للأنثى مثل حظ الذكرين
"للذكر مثل حظ الأنثيين" هكذا تقوم قوانين الإرث في تونس وحسب عدد من المفسرين فإن هذه القاعدة تعدّ الأصل رغم أنها لا تسري على كافة حالات المواريث.
يوم 13 أوت 2017، وبمناسبة العيد الوطني الـ 61 للمرأة، أطلق رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي مبادرة رئاسية تؤكّد على ضرورة اجراء مراجعات قانونية لمجلة الأحوال الشخصية من شأنها أن تساوي بين الجنسين في الميراث، في خطاب كان الجميع ينتظر فيه موقفه من مسائل عدة - حارقة – لكنه اختار سن قانون يضمن المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة مع احترام إرادة الأفراد الذين يختارون عدم المساواة.
هذا المشروع هو في الأصل مقترح من قبل لجنة الحقوق الفردية والمساواة مع عدد من النواب حيث أطلقوا مبادرة تشريعية تتمثل في مشروع مجلة الحقوق والحريات الفردية على لجنة الحقوق والحريات بمجلس نواب الشعب للمصادقة عليها مع إمكانية إجراء تعديلات في بعض فصولها. وبكل ما تضمنه تقرير لجنة الحقوق الفردية والحريات فإن رئيس الجمهورية اختار حصر كل ما ورد من اللجنة في موضوع المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة.
وبيّن السبسي أن المبادرة التشريعية المتعلقة بالمساواة بين الجنسين في الإرث يريدها أن تكون "الثورة المجتمعية الثانية لتونس الجديدة تحقيقا للكرامة والمساواة والعدل". وأن ثمرة هذه السياسة تتجلى في أن 65 بالمائة من حاملي الشهائد و60 بالمائة من الأطباء وأكثر من 40 بالمائة من القضاة هم من النساء. وأشار قائد السبسي، في نفس السياق، أنه إذا كان صاحب التركة يريد بحياته تطبيق قواعد الشريعة الإسلامية في توزيع الإرث بين بناته وأبنائه فله ذلك وفي حال أراد تطبيق الدستور فله ذلك أيضا. وشدّد الباجي قايد السبسي على أن تونس تستحق عن جدارة لقب العاصمة العربية للمساواة بين الرجل والمرأة سنة 2019 إذا ما تمّت المصادقة على مشروع القانون المتعلق بالمساواة في الإرث.
تباينت المواقف بشأن هذا القانون بين مؤيد ومعارض وبين "حلال وحرام" وبدأ الجدل يطفو على السطح خاصة من رجال الدين في تونس وفي العالم العربي الذين يرون أنه تجاوز للنص القرآني بما أن آيات الميراث واضحة لا تتطلب الاجتهاد من وجهة نظرهم. فتح هذا المشروع أبواب جدل مجتمعي منقطع النظير بلغت حد التكفير حيث ذهب البعض إلى اصدار فتوى تحرم انتخاب كل من يشرّع لمبدأ المساواة في الإرث وعبّرت مؤسسات النهضة عن رفضها لهذا القانون الذي اعتبرته مخالفة للشريعة والنص القرآني الصريح.
حركة النهضة التي يرفض نوابها تحليل الحرام أو تحريم الحلال، صرّح رئيس كتلتها بمجلس نواب الشعب نور الدين البحيري يوم أمس الأحد 02 جوان بأن موقف الحركة واضح وأنها ضد تمرير قانون المساواة في الإرث، وأكّد أنّ هذا المشروع لن يمرّ وأن من أتى به تخلى عنه مستبعدا أن يصادق النواب والأحزاب على مبادرة تتعارض مع الأحكام القرآنية والشرعية.
تصريح سبقه في عدة مناسبات ردود مختلفة من الرئيس الباجي قائد السبسي الذي أجاب على معارضي القانون من الأئمة ورجال الدين والأحزاب على غرار حزب النهضة صاحب الغالبية في البرلمان، بأنه طرح المبادرة بكل مسؤولية واقتناعا منه بـنها تتماشى مع نص الدستور وروحه وتتلائم مع فلسفة ومبادئ حقوق الانسان، مشددا على أن استثناء النساء من المساواة في الميراث بتعلّة الخصوصية الدينية يتعارض مع روح الدين الإسلامي ومقاصد الشريعة.
وأكد قائد السبسي أنه اتخذ هذه الخطوة في مصلحة البلاد مبينا أن النهضة لها تصوّر آخر لمصلحة البلاد. وان تونس ستواصل السير على نفس الدرب الإصلاحي وأن مجلة الأحوال الشخصية قابلة للتطوير باعتبارها قانونا وضعيا معربا عن أمله في أن تتم المصادقة على هذا المشروع لما فيه خير لتونس ولكل الحساسيات السياسية بما في ذلك تلك التي تتحفظ على هذه المبادرة التشريعية الرئاسية، في إشارة منه لحركة النهضة.
لم يكن اقتراح مشروع قانون المساواة في الإرث مفاجئ لدى الأوساط الحقوقية في تونس بل اعتبر تتمّة للتشريعات الخاصة بالنساء منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956، وفي 23 نوفمبر 2018 صادقت الحكومة على المشروع وأحالته على البرلمان للمناقشة وما يزال إلى اليوم يؤثث أدراج المجلس في انتظار مناقشته وتمريره.
الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمّة الهمامي صرّح يوم السبت غرّة جوان بأن قضيّة المساواة في الإرث هي مسألة اجتماعية لا يجب تحويلها إلى مسألة دينية عقائدية. ووزير العدل كريم الجموسي كذلك، اعتبر أن مشروع قانون المساواة في الإرث لا يتعارض مع الدستور والقوانين.
دفع الرئيس الباجي قائد السبسي بكل امكانياته لتمرير هذا المشروع الذي كشف رغبة لدى طيف من البرلمانيين المعارضين له لقبره حتى لا تتم المصادقة عليه في جلسة عامة، الأمر الذي أكدته رئيسة لجنة الحريات الفردية بشرى بلحاج حميدة يوم 16 ماي حيث أكدت استحالة الانتهاء من مشروع قانون المساواة في الإرث نتيجة تعرضه إلى التعطيل الممنهج في ظل مرور 6 أشهر على ايداعه بمجلس نواب الشعب وأنه من المستحيل مناقشته فيما تبقى من عمر المجلس. تصريح انهزامي لا يعكس ثقة بشرى بلحاج حميدة واستماتتها في الدفاع عن الحريات الفردية وعلى وجه الخصوص قانون المساواة في الإرث وكأنها أدركت بأن الأطراف المؤثرة في البرلمان والمشهد السياسي عموما لا تريد لهذا المشروع أن يرى النور وهي من تقف سدّا منيعا لعدم تمريره.
من الواضح أن من تراجع أو من امتنع عن الدفاع عن مقترح قانون المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة هم من اعتبروا أنه محاولة من الباجي قايد السبسي لصرف الأنظار عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها تونس وبداية حملة انتخابية يحاول من خلالها قائد السبسي كسب التأييد من قبل النساء خاصة بعد ما حضي به من تعاطف نسوي في الانتخابات الماضية. كما يرى مراقبون أن طرح السبسي لهذه المبادرة يدخل في إطار حملة انتخابية سابقة لأوانها وأنه يغازل المرأة وطيف من المدافعين عن حقوقها، فيما يرى آخرون أن هذه المبادرة هي رغبة من قائد السبسي في انهاء ولايته بالخروج من نافذة الزعماء والمصلحين وحتى يخلّد التاريخ اسمه شأنه شأن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة والمصلح الطاهر الحدّاد.
مروى يوسف
تعليقك
Commentaires