لماذا كل هذا التباطؤ في دراسة مشروع قانون المبادرة الخاصة؟
تطوير الإطار القانوني للمُبادرة الخاصة أو الذاتية كانت منذ البدء فكرة في غاية الأهمية والوجاهة وقد تم تجسيدها في مشروع قانون بفضل مساهمة ومشاركة واسعة النطاق من قبل الوزارات والمنظمات الوطنية والخبرات متعددة الاختصاصات ومكونات المجتمع المدني التي سخّرت فرق عمل متعددة القطاعات لتوفير أوفر ظروف النجاح لهذا المشروع منذ انطلاقه.
كان هذا في نوفمبر من سنة 2018، بعد شهر واحد من ذلك أعلنت وزيرة التشغيل والتكوين المهني، سيدة الونيسي أن المشروع ستتم إحالته إلى مجلس نواب الشعب. وفي أواخر جانفي 2019 عقد مجلس الوزراء وخصص للنظر في الخطة الوطنية للتشغيل التي من أبرز محاورها النهوض بالإطار القانوني للمُبادرة الخاصة ومنذ ذلك الحين لا شيء يشير إلى مستجدات هذا الملف أو يوضح آفاقه المستقبلية.. فهل أن وضعية سوق الشغل مزدهرة إلى هذا الحد حتى تسمح السلط العمومية لنفسها بكل هذا التباطؤ في مسار تركيز هذه المنظومة التشريعية؟.
بالإطلاع على وثيقة شرح الأسباب التي يتضمنها مشروع القانون، فإن المسألة عاجلة نظرا إلى أن المشروع في حد ذاته ما هو إلا مرحلة في مسار متكامل، صحيح أنها مرحلة هامة لأنها تسجد إرادة وعزيمة قويتين على استغلال كل الوضعيات والفرص المتاحة لتوفير آفاق جديدة للباحثين عن عمل وكذلك للراغبين في تسوية وضعية مهنية غالبا ما تكون غير قانونية.. فمشروع القانون يحدد الإطار القانوني للمبادرة الخاصة، لكنه لا يوضّح الأنشطة المعنية بهذا النوع من المبادرة، باعتبار أنه سيتم تحديدها في مرسوم وهو كذلك شأن الإطار المؤسساتي المنظم لهذا النسيج الإنتاجي الجديد.
وفق مشروع القانون فإن صفة المبادر الذاتي تمنح لكل شخصية طبيعية تمارس بشكل فردي نشاطا في القطاع الصناعي، الفلاحي، التجاري، في مجال الخدمات، الصناعات التقليدية أو المهن، شرط أن لا يُثمر النشاط رقم معاملات أكثر من 75 ألف دينار في السنة.. لذلك فعلى الأشخاص المعنيين التقدم بطلب والتسجيل في السجل الوطني للمبادرة الذاتية ويتمتع الشخص بتلك الصفة طوال ثلاث سنوات قابلة للتجديد وإلا فتسحب منه الإمتيازات في ظرف سنة في صورة عدم احترامه لبعض الشروط ومنها مسك سجل للمداخيل والمصاريف ووجوب التصريح شهريا أو كل ثلاثة أشهر، حسب الرغبة، برقم المعاملات وتسوية واجباته الجبائية وهي تخصيص نسبة 1 بالمائة من رقم معاملاته لعنوان الضريبة و7،5 بالمائة من مبلغ يعادل ثلثي الأجر الأدنى المضمون بعنوان المساهمة في نظام الضمان الإجتماعي.
طبعا لن يكون صاحب المبادرة الخاصة أو المنتصب لحسابه الخاص، مطالبا بالهرولة من إدارة إلى أخرى للحصول على رخصته أو الإطلاع على واجباته الجبائية وأداءاته بعنوان الضمان الإجتماعي.. في الواقع لن يتعامل إلا مع مخاطب وحيد وهو البريد فهذه الخدمة العمومية هي التي ستتكفل بإدارة السجل الوطني، من خلال تركيز قاعدة الكترونية للغرض، فضلا عن الإشراف على عمليات التصريح الشهرية أو الثلاثية لرقم المعاملات وتسوية الواجبات الجبائية ومعاليم الضمان الإجتماعي الخاصة بالمبادر الذاتي.. اختيار البريد التونسي للإشراف على هذه المهمة، يعود إلى اتساع الرقعة الجغرافية لهذه المرفق العمومي وشمولية نقاطه.. عمل كبير في انتظار مؤسسة البريد التونسي التي ستخرج حتما مستفيدة من هذه التجربة سيما إذا تم الترخيص لها بتعاطي نشاط التأمين البنكي.
لكن يبقى السؤال المطروح: لماذا تتباطؤ الدولة في الإسراع بتنفيذ مثل هذا الإجراء ؟ .. صحيح أن بعض التراتيب والإجراءات التي تضمنها مشروع القانون تتطلب بعض التعديلات والإيضاحات من ضمنها شطب صاحب المبادرة الخاصة من السجل الوطني في صورة تجاوز رقم معاملاته 75 ألف دينار في السنة .. أليس هذا الشرط مبالغا فيه، خاصة في ظل وجود بدائل أكثر مرونة منها إمكانية الترفيع في نسبة الأداء عن كل مبلغ مالي يفوق ال75 ألف دينار. مثال آخر، يمكن اللجوء إلى الشطب من السجل الوطني في صورة حقق صاحب المبادرة الخاصة أكثر من 90 بالمائة من رقم معاملاته مع مؤسسة كان أجيرا فيها في السابق، رغم إن مثل هذه الإجراءات يجب أن تطبق بعد ثلاث أو أربع سنوات من انطلاق النشاط حتى يتمكن صاحب المبادرة من تحقيق النجاح المأمول وتنويع حرفائه.
رغم هذه الثغرات والهنات، فإن من ميزات مشروع هذا القانون هو أنه يعد حلا للتحدي المزدوج المتمثل في تحدي التشغيل وخاصة الأشكال الجديدة للشغل التي لا تنص عليها مجلة الشغل والقانون الجبائي للبلاد وكذلك تحدي إدماج شريحة من الشغالين في المسلك المنظّم والقانوني للإنتاج.
(ترجمة عن النص الأصلي باللغة الفرنسية)
تعليقك
Commentaires