alexametrics
الأولى

الأطباء في تونس: من الاصطدام بالواقع إلى الهجرة للخارج

مدّة القراءة : 4 دقيقة
الأطباء في تونس: من الاصطدام بالواقع إلى الهجرة للخارج

  

يتواصل نزيف هجرة الأطباء ومغادرة الكفاءات الطبية للمستشفيات العمومية نحو القطاع الخاص في تونس منذ سنوات وسط مخاوف من انعكاس ذلك على المنظومة الصحية العمومية التي تعيش حالة من الانهيار وتردي الخدمات.


15 جويلية 2019 أعلنت أخصائية أمراض القلب ورئيسة قسم القلب بمستشفى الطاهر المعموري بنابل نادية بركات عن مغادرتها المستشفى.

وذكرت في تدوينة لها أن واجهت كثيرا اشكال نقص الأدوية وخصوصا دواء ''سينتروم'' مما تسبب في وفاة كهل كانت تباشر حالته.

وأكدت الطبيبة أنها اتصلت كثيرا بوزارة الصحة والصيدلية المركزية دون إيجاد حل لأزمة نقص الأدوية فاختارت أن تغادر المستشفى بعد استحالة إنقاذ القطاع ، مؤكدة أنها سخرت حياتها من أجل المرضى لكنها لم تعد تجد السبل الكفيلة للقيام بواجبها على أكمل وجه.

وتُعد تونس البلد الثاني عربيا في هجرة الكفاءات العلمية والأكاديمية بعد سوريا التي تعيش حالة حرب ومن الطبيعي تفاقم نسب هجرة الكفاءات فيها، لكن من المريب أن يتواصل نزيف مغادرة الكفاءات التونسية وهجرتهم لبلدهم بهذه الأرقام المفزعة دون إيجاد حل جذري.

شهدت تونس خلال سنة 2018 هجرة عدد كبير من الأطباء حيث غادروا البلاد للعمل بدول أوروبية وخليجية على غرار ألمانيا وفرنسا وقطر والسعودية وبلغ عدد الأطباء التونسيين المهاجرين خلال 2018 650 طبيبا.

وحسب منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية فقد بلغ عدد الكفاءات المهاجرة 94 ألف بين 2011 و 2017.


هجرة الكفاءات: الأطباء والمهندسين في صدارة الأرقام


ويتصدر المهندسين ثم الأطباء هذه القائمة حيث بلغ عدد المهندسين المهاجرين خلال سنة 2016 عشرة ألاف و بالنسبة للأطباء تتراوح نسبة المهاجرين سنويا بين 15 بالمائة و20 بالمائة من المتخرجين سنويا.

وقد سبق وصرح وزير الصحة السابق عبد رؤوف الشريف أن تونس تعاني من مغادرة أطباء الإختصاص نحو أوروبا وخاصة فرنسا التي استقطبت لوحدها 300 طبيبا سنة 2017 و420 طبيبا خلال سنة 2018 إضافة إلى الهجرة نحو البلدان الخليجية.

تنفق تونس ميزانية كبيرة على كليات الطب والصيدلة إذ أن كلفة تعليم طالب طب تكلف الدولة قرابة 100 ألف دينار سنويا.

ويهاجر الأطباء لأسباب عديدة أبرزها إغراءات رواتب الأطباء في الخارج مقارنة بتونس والتي تساوي ستة أضعاف الراتب الذي يتقاضاه الطبيب في تونس.

وقد أكد  نائب رئيس منظمة الأطباء الشبان أيمن بالطيب في تدوينة على صفحته الرسمية بموقع الفيسبوك أن 1000 طبيب لم يحصلوا على راتبهم طيلة 5 أشهر هذه السنة مما اضطرهم الى التداين وتغيير أماكن عملهم.

من جهته أيضا أكد رئيس المنظمة جاد الهنشيري في تصريح إعلامي أن أجر الطبيب المتربص في المستشفيات التونسية لا يتجاوز 1200 دينار وهو مبلغ زهيد مقارنة بارتفاع تكلفة المعيشة وفق تصريحه.

ويُخير عديد الأطباء المغادرة عند ارتطامهم بالواقع المتدهور للصحة العمومية في تونس، الذي يمنعهم من إتمام واجبهم المهني على أحسن ما يكون مما يدفعهم لاختيار المغادرة نحو القطاع الخاص أو خارج البلاد.


أبرز مشاكل القطاع الصحي:

يعيش قطاع الصحة في تونس نقائصا كبيرة من بينها نقص الأجهزة والمعدات اللازمة للعملية الطبية كأجهزة السكانار والأشعة والتي يحتاجها المريض بشكل يومي أثناء قدومه للعلاج ونقص الطاقم الطبي والشبه الطبي وطب الإختصاص مما يسبب تأخيرا في العلاج وفوضى عارمة تعم المستشفيات إذ كثيرا ما يفوق عدد المرضى طاقة استيعاب المستشفى ومعداته الموجودة.

كما يعاني المرضى داخل أروقة المستشفيات العمومية من طول الإنتظار وبطء العلاج وتباعد المواعيد وسوء التنظيم وتخلف الإدارة التي لم تتوصل بعد إلى الرقمنة بما يسهل الخدمات، لذلك نجد يوميا طوابير من المنتظرين أمام مكاتب التسجيل وقاعات انتظار ممتلئة ومرضى يتأوهون ومواعيدا مؤجلة إلى أشهر...

ويمثل نقص الأدوية الإشكال الأخطر على الإطلاق وهو المسبب الأول للمأساة ،فرغم تخصيص نسب كبيرة من ميزانية وزارة الصحة لإقتناء الأدوية تعاني المستشفيات والمراكز الصحية والمستوصفات  من نفاذ مخزون الأدوية وفقدانها وحسب المتدخلين في القطاع تعود أسباب ذلك إلى غياب سياسة صحية جدية للدولة وسوء الاستخدام الرشيد للأدوية ونقص التمويل والفساد.

وقد تلت حادثة وفاة الرضع بمستشفى الرابطة حملة كبيرة من عدد من الأطباء لفضح المستشفيات العمومية ورصد حجم تردي الأوضاع والتي كشفت من جديد عن الصعوبات والنقائص والفوضى التي تشهدها كل المؤسسات الصحية بتونس.

 

ويمثل الفساد الذي ينخر قطاع الصحة  حسب ما أقرت به وزيرة الصحة السابقة سميرة مرعي وحتى تقرير دائرة المحاسبات في أكثر من مرة مظهرا أخرا من مظاهر إنهيار المنظومة الصحية وفقدانها لتوازنها وثبت ذلك بالكاشف خلال صفقات الأدوية المشبوهة المتمثلة في صفقة اللوالب القلبية الاصطناعية غير الصالحة التي تمّ ضبطها في عشرات من المصحات الخاصة إضافة لسوء التخدير بالمستشفيات العمومية مما أدى إلى وفاة ثلاث مرضى، وكذلك الإشكال المتمثل في التفاوت بين الجهات، إذ يغيب طب الاختصاص عن الجهات الداخلية وتنعدم فيها أبسط المعدات الطبية اللازمة والذي تبرره وزارة الصحة بغياب التمويل الكافي.


ميزانية وزارة الصحة:

وتقدر ميزانية الدولة للصحة لسنة 2019  ب 2055 فاصل 318 مليون دينار بعد أن كانت 1875 فاصل 218 سنة 2018 وميزانيتها تعد ظئيلة بالنظر الى احتياجاتها ومقارنة بميزانية وزارة التربية وزارة الداخلية ووزارة الدفاع والأمر ويفسر ذلك بإعتبار أن البلاد في حالة حرب متواصلة ضدّ الإرهاب لكن الم يحن الوقت لإعلان الحرب ضدّ إنهيار القطاع الصحي في تونس حتى يتسنى لنا المحافظة على الكفاءات المهاجرة .

 

 

 

 

 

 

 حوار وطني حول الصحة

نظمت رئاسة الحكومة بالمشاركة مع وزارة الصحة حوارا وطنيا حول الصحة في مارس 2019 عقب فاجعة الرابطة بحضور عدد من الأطباء من كل جهات البلاد ومديري أقسام قدموا أبرز الصعوبات والنقائص ومشاكل القطاع التي يتعرضون لها يوميا أثناء قيامهم بواجباتهم المهنية.

 وأكد رئيس الحكومة يوسف الشاهد اتخاذ إجراءات عاجلة للنهوض  بالقطاع الصحي للخروج من  الأزمة في غضون 19 بإرجاع الانتدابات ما بين سنتي 2020 و 2021 وإيقاف نزيف هجرة الكفاءات الطبية والتصدي للفساد  ومنع الانفلات والتسيب داخل المستشفيات.



 منذ السنوات الأخيرة وضعت الدولة عديد الإجراءات وترسانة من القرارات والحلول للنهوض بالقطاع الصحي غير أن عديد الإشكاليات كالتمويل والفساد وغياب الحوكمة وسوء التصرف ظلت عوائق أمام سبل الإصلاح إضافة لإرهاق كاهل المالية العمومية بالدين العمومي وغياب السياسة الصحية الشاملة التي تؤسس لعدالة صحية حقيقية، مما نفر الأطباء من مناخ العمل وجعل من أرقام الهجرة في تزايد مستمر وهو ما ينذر بالخطر ويتطلب تدخلا عاجلا لمقاومة كل مظاهر اختلال القطاع الصحي وعلى رأسها هجرة الكفاءات التونسية إلى الخارج.

سناء عدوني

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter