لماذا يُطبّق القانون على قناة نسمة ولا يُطبّق على قناة الزيتونة ؟
نسمة: قرار غلق القناة يمثل منعرجا خطيرا في المسار الديمقراطي لتونس
نقابة الصحفيين تحمّل نبيل القروي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في قناة نسمة
الهايكا: قرار غلق قناة نسمة سيادي وليس مسيّس من أي طرف
اللّجمي : لا وجود لأي تدخل سياسي في قرار إيقاف بث قناة نسمة
قناة نسمة تتهم رئيس الحكومة بالوقوف وراء قرار غلقها
القوّة العامة تتحوّل إلى قناة نسمة لحجز معداتها
لا شك أن قرار حجز مُعدّات بث قناة "نسمة" التلفزية، سيُسيل كثيرا من الحبر .. فهذه القناة الأولى في المشهد التلفزي التونسي، من حيث نسب المشاهدة، هي محل اهتمام الجمهور العريض. وحتى الساحة السياسية، من ذلك أن عديد الأحزاب عبّرت عن تضامنها ومساندتها لقناة نسمة وصاحبها نبيل القروي والعاملين فيها كما أكدت تلك الأحزاب دعمها لحرية التعبير في تونس.
من جهتها أكدت الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري (الهياكا) أنها لم تفعل سوى أنها قامت بواجبها وطبّقت القانون .. لكنه للأسف قانون يعاني من تعدد القراءات والتأويلات. الهايكا قرّرت التحرّك بحجز مُعدّات بث قناة "نسمة" وذلك بعد التنبيه على القناة في عديد المناسبات من خلال إصدار بلاغات للغرض.. غير أن "نسمة" ضربت عرض الحائط كل تلك التنبيهات، بل إنها أصدرت بدورها بيانات تتهجم فيها على بعض أعضاء الهيئة ومن بينهم هشام السنوسي. وقد تبادل الطرفان رفع الشكاوى أمام القضايا بخصوص هذا الملف.
صباح اليوم الخميس، تحولت القوة العامة إلى مقر قناة نسمة برادس وقامت بحجز معدات البث بعد أن طوّق رجال الأمن المكان .. في حدود الساعة منصف النهار إلا الربع، انقطع البث ...
البعض شبّه عملية الحجز التي جرت اليوم بما نراه أحيانا من حجز أو هدم للأكشاك الفوضوية التي تكاثرت فوق الرصيف كالفقاقيع.. "غير أنه لا يمكننا مقارنة وسيلة إعلامية بكشك حتى وإن كانت هذه القناة لا تحترم سلطة عليا"، حسب ما جاء على لسان العديد من السياسيين والصحفيين الذين أبدوا آراءهم من منطلق الدفاع عن حرية التعبير في البلاد.
ما قامت به هيئة الإتصال السمعي البصري اليوم لم يكن سابقة في حد ذاته بل أن قرارا مماثلا شمل بالخصوص قناة الزيتونة التي تعتبرها الهايكا في وضعية غير قانونية. فهذه القناة هي أيضا لم تحترم تنبيهات الهيئة وتعرضت بدورها للحجز في 15 جويلية 2015. على غرار قناة نسمة، عبّر مسؤولو الزيتونة عن عدم رضاهم .. رجال السياسة تجنّدوا وقتها أيضا لمساندة هذه القناة والدفاع عنها.
بفضل هذا الدعم وهذه المساندة أمكن لقناة الزيتونة تحدي الهايكا وبالتالي تحدي القانون والدولة ممثلة في هيئة عليا مستقلة .. كان ذلك في 2015 أي أن النظام الجديد ما زال حديث العهد بالحكم لذلك لم يشأ أن يُتهم بالإعتداء على حرية التعبير والعودة إلى ممارسات الدكتاتورية، فاسحا المجال أمام قناة الزيتونة. ردا على سؤال في هذا الشأن، أقر النوري اللجمي، رئيس الهيئة بأنه كان عاجزا أمام قناة الزيتونة التي كانت تحظى بسند سياسي.
منذ ذلك الحين والقناة المحسوبة على التيار الإسلامي في البلاد، تتصرف بلا رقيب ولا حسيب .. فالمنشطون العاملون بها يشوهون بشكل علني الخصوم السياسيين للإسلاميين مع ثلب وشتم من يعترضون على تواجد القناة .. كل ذلك في كنف الإفلات التام من العقاب، بل أكثر من ذلك فإن القناة ذات التوجه الإسلامي قامت باستضافة نواب في البرلمان وسياسيين في برامجها ممن يطالبون عاليا بعلوية القانون .. من بين هؤلاء الضيوف في الأسابيع القليلة الماضية رئيس الجمهورية السابق، منصف المرزوقي وعضو مجلس نواب الشعب، ياسين العياري .. الإسلاميون وغيرهم من الثوريين المتطرفين والراديكاليين تتم دعوتهم يوميا في استوديوهات القناة ليتحولوا إلى أطراف مساندة ولوبيات فاعلة حينما تقرر الدولة عبر الهايكا تطبيق القانون. لكن يجدر بنا التذكير أن هيئة الإتصال السمعي البصري لا يمكنها أن تطبّق القانون دون المرور بالجهاز التنفيذي والمنظومة الأمنية التي تعمل بتعليمات من الحكومة.. لكن يبدو أن قناة نسمة لم تعد تحظى بالدعم والسند السياسي السابق، فبعد ثلاثة أيام فقط من آخر التنبيهات التي وجهتها الهياكا للقناة والتي تعلن فيها عن انتهاء آجال عملية تسوية الوضعية، تمكن نبيل القروي من استضافة رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي كان ذلك في جويلية 2018 .. أي أن رئيس الدولة نفسه لم يحترم القانون بقبوله دعوة قناة تعتبر خارجة عن القانون من طرف هيئة عليا في الدولة .. فماذا يمكن للهياكا أن تفعل في مثل هذه الحال؟ النوري اللجمي لم يتحرّج بل وجه أصابع الإتهام لرئيس الجمهورية مؤكدا أنه كان عليه عدم الظهور في قناة نسمة.
في أفريل 2019، تغيرت المعطيات لكن الهيئة لم تغير من موقفها بالتأكيد على أن قناة نسمة مثل الزيتونة، لا تحترم القانون .. لكن الذي تغير اليوم هو أن الهايكا حظيت بالسند السياسي اللازم لتنفيذ قرارها والذي تجسد في تحرّك الجهاز الأمني الذي أصبح بين عشية وضحاها فاعلا وعمليا وهو الجهاز ذاته الذي لم تنجح البلديات في تحريكه لتنفيذ قرارات بلدية بهدم البناءات الفوضوية.
من الواضح أنه إذا توفرت الإرادة السياسية من أجل تنفيذ القرارات فإنها تُنفّذ وهو ما عشناه اليوم الخميس 25 أفريل بخصوص قناة نسمة.
الأسباب الكامنة وراء ما حصل اليوم ليست سرا على أحد .. فنبيل القروي يستعد لخوض تجربة انتخابية من خلال الترشح لمنصب الرئاسة موفى 2019 وهو يستغل لذلك قناته وبشكل مفضوح .. لذلك كان لزاما إيقافه عن هذا الحد .. لكن من قرر إيقافه ؟ ولماذا الآن قبيل أيام معدودات من شهر رمضان الذي تتنافسه فيه كل القنوات على الفورز بأكبر نسب المشاهدة وبالتالي الحصول على أكبر قسط من المداخيل من الإشهار مقارنة بباقي أشهر السنة (90 بالمائة من رقم معاملات القنوات التلفزية يتحقق خلال هذا الشهر). الأكيد أن الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري ليست هي من يقف وراء عملية الحجز، رغم أنها هي التي كانت السبب في ذلك رسميا وإعلاميا.
(ترجمة عن النص الأصلي باللغة الفرنسية)
تعليقك
Commentaires