كمال مرجان خليفة الشاهد في الحكومة .. والتّاريخ لا يرحم
بعد قبول الهيئة العليا المستقلّة للإنتخابات ملف 26 مرشّحا للإنتخابات الرئاسيّة، تسارع كلّ مترشّح في التحضير لحملته الإنتخابيّة التي من المقرّر أن تبدأ يوم 2 سبتمبر 2019 وتنتهي يوم 13 سبتمبر من نفس السنة، وذلك باتّخاذ المنابر الإعلاميّة كوسيلة للتّشهير ببرامجهم الإنتخابيّة.
رئيس الحكومة والمترشّح للرئاسيّة عن حركة تحيا تونس، يوسف الشاهد، لم تفته أيّة مناسبة لإعلان قرار يتّخذه، إلاّ واعتمد على القناة الوطنية لتمرّر له خطابه، من باب أنّه رئيس حكومة، في حين أنّه يقوم بحملة انتخابيّة سابقة لأوانها، مذكّرا دائما أنّه هو من قاوم الفساد في البلاد.
يوم أمس الخميس 22 أوت 2019، توجّه يوسف الشاهد بكلمة للشعب التونسي عبر منبره الإعلامي المعتاد ''التلفزة الوطنية''، أين أعلن عن تفويض مهامه كرئيس حكومة إلى رئيس المجلس الوطني لحزبه تحيا تونس ووزير الوظيفة العموميّة ''كمال مرجان''، مثّل هذا التفويض نقطة جدل بين العديد من السياسيين ومختصين في القانون، ولكنّ رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذّي اختار مرجان لينوبه، معلوم أنّه يعرف ما يفعله وغايته واضحة من ذلك، مثل اختياره لتوقيت بثّ كلمته المتزامن مع حوار يجريه وزير الدفاع المستقيل عبد الكريم الزبيدي في إحدى المنابر الإعلامية الأخرى.
أسباب تخلّي الشاهد عن منصبه
حسب تصريحه ليلة البارحة، بيّن الشاهد أنّه منذ توليه رئاسة الحكومة في أوت 2016، تعهّد للشعب التونسي بكشف الحقائق بكلّ مصداقيّة، وعوضا عن إسراعه في إعلان تفويضه لمهامه لكمال مرجان الذّي كان من الممكن أن يعلنه في بلاغ على صفحة رئاسة الحكومة، كعادته إستغلّ منبره الإعلامي ليروي نجاحاته على امتداد ثلاثة سنوات في رئاسة الحكومة، مفيدا أنّ الإستراتيجيّة التي إعتمدتها الحكومة خلال هذه السنوات ساهمت في إنقاذ البلاد ومكافحة الإرهاب والفساد وأصبحت تونس قويّة بأمنها وجيشها، كذلك أصبحت تونس بفضل إستراتيجيته أفضل وجهة سياحية في العالم إذ استقبلت قرابة 9 مليون سائح، قائلا ''منّعنا لبلاد من كابوس الإفلاس''، واعتبر في تصريحه أنّ جلّ السياسيين إختاروا مصالحهم الضيّقة على حساب مصلحة البلاد، وكأنّه يرى نفسه بعيدا كلّ البعد عن السياسيين والسياسة.
واصل الشاهد حواره التلفزي مفيدا أنّه خدم البلاد بكلّ تفاني وجديّة مع الفريق الحكومي، وبيّن أنّه حسب الدستور التونسي فإنّ إستقالة رئيس الحكومة من مهامه يعني إستقالة كافّة أعضاء الحكومة، وأكّد للسياسيين الذين نادوا بضرورة تقديم إستقالته، أنّ الدستور يسمح لرئيس الحكومة الترشّح للإنتخابات وهو في منصبه، وقال الشاهد أنّه حرصا منه على نزاهة وشفافيّة الإنتخابات وغلق باب التّأويلات والإدّعاءات حول إستغلال إمكانيات الدولة في الحملة الإنتخابيّة، قرّر بأحكام الفصل 92 من الدستور تفويض مهامه بصفة وقتيّة إلى وزير الوظيفة العموميّة كمال مرجان إلى آخر يوم في الحملة الإنتخابية 13 سبتمبر 2019.
الفصل 92 من الدستور التونسي
يضبط الفصل 92 من الدستور التونسي صلاحيات رئيس الحكومة، منها تعيين وزراء وإعفاء آخرين وإقالة أحد أعضاء الحكومة أو النظر في الإستقالات بالتشاور مع رئيس الجمهوريّة، أيضا من دوره إحداث أو تعديل أو حذف المنشآت العموميّة وضبط إختصاصاتها، بالإضافة أنّه يمكن لرئيس الحكومة حسب هذا الفصل أن يفوّض البعض من صلاحياته للوزراء، وفي حالة تعذّر على رئيس الحكومة ممارسة مهامه بصفة وقتيّة فيمكنه تفويض سلطاته إلى أحد الوزراء.
نجد أنّ الفصل 92 من الدستور لم يفصّل تحديدا الحالات التي يتعذّر فيها رئيس الحكومة عن أداء مهامه، وهو ما فتح باب التساؤلات والتأويلات وخاصّة حين عيّن مرجان خليفته، فلماذا اختار من بين كلّ الوزراء سوى رئيس مجلسه الوطني لتحيا تونس؟ أيعتقد الشاهد أنّه بهذا التفويض قد أغلق باب التأويلات والإدّعاءات باستغلال نفوذ الدولة وآلياتها من أجل حملته الإنتخابيّة؟ التفويض يسمح للمفوّض له بممارسة مهام مفوّضه في حدود وقتيّة محدّدة، والتفويض لا يعني تجرّد الشاهد نهائيا من منصبه كرئيس حكومة.
رأي سلسبيل القليبي في التفويض
أكّدت أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي، أنّ الفصل 92 من الدستور يتحدث على تعويض رئيس الحكومة وتفويضه لمهامه لأحد أعضاء حكومته عندما يتعذّر عليه مواصلة القيام بمهامه بصفة وقتيّة، والتعذر الوقتي الذي قد يطرأ ويمنعه من أداء مهامه كالمرض أو السفر للخارج في مهمة تمنعه من القيام بمهامه داخل البلاد، وبيّنت أنّ إهتمام يوسف الشاهد بحملته الإنتخابية غير داخل في مهامه كرئيس حكومة، مفيدة أنّها ضدّ هذا التفويض.
آراء بعض السياسيين في قرار التفويض
ندّد رئيس حزب آفاق تونس ياسين ابراهيم في تدوينة على صفحته الرسمية يوم 22 أوت 2019، استغلال رئيس الحكومة يوسف الشاهد قناة الوطنية لتمرير خطاباته واتّهمه بالتشويش على منافسه للرئاسية عبد الكريم الزبيدي حين اختار التوجّه بكلمته للشعب التونسي قبل حوار الزبيدي على قناة الحوار التونسي بنصف ساعة، ودعا الهايكا للتدخّل والحدّ من هذا التصرّف في الدعية الشخصيّة حسب وصفه.
معظم الناس كانوا يعتقدون أنّ كمال مرجان سيقدّم نفسه للرئاسيّة ولكن سرعان ما تمّ الإندماج بين حزبه المبادرة وحركة تحيا تونس، وتمّ إنتخابه رئيسا للمجلس الوطني للحركة، وبقي الكلّ يفكّر في من سيكون مرشّح الحركة للرئاسيّة، إلى حين إعلان يوسف الشاهد عن ترشّحه، ولكنّ تفويضه لكمال مرجان ليحلّ مكانه في رئاسة الحكومة ما هو إلا إرضاء له ولأنصاره وهذا يدخل في باب التكتيك السياسي لمصلحة الحزب لا غير، وانتقد الكثير على موقع التواصل الإجتماعي بالفايسبوك هذا التعيين، الذي أعاد أحد أنصار النظام السابق للحكم، التاريخ لا يرحم ولا يمحى بسهولة.
أيام قليلة تفصلنا عن التحوّل الديمقراطي الذي ستشهده تونس، وسيتمّ اختيار رئيس للبلاد بطريقة ديمقراطيّة، وسيكون القرار بيد الشعب والحاكم هو الصندوق، وما بقي من حملات انتخابيّة ومخطّطات حزبيّة فهي لن تمسّ من العمليّة الإنتخابية، ولكن سنرى ثمارها بعد الرئاسيّة والتشريعيّة.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires