يوسف الشاهد هدفا لهجمات الباجي قايد السبسي
على غرار العادة، أثارت كلمة رئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي، بمناسبة الإحتفال بالذكرى الثالثة والستين لعيد الإستقلال، ردود فعل متباينة .. كلمة حملت في طياتها رسائل غير مباشرة، لكن أيضا مباشرة.
ألقى رئيس الجمهورية خطابه بمناسبة ذكرى 20 مارس، في قاعة كان عدد المدعويين إليها متوسطا.. حضر الموكب عديد الشخصيات الوطنية كما غاب عنها الكثيرون.. مسألة الحضور كانت بدورها محل جدل، البعض تحدث عن إقصاء وتصفية حسابات شخصية، حتى أماكن المدعوين كانت محل انتقادات. كما أن الكثيرين لاحظوا غياب سليم العزابي، المنسق العام للحزب الجديد، حركة تحيا تونس، مثلما لاحظوا حضور حافظ قايد السبسي الذي كان جالسا بجوار راشد الغنوشي، م ابتسامة عريضة تعلو محياه.
هذه التفاصيل تبدو تافهة بالنسبة إلى البعض وهي ذات أهمية بالغة بالنسبة إلى بعض الملاحظين المتابعين لأبسط التطورات على الساحة الوطنية. إلا أنه وبعيدا عن هذه المسائل، فإن كلمة رئيس الدولة، كانت في جانب كبير منها، موجهة ضد رئيس الحكومة، يوسف الشاهد وبعض الأحزاب السياسية، مثل النهضة ومشروع تونس والجمهوري.
لا شك في أن كل من تابع موكب الإحتفال، قد لاحظ دون عناء، الدقة حتى في اختيار الآيات القرآنية التي تمت تلاوتها قبل انطلاق كلمة رئيس الجمهورية وهي آيات تعكس بجلاء واقع الساحة السياسية في تونس، لكن الأمور ازدادت وضوحا مع الجمل الأولى من الخطاب الرئاسي.. فالباجي قايد السبسي لم يرحم يوسف الشاهد رغم أنه هو من عيّنه في منصب رئيس الحكومة. فقد أشار رئيس الدولة بشكل مباشر إلى أن الشاهد خرق الدستور حين أقصاه من دائرة التشاور، بمناسبة التحوير الوزاري الأخير الذي أجراه، نظرا إلى أن الدستور ينص على أن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على رأس الجهاز التنفيذي، وهو ما لم يتم احترامه خلال التحوير الأخير للشاهد الذي لم يستشر قايد السبسي، قبل الإعلان عن تركيبة فريقه الحكومي.
ولا يخفى على أحد أن تلك الحادثة كانت بمثابة الإعلان عن القطيعة بين الأب وابنه الروحي، غير أن الباجي قايد السبسي لم يرغب في أن تتوقف الأمور عند ذلك الحد، فقد قرر أن يعكر مزاج يوسف الشاهد طوال الوقت الذي ستستغرقه الكلمة، فانخرط في لعبة وحده يتقن قواعدها وتتمثل في تقديم صورة قاتمة لحصيلة الإنجازات الإقتصادية للحكومة الحالية، مستشهدا في ذلك بالأرقام والمؤشرات ذات العلاقة، بداية من نسبة التضخم، وصولا إلى عجز الميزان التجاري، ومرورا بنسبة التداين.. كما أن قايد السبسي لم يتخل عن روح الدعابة المعهودة لديه حين دعا يوسف الشاهد إلى أن يعود له "شاهد العقل" وهو أسلوب دأب على اتباعه رئيس الدولة من خلال التلاعب بالألفاظ واعتماد الخطاب الصريح والمباشر.
فضلا عن الرسائل الموجهة ضد رئيس الحكومة وبعض الأحزاب السياسية، أكد الباجي قايد السبسي على أهمية الوحدة الوطنية لإنقاذ البلاد من الأزمة الراهنة، داعيا إلى توحيد القوى الوطنية خلال المرحلة المقبلة، سيما مع اقتراب الإنتخابات التشريعية والرئاسية،مع التحذير من ظاهرة السياحة البرلمانية التي قال إنه يجب تجريمها بنص القانون وقد أعلن في هذا الصدد عن ضرورة تعديل الدستور، ملاحظا أنه قد أعدّ بعد مقترحا في هذا الخصوص.
ولئن أكد الباجي قايد السبسي في كلمته أنه يكتفي بنقل بعض الحقائق، ذاهبا إلى حد دعوة من لديه أي اعتراض إلى التدخل، فإن عديد المحللين أجمعوا على أن رئيس الدولة أخطأ التقدير في الأسلوب الذي توخاه في خطابه، على الأقل على مستوى الشكل، فاستغلال تلك الكلمة في موكب رسمي بتصفية حسابات شخصية، ليس أمرا صائبا، على كل المستويات، أخلاقيا ومعنويا. كما أن مثل هذه التصرفات كان يفترض أن لا تصدر عن رئيس كل التونسيين والذي فضّل أن ينشر غسيل الجهاز التنفيذي وخلافاته مع رئيس حكومة اختاره هو بنفسه.
لكن هناك من يعتبر أن رئيس الحكومة هو من بادر بالتصرف على هذه الشاكلة، حين استغل القناة التلفزية العمومية لتصفية حساباته مع حافظ، نجل رئيس الجمهورية، متهما إياه والمقربين منه، بتخريب نداء تونس وتدميره.
مع اقتراب المواعيد الإنتخابية موفى السنة الحالية، يبدو أن كل أنواع الضربات أصبحت مسموحة حتى تلك التي تحت الحزام.. فالباجي قايد السبسي، والذي يعتبر أنه لم يعد لديه ما يخسره، أراد أن يلعب ورقة المواجهة المباشرة دون الإهتمام لما قد يكلفه ذلك.. من جهته تلقى رئيس الحكومة اللكمة وهو يعلم أن ردة فعل قايد السبسي الأب لن تكون أقل حجما مما فعله هو بقايد السبسي الإبن.. ومع ذلك لم تحسم الأمور بعد، رغم أنه لم تعد تفصلنا عن الإنتخابات سوى بضعة أشهر.. فكل طرف مازال يخفي بعض التفاصيل في خطته الهجومية، لكن عليهما أن يتذكرا أن هذا التشرذم وتلك الخلافات والإنشقاقات لن تخدم سوى مصلحة الطرف المنافس.
(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires