قوارب الموت طوق نجاة التونسيين
لا يزال موضوع الهجرة غير النظامية يؤرق السلط خاصة بعد ارتفاع عدد المهاجرين التونسيين بالرغم من الازمة الصحية وانتشار فيروس كورونا. فلم يمنع الحجر الصحي وحظر التجول قوارب المهاجرين من الإبحار عبر المتوسط املين في تغيير مصيرهم وقد تتعدد أسباب الهجرة سواء كانت اقتصادية، اجتماعية او سياسية لكن الهدف واحد وهو البحث عن عيش أفضل. يمكن الجزم في هذا الإطار ان عوامل الطرد والدفع هي التي تحدد مسارة الهجرة الغير نظامية فعوامل الطرد هي تلك التي تخص في البلدان المرسلة للمهاجرين على غرار الفقر والبطالة اما عوامل الجذب فهي تلك الشروط التي تتوفر في الدول المستقطبة للمهاجرين كالتطور الاقتصادي وحماية حقوق وحريات الافراد.
الفقر والبطالة تدفعان التونسيين الى الهجرة
في تونس تعد الأسباب الاقتصادية أبرز عوامل هجرة الشباب الى أوروبا فرغم اندلاع الثورة التونسية في جانفي 2011 والشعارات التي رفعت حينها والمطالبة بالتشغيل والتنمية الا ان نسبة البطالة واصلت ارتفاعها حيث بلغت نسبة 15.1 بالمائة خلال الأشهر الأولى من سنة 2020 واظهرت اخر ارقام المعهد الوطني للإحصاء ان عدد العاطلين عن العمل بلغ 634.8 ألف من مجموع السكان النشيطين مقابل 623.9 ألف خلال الثلاثي الرابع من سنة 2019. وترتفع ظاهرة البطالة في ظل تراجع النمو الاقتصادي خاصة بعد جائحة كورونا فحسب تقرير أعدته وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي في جوان 2020 فانه من المنتظر ان يتراجع النمو الاقتصادي في تونس بنسبة 4.4 بالمائة كذلك أظهرت الدراسة التراجع سيشمل أيضا الاستثمار الجملي بنسبة 4،9 والصادرات بنسبة 8 بالمائة والواردات بنسبة 9،6 بالمائة. ورجح البنك الدولي ان ينكمش الاقتصاد التونسي أكثر بسبب الازمة الصحية وخاصة بعد فرض إجراءات الحجر الصحي وأشار في تقرير نشره حول الافاق الاقتصادية لتونس الى ان ‘‘تفاقم الجائحة عالميا سيؤدي إلى مزيد من التدهور في التوقعات الاقتصادية العالمية، واستمرار تعطل التجارة وسلاسل القيمة العالمية، بالإضافة إلى فرض قيود لفترة أطول من المتوقع عالميًا ومن جانب تونس على السفر والنشاط الاقتصادي جنبًا إلى جنب مع سلوك التباعد الاجتماعي الذي سيخفض الاستهلاك المحلي. سيؤثر ذلك سلبًا على النشاط الاقتصادي في تونس، ولا سيما السياحة والصادرات، مما يؤدي إلى زيادة التباطؤ في النمو وخلق فرص العمل ‘‘.
وتؤدي البطالة الى الفقر والذي يعد دافعا رئيسيا للهجرة غير النظامية فمن لا يمتلك دخلا قارا غير قادر على تامين ثمن تذكرة الطائرة فليلجا الى طرق ملتوية عن طريق الهجرة غير النظامية وتصبح مراكب الموت طوق النجاة من الغرق في مأساة الفقر.
ولعل تنامي ظاهرة الفقر في تونس قد يفسر ارتفاع اعداد المهاجرين غير النظاميين في اتجاه السواحل الإيطالية فوفقا للمعهد الوطني للإحصاء يقدر عدد التونسيين القابعين تحت عتبة الفقر بمليون وسبع مائة ألف تونسي ويبلغ عدد العاملين في تونس 3 ملايين من جملة أحد عشر مليون تونسي هذا وتوجد حوالي 680 ألف أسرة فقيرة في تونس حسب وزارة الشؤون الاجتماعية.
هذا ومن المنتظر ان تتضاعف نسبة الفقر بعد خسارة عدد من التونسيين لوظائفهم بسبب جائحة كورونا والازمة الاقتصادية التي خلفتها اذ تحدث سليم العزابي وزير الاستثمار والتعاون الدولي خلال ندوة صحفية خصصت لتقديم دراسة حول الاقتصاد الوطني في جوان 2020عن إمكانية ارتفاع معدل الفقر المالي الى 19.2 بالمائة وهو ما سيؤدي الى انخفاض دخل حوالي 475.000تونسي خلال الأشهر المقبلة.
التفاوت الجهوي في تونس الحلقة الضعيفة
والجدير بالذكر أيضا ان التفاوت التنموي بين الجهات في تونس عمق ظاهرة الهجرة الغير نظامية فسكان المناطق المهمشة و التي تفتقر الى ابسط المرافق الحياتية يمثلون اغلب المهاجرين الغير نظاميين. ورغم تنصيص الدستور التونسي في فصله الثاني عشر على التمييز الإيجابي: ‘‘تسعى الدولة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة، والتوازن بين الجهات، استنادا إلى مؤشرات التنمية واعتمادا على مبدأ التمييز الإيجابي. كما تعمل على الاستغلال الرشيد للثروات الوطنية. الا ان الدولة لم تنجح الى اليوم في إقرار لامركزية تنموية تعادل بين جميع الجهات في تونس فبالنظر الى دراسة أعدها البنك الدولي سنة 2014: يتركّز 85 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من نصف سكان تونس قرب ثلاث مدن هي الأكثر اكتظاظاً بالسكان- تونس العاصمة، وصفاقس وسوسة -، وكذا الأمر بالنسبة إلى المقرات العامة لنحو 90 في المئة من الشركات العاملة في القطاع الصناعي، و لا تتواجد في المناطق الداخلية من البلاد سوى عُشر الشركات الأجنبية العاملة في تونس
عمدة لمبيدوزا يطلق صيحة فزع
جائحة كورونا لم تمنع قوارب المهاجرين من الوصول الى السواحل الإيطالية وهو ما أكده رمضان بن عمر عن المنتدى الاقتصادي والاجتماعي الذي أشار الى وجود حوالي 2438 مهاجر تونسي الى إيطاليا منذ شهر جويلية 2020 و بلغ عدد التونسيين المهاجرين بطريقة غير نظامية منذ جانفي ،2020 3988 مهاجرا. واما ارتفاع عدد المهاجرين اطلق عمدة لمبيدوزا ، توتو مارتيلو صيحة فزع قائلا “الوضع أصبح غير قابل للسيطرة. إذا لم تسيطر الحكومة على الوضع، سأعلن حالة الطوارئ
وفي هذا الإطار خصصت وزيرة الداخلية الإيطالية لوتشيانا لامورغيسي ‘يوم 28 جولية 2020 زيارة خاصة الى تونس التقت خلالها برئيس الجمهورية قيس سعيد و رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي لبحث سبل مكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية .قيس سعيد و خلال لقاءه بوزيرة الداخلية الإيطالية أشار الى ان "قضية الهجرة غير النظامية هي مسألة إنسانية بالأساس لذلك لا بد من معالجة أسبابها" أسباب رجحت وزير الداخلية ان تكون اقتصادية بالأساس وهو ما دفع لامورغيسي الى الحديث عن عزم بلادها تقديم مساعدات لتونس للحد من تفشي ظاهرة الهجرة غير النظامية حيث يمثل التونسيين 45 بالمائة من المهاجرين الذين وصلوا الى إيطاليا خلال الأشهر الأولى من سنة 2020 . هذا و تحدث وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو قد عن عزم بلاده تفعيل عمليات إعادة المهاجرين إلى تونس باعتبارها بلدا آمنا ولا سبب لمنح حق اللجوء
عائلات تونسية تمتطي قوارب الموت
ما يثير الاستغراب في ظل ارتفاع اعداد الهجرة غير النظامية هو ارتفاع نسبة الأطفال القصر من جملة المهاجرين و هو ما أكده رمضان بن عمر في تصريحه لجريدة العربي الجديد حيث أشار المسؤول الإعلامي في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية الى ان 35 بالمائة من المهاجرين غير النظاميين هم قصر لم يتجاوزوا 18 عاما و منذ شهر جانفي الى غاية شهر سبتمبر من نفس السنة بلغ عدد الوافدين على السواحل الإيطالية بطريقة غير نظامية حوالي 2675 مهاجراً تونسياً، 23 في المائة منهم أطفال. كذلك أظهرت بعض الصور نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي اقبال عائلات تونسية بأكملها على الهجرة غير النظامية فتحولت الهجرة الفردية الى هجرة عائلية وهو ما يحيل الى وضع اجتماعي واقتصادي هش.
الهجرة غير النظامية لا تقتصر على تونس فقط حيث أظهرت ارقام منظمة العمل الدولية أن عدد المهاجرين السريين او غير نظاميين في العالم يتراوح بين 10% و15% من مجموع المهاجرين في العالم البالغ نحو 214 مليون مهاجر في عام 2010. و يبلغ عدد المهاجرين غير النظاميين حسب منظمة الهجرة و المتواجدين في دول الاتحاد الأوروبي حوالي 1.5 مليون شخص غالبيتهم من قارتي أفريقيا وآسيا
رباب علوي
تعليقك
Commentaires