كيف يقيم البنك الدولي الاقتصاد التونسي ؟
حددت الحكومة التونسية حجم ميزانية الدولة لسنة 2022، بـ 57291 مليون دينار، منها 21735 مليون دينار نفقات تأجير و 7262 مليون دينار نفقات الدعم، و هكذا يرتفع حجم ميزانية الدولة هذه السنة بنسبة 3.2 بالمائة مقارنة بقانون المالية التعديلي لسنة 2021.
و تحتاج خزينة الدولة الى تمويل بـ 18673 مليون دينار وحاجيات خرينة بـ1310 مليون دينار، الامر الذي يدفعها الى تعبئة حاجيات الاقتراض إلى حدود 19983 مليون دينار منها 12652 م.د اقتراض خارجي و 7381 م.د اقتراض داخلي .
هذه القانون يكشف وضع الاقتصاد التونسي الدقيق و الذي شهد تراجعا خلال السنوات القليلة الماضية انطلق منذ سنة 2012 حين بلغ النمو الاقتصادي نسبة 3.7 بالمائة ، و نسبة 2.6 بالمائة سنة 2013 ، و 2.3 بالمائة سنة 2014 و تدحرج سنة 2015 ليسجل 0.8 بالمائة و 0.9 بالمائة سنة 2019 ، ليسجل سنة 2020 تراجعا قياسيا بنسبة 8.8 - بالمائة.
وأشار البنك الدولي في تقرير نشره يوم الثلاثاء 11 جانفي 2022 ، الى تباطؤ وتيرة النمو العالمي الى حدود سنة 2023، الامر الذي سيؤدي الى تفاقم مخاطر حدوث "هبوط حاد" في الاقتصادات النامية. و تحدث البنك الدولي عن إمكانية تحقيق الاقتصاد التونسي نموا بنسبة 3.5 بالمائة خلال سنة 2022 بنسبة 3.3 بالمائة في سنة 2023 ، و ذلك بعد تسجيل نسبة نمو قدرت ب 2.9 بالمائة سنة 2021.
وأصدر البنك الدولي أمس الثلاثاء 25 جانفي 2022 ، تقرير "المرصد الاقتصادي لتونس" حمل عنوان "الإصلاحات الاقتصادية ضرورية للخروج من الأزمة" دعا فيه إلى ضرورة تكريس إصلاحات هيكلية من أجل التعافي الاقتصادي . ورجح التقرير تواصل التعافي البطيئ خلال سنة 2022–2023 ، اذا لم تنفَّذ الحكومة التونسية اصلاحات هيكلية حاسمة . ومن المتوقع أن يستمر الانخفاض التدريجي في عجز الموازنة على المدى المتوسط ، حيث سيبلغ 5– بالمائة 7 ، من إجمالي الناتج المحلي في 2022–2023 ، بالنظر إلى الانخفاض المتوقع في الانفاق المتعلق بالصحة، بشرط الحفاظ على مسار النفقات و المداخيل الجبائية الى حد ما ، وفق ما جاء في التقرير.
و أوضح التقرير ان بطء التعافي يعود الى ثلاثة أسباب رئيسية من بينها انخفاض حركة التنقل و الذي تسببت فيه جائحة كورونا ، انخفاض مستوى الدعم العمومي للشركات والأسر المتعثرة و الى بنية الاقتصاد التونسي " لا سيما من حيث اعتماده على السياحة قد جعلته عرضة لصدمة سلبية على جانب الطلب أكثر من البلدان الأخرى . وواقع الأمر أن الفنادق و المطاعم و المقاهي و النقل كانت هي أكثر القطاعات انكماشا منذ بداية الجائحة " .
واعتبر البنك الدولي في تقريره أن القيود الشديدة على الاستثمارات و المنافسة قد تكون عاملا مهما آخر وراء ضعف الأداء الاقتصادي في تونس خلال الجائحة "فهذه القيود تحد من اعادة تخصيص الموارد على مستوى القطاعات و أيضا داخلها و هو أمر بالغ الأهمية في وقت يجب ان تحل فيه الأنشطة الجديدة المتأثرة سلبا بالجائحة " .
و قال البنك الدولي أن من بين أسباب جمود الاقتصاد التونسي هي الإفراط في التشريعات التي تنظم الأسواق سواء أسواق المنتجات او أسواق عوامل الإنتاج ، و تحدث عن القطاع المالي كمثال لسوق تقيد فيه التشريعات.
و جاء في التقرير " تتسبب الدولة يف تشوه الأسواق عن طريق تطبيق تشريعات تقوم على المراقبة المسبقة . تقييد التشريعات التي تطبقها تونس المنافسة في كل من القطاعات الداعمة والقطاع الحقيقي، مما يحد من دخول شركات جديدة، ويسهل حدوث تواطؤ في ما بين الشركات القائمة . ثانياً، تقوم الدولة بإزاحة القطاع الخاص من المشهد من خلال ملكيتها المباشرة للشركات و و المعاملة التفضيلية للشركات التي تمتلكها . وتمتلك الحكومة التونسية شركات عمومية أو تبدي محاباة لها في مجموعة كبيرة من القطاعات التجارية، بما في ذلك ثالثة من القطاعات األربعة التي تغطيها الدراسة التشخيصية المنهجية للقطاع الخاص في تونس " .
وأضاف التقرير أنه و بالرغم من التقدم المحرز لا يزال الإطار المؤسساتي والتنظيمي لمكافحة الاحتكار قيد الإعداد و لا يوفر الحماية للمشاركين في السوق من السلوكيات التجارية المناهضة للمنافسة.
و بحسب البنك الدولي دفعت حالات عجز الميزانية المتراكم منذ سنة 2011 إلى زيادة حادة في الدين العمومي كنسبة من إجمالي الناتج المحلي من 52 بالمائة سنة 2015 الى 84 بالمائة سنة 2021 و تعد الديون الخارجية الجزء الأكبر من هذا العجز . و أدى ارتفاع نسبة الديون و غياب الإصلاحات والتأخر في إجراء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي إلى إبعاد الحكومة التونسية فعليا عن أسواق رأس المال الدولية و ما صاحبه من من انخفاض التصنيفات السيادية سنة 2021 .
و لا يزال مصير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي غامضا ، وسط غياب رؤية اقتصادية واضحة فالحكومات المتعاقبة كانت ولا تزال تسبق الإصلاحات السياسية على الاصلاحات الاقتصادية ، في الوقت الذي يعد فيه الوضع الاقتصادي ملحا في البلاد .
رباب علوي
تعليقك
Commentaires