليم العالي في تلك الفترة.
تمّ احداث شركة انتاج أطلق عليها اسم ''شبكة الزيتونة للإعلام والاتصال'' تقوم بإنتاج المواد والبرامج للقناة وهي شركة ملك لبن سالم والصيد.
بعد الاشكال القانوني للانتماء السياسي لأسامة بن سالم تمّ تغيير الأسهم لتصبح القناة ملكا لسامي الصيد وزوجته رولا الصيد.
تمّ تقديم مطلب جديد للحصول على الاجازة، الاّ أنه جوبه بالرفض لوجود اشكال متعلّق بالقوائم المالية إضافة الى أنّه تمّ تقديم المطلب باسم سامي الصيد باعتباره شخصية مادية وقال إنّه عند حصوله على الاجازة سيتم تغيير الطبيعة القانونية للشركة الى شركة خفية الاسم.
الهايكا طلبت من كلّ القنوات الراغبة في تسوية وضعيتها القانونية أن تنقطع عن البث دون إجازة تلقائيا، ثمّ تعيده من جديد بعد الترخيص لها.
بعض القنوات قبلت الشرط وقامت بتنفيذه، الاّ أنّ قناة الزيتونة رفضت ذلك وواصلت البث دون إجازة.
لذلك أصدرت الهايكا قرارا بتنفيذ ما ورد بالفصل 31 من المرسوم عدد 116 لسنة 2011، وفي 15 جويلية 2015 توجّه أعوان المراقبة التابعين للهيئة وقاموا تنفيذ قرار الحجز بالقوّة العامة وتمّ حجز معدّات البث وتشميع الأستوديو بمنطقة الشرقية بالعاصمة.
قناة الزيتونة رفضت تنفيذ قرارات الهايكا وتطبيق القانون وتمّ إزالة الختم والتشميع واعادت البث من جديد، رغم أنّ ذلك موجب لمساءلة الجزائية.
لم يقف القائمون على قناة الزيتونة عند ذلك بل تمكنوا من ايجار فضاء للبث انطلاقا من العاصمة الأردنية عمان، وأصبحت تونس مكان للإنتاج، لذلك يعتمد القائمون على قناة الزيتونة على شركة الإنتاج '' شبكة الزيتونة للإعلام والاتصال'' التي تقوم بإنتاج البرامج والمضامين ثمّ تبثها عبر القناة انطلاقا من الأردن، ولا تستعمل الشركة أدوات للبث بل تستعمل برمجيات متطوّرة عبر الأنترنات.
السؤال هنا، هل يمكن للهايكا أن تعتبر أنّ قناة الزيتونة تبثّ دون إجازة؟
الأكيد أنه لا يمكنها أن تضعها في خانة من يبث دون إجازة وبالتالي ليست له القدرة على ايقافها عن البث، ولكن يمكنها اتخاذ قرار بخصوص الأدوات التي تستعملها للإنتاج انطلاقا من تونس.
الاشكال في هذا المجال أنّه لا يمكن اثبات العلاقة الهيكلية بين القناة وشركة الإنتاج، التي ليست للهايكا ولاية عليها، فهي تنتج برامج ومضامين ويمكن أن تتظاهر بعرضها للبيع لأي قناة بما في ذلك الزيتونة وهو ماتمّ فعلا اذ تمّ بيع برامج لفائدة قنوات ليبية وأخرى مشرقية.
اذن لا يمكن للهايكا اتخاذ قرارات ضدّ شركة انتاج، وهذه معضلة قانونية.
شركة انتاج تنتج البرامج ويتم ارسال المادة بالأنترنات والبث من الخارج- الزيتونة تبث من الأردن. فهي لم تعد تستعمل نظام البث عبر تقنية المحطّة المتنقلة SNG (satellite news gathering) أو نظام البث عبر المحطّة الثابتة FS (Fixed Station) الخاضع للتراخيص الرسمية.
اذن من الناحية الشكلية يمكن لقناة الزيتونة قانونا الإفلات من سلطة الهايكا من جهة البث، وهو نفس ما يمكن أن تقوم به قناة نسمة وغيرها من القنوات التي قد تضطرّ نظريا الى البث من الخارج والتعامل مع شركات الإنتاج وهو ما تقوم به جلّ القنوات الأجنبية.
هنا يُطرح السؤال، هل هذا الحل يمكن أن يعزّز المنظومة التعديلية في تونس؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب طرح سؤال تكميلي، هل نجحت تجربة التعديل في تونس؟
التجربة التعديلية
عندما نتساءل عن تجربة التعديل فإننا نتساءل عن آداء الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي البصري خلال فترة ولايتها؟ ولا يشمل السؤال المنظومة في حدّ ذاتها باعتبارها آلية أساسية للديمقراطية، اذ لا يمكن الحديث عن دولة ديمقراطية دون هيكل لتعديل مشهد الاتصال السمعي البصري.
إنّ غاية المنظومة التعديلية هي بلوغ مرحلة اعلام الجودة والتنوّع وهو أحد ركائز أي تجربة ديمقراطية.
هل يمكننا بهذا المعنى أن نقول إنّ المشهد السمعي البصري في تونس أصبح اعلاما ذا جودة؟
هناك اجماع من هياكل المهنة استنادا الى تقاريرها وخاصة النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أنّ المشهد الإعلامي في تونس أصبح خاضعا لما يسمّى بالمال الفاسد والمال السياسي وبالانحياز الحزبي والسياسي وبسيطرة مجموعات ولوبيات ضغط وتوظيف وسائل الاعلام في المعارك بين تلك اللوبيات وغياب تام للشفافية المالية واحتكار أصحاب النفوذ لوسائل اعلام واستخدامها في تصفية الحسابات...
هل يمكننا أن نتحدّث عن مشهد ديمقراطي وتعدّدي في ظلّ تلك الصور السريالية لاقتحام أعوان الأمن لمقرّ مؤسسة إعلامية أمام صدمة الصحفيين والعاملين فيها؟
هل يمكن اغلاق قناة تلفزية واحالة المئات من العاملين فيها على البطالة بمجرّد قرار كان يمكن أن يكون أقلّ حدّة خاصة وأنّ القانون يسمح بذلك؟
ألم يكن من الأفضل إقرار خطايا مالية مرتفعة ضدّ القائمين على القناة وتجنّب سياسة الاعدامات الجماعية؟
اذن، و بهذا المعن،ى هل يمكننا الحديث عن نجاح التجربة التعديلية في ظلّ ما يشهده المشهد الإعلامي من فساد وتجاوزات وأخطاء؟
وعليه فإنّه يمكننا القول إنه أصبح من الجلي أنّ القوانين المنظمة للتعبير والاتصال والصحافة لم تعد قادرة على استيعاب الإشكاليات والأسئلة التي تطرحها الممارسة، لذلك فإنّ اعتماد قوانين أساسية جديدة أصبح حتمية تفرضها المرحلة خاصة قبل الانتخابات.
كما أنه أصبح من الضروري احداث هيئة للتعديل وفق الفصل 127 من الدستور وهي هيئة الاتصال السمعي البصري والخروج من مرحلة المؤقّت.
إنّ قصور المراسيم عن استيعاب كم الإشكاليات المطروحة اليوم في المشهد الإعلامي التونسي، مع فشل تجربة التعديل في تونس في ظلّ غياب منظومة للتعديل الذاتي قادرة على القيام بمهامها البيداغوجية والأخلاقية والمهنية، سوف يجعل من المشهد الإعلامي ساحة لتصفية الحسابات وللتوظيف والضغط والاستعمال وتوجيه الرأي العام وللدعاية والدعاية المضادة، وبالتالي مشهد مأزوم، لا شكّ أنّ العديد من الأطراف لها مصلحة في استمراره بتلك الأزمة لإعطاء مبرّر للبقاء فوق الرميم.
منجي الخضراوي
تعليقك
Commentaires