ملف الشهيدين بلعيد والبراهمي: اللغز الذي يصعب حلّه
عرف المشهد السياسي في تونس منذ 2011، إعادة ترتيب خاصة بعد تاريخ 06 فيفري و25 جويلية 2013 اثر اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي من أمام مقرّ سكناهم.
على مدى 6 سنوات مثّل هذا الحدث أحد المحاور الأساسية للجدل السياسي في البلاد وبدأت الأحداث تتطوّر بشكل ملفت في ملف الشهيدين وكشفت هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عدد من الحقائق أماطت اللثام عن عدد من العوائق التي عطّلت المسار القضائي، والمتمثلة في الغرفة السوداء بوزارة الداخلية ومصطفى خذر المحكوم بحيازة وثائق تابعة لوزارة الداخلية وتنظيم سرّي خاص لحركة النهضة وعلاقته بالاغتيالات السياسية.
سنوات متتالية ظلّ خلالها ملف هذه الاغتيالات السياسية يراوح مكانه ووجهت هيئة الدفاع أصابع الاتهام لأطراف متعددة وأصبحت بعض الأحزاب تستغل هذا الملف في مختلف الاستحقاقات الانتخابية.
تواصلت جهود هيئة الدفاع في كشف الحقائق ورغم المعطيات التي قدمتها الهيئة والتي زعزعت الشارع التونسي فإن هذا الملف لم يشهد أي تطوّر ما اضطرّ إلى عقد ندوات متتالية في كلّ مرة طالبت فيهم الهيئة بضرورة الكشف عن حيثيات الملف مع تقديمها لحقائق ومؤيدات جديدة.
رغم التصعيد الذي اتخذته هيئة الدفاع في مرّات عدّة والاحتجاجات الشعبية التي نظمتها إلا أن الهيئة اعتبرت أن الأطراف المتداخلة بما فيها وزارة الداخلية تسعى إلى طمس الحقائق.
بعد مناسبات عدّة من سعيها لكشف الحقائق بخصوص ملف الشهيد شكري بلعيد الأمين العام السابق لحركة الوطنيين الديمقراطيين وأبرز وجوه اليسار في تونس، ومحمد البراهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي وأحد رموز التيار القومي ، أعلنت هيئة الدفاع يوم أمس الخميس 19 سبتمبر 2019 الدخول في اعتصام مفتوح بمقر المحكمة الابتدائية بتونس تنديدا بما وصفته بتقاعس وصل الى حد التواطئ من قبل النيابة العمومية التي لا تتعامل مع ملف الشهيدين بجدية مما اعتبرته اهدارا للعدالة.
الهيئة اتهمت النيابة العمومية بمنعها من الاطلاع على نتائج البت في شكايات قدمتها ضد الحركة الاسلامية النهضة التي تتهمها بامتلاك جهاز سري مضطلع في اغتيال الشهيدين، ومنعها من الاطلاع على مجريات البحث.
وقررت الهيئة تبعا لهذا الاعتصام اطلاق حملة "احفظ ولا حيل" دفاعا عن حقها للولوج الى القضاء اضافة الى فتح تحقيق شعبي يتم على اثره نشر جميع الوثائق المحجوزة ضد مصطفى خذر وكل الشكايات التي قدمت ضد بشير العكرمي وكل الادلة التي تدين سفيان السليطي في التورط في القضية.
ودعت الهيئة عموم الشعب والمجتمع المدني الى دعمها في الكشف عن ملف الجهاز السري.
بلغ عدد المعتصمين حوالي 100 محامي من لجنة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمي اعتصموا، بمكتب وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس، وتم اخلاء المحكمة و ايقاف سير الجلسات من قبل أمن المحكمة.
وفور اعتصام أعضاء الهيئة تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات تظهر "اقتحام" قوات الأمن للاعتصام، وقد أكّدت مصادر من الهيئة أن الامن قام بالاعتداء "بشكل وحشي" على عدد من المحامين المعتصمين داخل المحكمة.
وزارة الداخلية أصدرت بلاغا أوضحت فيه أن وكيل الجمهورية بالمحكمة الإبتدائية تونس 01 قد طلب تدخل الوحدات الأمنية لإخلاء مكتبه مفيدا وأن حوالي 20 محاميا من أعضاء هيئة الدفاع عن الشهيد شكري بلعيد، تولوا اقتحامه وذلك على خلفية مطالب تتعلق بقضايا محل نظر من طرف السلطة القضائية.
وبيّن نص البلاغ أن في حدود الساعة الواحدة ظهرا أصدر الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بتونس ووكيل الجمهورية تعليماتهما بإخلاء مكتب الأخير بعد أن أصرّ أعضاء هيئة الدفاع عن الشهيد شكري بلعيد على الاعتصام بمكتبه، الذي بلغ عدد المتواجدين به من محامين حينها حوالي الأربعين.
وأكّد البلاغ أن الوحدات الأمنية تولت إعلام المحامين المذكورين بتعليمات النيابة العمومية طالبة منهم التعاون في تنفيذها، مشددة على أن كل الإجراءات تمت تبعا للتعليمات القضائية المذكورة في تطبيق للقوانين الجاري بها العمل وتحت إمرة النيابة العمومية.
نقابة القضاة التونسيين كذلك أعلنت اثر ذاك عن تعليق العمل بكافة المحاكم وأرجعت هذا القرار لاستنكار الاعتداء على وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس من قبل عدد من المحامين، وقد ردّت الهيئة الوطنية للمحامين في بيان لها اليوم الجمعة 20 سبتمبر حول هذا القرار مشددة على أن الدعوة للاضراب يعد تصعيدا غير مبرر وهروبا إلى الأمام وتعطيلا لمرفق العدالة ومس بحقوق المتقاضين وهو ما من شأنه أن يهز الثقة في القضاء.
وقد عبّرت عن دعمها ومساندتها لمطالب هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في الكشف عن حقيقة الاغتيالات السياسية، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المحامين.
وأدانت الهيئة الاعتداءات "الخطيرة" التي تعرّض لها لسان الدفاع والتي بلغت حدّ الاعتداء بالعنف الشديد، وما أقدم عليه وكيل الجمهورية من اذن بتدخل قوات الأمن المستقدمة من خارج أمن المحكمة بأعداد غفيرة.
وحمّلت وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية تونس 1 كامل المسؤولية لما آلت إليه الأمور من تعرّض المحامين لشتّى الاعتداءات وتعطيل مرفق القضاء، مطالبة بمحاسبة كل من شارك في عملية الاعتداء ومن أصدر الأوامر بذلك.
وفنّدت الهيئة البيانات الصادرة عن بعض الأطراف وما جاء فيها من "تصعيد وتشنج وذكر وقائع غير صحيحة" تتمثل في اقتحام المحامين لمكتب وكيل الجمهورية. مطالبة بمحاسبة كل من شارك في عملية الاعتداء.
كان ملف الشهيدين وما يزال لغزا من الصعب حلّه لغياب الأدلة التي "تدين طرفا بعينه" بالرغم من إصرار هيئة الدفاع والجبهة الشعبية على توفر الاثباتات والوثائق الضرورية التي تدين حركة النهضة.
مروى يوسف
تعليقك
Commentaires