مُصنفو الاجراء الحدوديّ S17 .. مواطنون من درجة ثانية !
"ممنوع من السفر، ممنوع من الغناء، ممنوع من الكلام" هُو المقطع الأول من قصيدة مُغناة لأحمد فؤاد نجم تؤرخ وضعية المُعارضين المصريين في الثمانينات متى حوّل النظام المصري الحدود الى جدران زنزانة عظيمة. مع اختلاف الزمن والبلد والخطّ السياسي، مازالت أغنية "الممنوعات" ترنيمة احتجاجية يُرددها الاف من المواطنين التونسيين الذين أغلق الاجراء الحدوديّ S17 السماء في وجوههم وأطردهم من المطارات وجرّهم للتحقيق في مراكز الشرطة اذ عبروا الولايات التونسية دون اذن مُسيق !
هيثم بن عيّاد، مُواطن-سجين دون زنزانة أو قيود، طالب بكلية طب الاسنان بالمنستير، مُنع لسنوات من السفر والالتحاق بمناظرات الطب في الخارج. تجديد جواز سفر هيثم استغرق 10 أشهر واستخراج بطاقة السوابق العدلية تطلب أكثر من 3 أشهر فوّت خلالها الطالب تاريخ مناظرة الاختصاص في طب الاسنان.
خولة بن حمزة، مُواطنة-سجينة أيضا، صحفية مُنعت من السفر بعد أن دفعت ثمن التذكرة وتكبدت تكاليف ومشقة استخراج التأشيرة ليُخبرها ديواني في مطار تونس قرطاج أنها ممنوعة من مغادرة التراب التونسي.
محمد ضياء عرب، كان مواطنا سجينا، تم ترحيله قسرا من ايطاليا وارجاعه الى تونس حيث تم التحقيق معه ومنعه من السفر نهائيا دون تقديم سبب واضح، الى أن وضع حدا لحياته.
المواطن-السجين هو التوصيف المناسب لوضعية حوالي 100 الف تونسي شملهم هذا الاجراء منذ سنة 2013. ثلاثة شبان من ثلاثة ولايات مختلفة جمعت بينهم علامة استفهام الـS17 الذي لم تبادر وزارة الداخلية بتوضيحه أو تبسيطه للرأي العام.
في محاولة لفك شيفرة الـ S17، تحدثنا مع الحقوقي والمحامي رحال جلالي الذي فسر لبيزنس نيوز أن هذا الاجراء هو جزء من ترسانة اجراءات ادارية خاصة بوزارة الداخلية. وتابع، أن الوضع الأمني في تونس في 2012 و2013 جعل هذا الاجراء في الواجهة على المستوى العملي لأنه هادف الى مراقبة السلوكات الارهابية لبعض المشتبه بهم خشية السفر الى ليبيا أو سوريا. وبين جلالي أنه بينما يمكن تبرير هذا الاجراء على مستوى تطبيقي الا أن الجانب القانوني محل جدل حيث يعتبر هذا القانون غير منظم بفصل أو نص واضح ويمكن أن تعتبره المحكمة الادارية تجاوز سُلطة.
اذن هو اجراء حدودي وقائي يمنع مواطنين تونسيين تتعلق بذمتهم شبهات الانتماء إلى تنظيمات إرهابية أو تبييض الأموال من مغادرة التراب التونسي أو حتى من السفر من ولاية إلى أخرى داخل تونس. بالنسبة لوزارة الداخلية، يتنزل هذا الاجراء ضمن فُسحة "سلطتها التقديرية". حيث تقدر الوزارة أن تبني تونس الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب يخوّل لها مراقبة جولان الأشخاص بكامل تراب الجمهورية ومنها الحدود الترابية والبحرية ومباشرة الشرطة الجوية وذلك عملا بأحكام الفصل 4 من الأمر عدد 342 لسنة 1975 المؤرّخ في 30 ماي 1975. يدعى الاجراء بـ "الاستشارة قبل المغادرة"، لكنه فعليا لايتعلق بالاستشارة بقدر ما ينص على الحدّ من التحركات بين الولايات والمدن والمنع من التحول خارج تونس ضمن الية قيود الحركة على التنقل والسفر.
بيزنس نيوز تحدثت مع ميساء الوسلاتي، ناشطة حقوقية تنشر قصص العديد من الشباب الذين طالهم الاجراء في محاوله منها لايصال أصواتهم الى نواب الشعب والمنظمات الحقوقية. تقول ميساء " هذا الإجراء الحدودي سجن كبير و آداة قمعية جديدة للتضييق و الهرسلة الأمنية. هذا الاجراء لعنة كيف تحرم الطلبة من مواصلة دراستهم في الخارج وتحرم الشباب من العمل. تقييد التحرك حتى بين المدن حرم الشباب من حياة اجتماعية عادية وحتى من التنقل الى " الفيراج" لتشجيع فريقهم الرياضي. هذا الاجراء دفع شابا للإنتحار بسبب حالة اليأس والإكتئاب والعيش في سجن دون موجب حق.."
مرصد الحقوق والحريات بتونس يصنف هذا الاجراء ضمن خانة اللاّدستوري. يتضمن تقرير المرصد عن هذا الاجراء أن 96 في المائة من المشمولين به هم من الذكور و93 في المائة ينتمون الى الفئة العمرية ما بين 20 و40 سنة، أي بين فئة الشباب والطلبة. في تقرير منظمة العفو الدولية لسنة 2018 تؤكد المنظمة أن تونس استمرت في فرض إجراءات بموجب حالة الطوارئ، وطبَّقت تلك الإجراءات في كثير من الحالات بطريقة تعسفية. واستخدمت وزارة الداخلية أوامر مراقبة الحدود المعروفة باسم "الإجراء S17" لتقييد الحق في حرية التنقل لآلاف الأفراد بشكل غير مشروع. المنظمة بينت أن الانتهاكات الحقوقية للإجراء الحدودي "S17" قيود تمييزية وغير قانونية على الحق في حرية التنقل مشيرة إلى غياب الوضوح في الأسباب وعدم إمكانية الطعن مع عدم إعلام المشمولين بالإجراء إلا عند محاولة السفر.
ولنذكر أن الدستور التونسي ينصّ على أنه لكل مواطن الحرية في اختيار مقر إقامته وفي التنقل داخل الوطن وله الحق في مغادرته. هذا الاجراء الحدودي الذي يقيد حرية التنقل بين المدن والى الخارج والذي لا سند قضائي له، لا تعلم به السلطات المواطن حيث أن الطريقة الوحيدة التي علم بها المصنفون بهذا الاجراء أنهم ممنوعون من السفر هو الذهاب الى المطار والتعرض لاهانة التفتيش الأمني والارجاع القسري من البوابة بسبب صدور "أمر سري" في حقهم.
الاشكال في هذا الاجراء الى جانب عدم دستوريته، هو طريقة الفرز المُبهمة التي تعتمدها وزارة الداخلية في ضمّ الأسماء الى قائماتها دون اعتماد أسس مشروعة في تصنيف المواطنين، يتضمن الفرز المتمتعين بالعفو التشريعي العام، الشكايات المقدمة بالثلب أو التشويه، التديّن، السلوك "المتطرف"، وحتى التشابه في الأسماء. في طبيعته، هو اجراء تنفيذي تصدره الوزارة من منطلق اجتهادي في تفسير القوانين تحت طائلة حالة الطوارئ، وتبقى الفسحة الفاصلة بين مشروعية الوقاية من خطر التطرف وجدلية انتهاك حقوق الانسان ضيّقة الى حد التماس بين الضفتين.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires