الأسرة التونسية: برنامج الغنوشي الانتخابي؟؟ فهل تعلمون ماذا يحمل في جرابه؟؟
مرّ حديث الغنوشي في " حنّبعل" قناة "الأسرة"، مرور الكرام.. وجانبت سهام الغنوشي آذان الناس.. والسبب بسيط: لأنّ الجميع منشغل بتدافع آخر ، وبهمٍّ آخر ومشاكل حارقة أخرى..
تحدّث الرجل طويلا، و طلع علينا في مظهر يحاكي قلقنا الذي يرجّ همومنا في تلك الأيام، وبالرغم من الجهود التي تكلّفها في الحديث بنبرة المطمئنّ ، وفي إخراج عباراته برتابة تدفعك إلى تركيز النظر فيه فإنّك تتساءل إن كان الرجل منتبها لمحدّثته الرفيقة جدّا به!! على كلّ ليست تلك قضيتنا، وإنّما استوقفني في حديثه جملة سرعان ما التقطها جهاز الحركة الإعلامي لتتصدّر عنوانا لحواره في المواقع الرسمية الإخوانية: " حركة النهضة تسعى إلى المواءمة بين الديمقراطية و المحافظة فهي حزب الإسلام الديمقراطي و حزب الأسرة التونسية ". وتبيّن لي أنّ المشروع الإخواني لا يعبث بمبادئه.. كما أدركت أنّ التنظيم وإن سعى بلفظة الديمقراطية" إلى مغازلة الآخر المساند له فهو جادّ في مشروع تحريك الهمم لثورة اجتماعية .. ثورة تغيّر ما بقي قائما في مجتمعنا وحائلا دون بناء مجتمع إسلاموي كما يرتضيه أجداد الإخوان ورقباؤهم.. وأدركت أيضا أن الوقت حان بالنسبة إليهم، خاصّة وأن الكثير من أتباعهم قد عيل صبرهم، وملّوا الانتظار فاهترأ الحبل الرابط لعروتهم الوثقى ، ومن يدري ما تخفيه الأيام من مفاجآت وعواصف قد تأتي على الأخضر واليابس.. وعلى المكاسب والأحلام..
قد يطول بنا الحديث، ولذلك ارتأيت أن نقف عند نقاط أعتقد أنّها بالغة الأهمّية، وهي:
- ماذا يقصد الغنوشي من لفظ " أسرة" ؟ هل يوظّفها من منطلق إخواني أم من منظور مواطني؟ وحذار فالفارق شاسع بينهما. لأنّ الحديث عن الأسرة بمفهومها الإخواني يغيّب المرأة ، وإن تحدّث عنها فبالإشارة والإيماء ، هي الأخت المؤمنة لا غير، أخت عليها أن تدخل الحياة السياسية من منطلق التسليم بقاعدة الولاية والعدالة الإلهية التي سجنتها في قالب الدونية، ومن منطلق محاربة المرأة المطالبة بالمساواة التامّة. وحذار، فهذا الحديث هو من قبيل المنكر الرافض لمشيئة الله في كيفية خلقها.. لذلك لا يغرّنك يا سيدتي و يا سيّدي ما يروّجه شرّاح آراء الغنوشي من أنّه مدافع شرس عن المرأة وعن حقها في الحياة السياسية.. ويقبل بها رئيسة.. لأنّ هذه المرأة في فلسفته ليست سوى " عورة"، ومكمّلة لبنية أسرة تقوم تركيبتها على ما فرضته عليها الشريعة من أحكام..
- منطلق ثان يبنيه الإخوان في برنامجهم الثوري لإصلاح المجتمع عموما والمرأة على وجه الخصوص: فهؤلاء النسوة المطالبات بالمساواة لسن في نهاية الأمر سوى ضحايا اغتررن بزيف الغرب الذي عبث " بكياننا الاجتماعي حاملاً قيمًا خلاّبة كالحرية والمساواة ، كان من الطبيعي أن يكون تفاعل المرأة ، وهي ترزح تحت أشكالٍ شتى من المظالم ،مع مغريات الغرب" هذا القول قوله يغذّيه بالتأكيد على أنّ الفضل في إيقاظ المرأة يعود إلى حركة الإخوان ، تلك "الحركة الإسلامية وجدت نفسها أمام مجتمع مائع منحلّ فلم تر منه غير سطحه :العري والتبرّج والخروج من البيت والاختلاط ، فثارت ثائرتها ضد هذه المظاهر داعية إلى العودة إلى الإسلام"، والقول قوله أيضا. فهذا الحديث القديم الجديد يستبطن في يسر ما ينوي الغنوشي إدخاله من ثورية في الأسرة التونسية، وهو مدوّن في كتبه وحواراته، وبقي راسخا إلى يومنا هذا وقد سما عن المراجعات وارتفع عنها، وكيف له أن يتراجع عن مشروع لم يبدأ في تجريبه؟ بما أنّنا منذ 2011 وإلى اليوم نعيش على نغمة المثل التونسي " يتعلّم الحجامة في روس اليتامى"..
- ستندلع نار الثورة الاجتماعية الغنوشية وقد ارتكزت على جملة من المواقف ، لم يجد الرجل حرجا في التعبير عنها خاصّة في سنوات الترويكا، وإن كان يسلك هذه السنوات سبيل التقيّة واللين، وسياسة الكرّ والفرّ كلّما قامت في وجه برنامجه المرأة " المغترّة بالحداثة الغربية" فتلك سياسة الازدواجية التي لا تغيب عن طعام مثل الملح. هذه المواقف يمكن تلخيصها في جملة واحدة" الكره المقيت لمجلة الأحوال الشخصية والمشروع البورقيبي". وفي هذه المسألة يكفيك أيها القارئ أن تقف على فصل في كتاب الغنوشي " المرأة بين القرآن وواقع المسلمين"، وعنوانه :" التمزّق الأسري في تونس ومجلّة الأحوال الشخصية". لكن يستوقفنا التعليق في هامش المقال ومفاده أنّ هذا البحث هو تحليل حضاري للمجتمع التونسي. وكتب سنة 84 بسجن الناظور ، ثمّ اعتُمد وثيقة رئيسية في وضع استراتيجيا الحركة في مؤتمر الجماعة سنة 87. ونتيجة لذلك فالفصل هامّ لما يتضمّنه من مشاريع ظلّت معلّقة وتنتظر لحظة التنفيذ.. وهي مشاريع صالحة منذ الثمانينات وإلى يومنا هذا، وسيما وأنّ الرجل مهموم بالمرأة التونسية حتى وهو بالناظور ، يبحث لها عن حلول تحرّرها من الحرّية لتعيدها إلى قضبان السجن الشرعي/ الحلال
- ما يستوقفنا في هذا المقال/ الوثيقة هو كره الرجل المقيت للزعيم بورقيبة، وسعيه إلى تقزيم مجلّة الأحوال الشخصية التي لم تكن في نظره سوى استجابة لشروط خارجية فرضها الغرب على بورقيبة، فكانت هذه المجلّة زنيمة على الشعب التونسي. يقول الغنوشي من باب المبالغة وترتيب النتائج على غير أسبابها أن نعتبر أنّ ما نالته المرأة من حق التعليم والشغل هو الأثر المباشر لمجلّة الأحوال الشخصية.. وكأنّ تونس ظاهرة فريدة في بلاد العرب والمسلمين التي لم يمنّ عليها القدر ببورقيبة.. ويسترسل ليبيّن أنّ أفضل مثال بلغته المرأة المسلمة هي المرأة السودانية التي لم تتنكّر للشريعة باعتبارها الحافظة "لمضامين حياة الناس الاقتصاديّة والاجتماعيّة والخلقيّة والسياسيّة، والعلاقات الدوليّة والعقوبات" وفيها أوامر عامّة وشرائع تفصيليّة".
- يرمي الغنوشي في سلّة المهملات جميع القوانين التي تضمنتها المجلة: من منع تعدّد الزوجات وقد استنتج أن الطلاق لم يتوقّف، وفي هذا الموقف يعبّر الرجل عن جهل أو تجاهل لدور مثل هذه القوانين في السعي بالمرأة حثيثا إلى إقرار مساواتها بالرجل، وذلك عن طريق مأسسة العلاقات الأسرية وإخراجها من سلطة المحاكم الشرعية.. واستنكر ما أقرّته المجلّة من أحكام في التبنّي ليعتبرها مناقضة لمبادئ الشرع... وينبّه إلى خطر ما أقرّه بورقيبة من بعث مؤسسة " أطفال بورقيبة" ،تحتضن الأبناء الذي يولدون خارج الأطر القانونية ،وتعدّهم حسب رأيه طبعا، لتصديرهم إلى مؤسسات أوربية كنسية وغيرها أو لاحتضانهم بالتبنّي..
- احتدّ مرض الغنوشي ببورقيبة ، وبلغ درجة ميؤوسا منها، فلا يجد حرجا في نعته " بالإباحي" ، ودليله على ذلك " لقد حكى بورقيبة بشكل رسمي عن إباحيته، ويكفي شهادة على فشل نموذجه الأسري أنّه وقد تخطّى الثمانين طلّق زوجته " الماجدة" ليخلو له الجوّ للتصافي ولا يتحدّث الناس أنّه قنع بمعاشرة امرأة واحدة، فلم المزايدة على اٍلإسلام؟" . ارتسمت بذلك في ذهن الرجل رؤية واضحة لمكانة المرأة التونسية في عهد المجلّة الشخصية وفي عهد بورقيبة: فهي ليست سوى " سلعة في سوق الشغل والإعلام والسياحة مستغلّة إحساسها الجمالي العاطفي الرقيق لاستخدامها طمعا لاستجلاب الزبائن والترفيه على السواح وسوقا لا تنضب لاستهلاك اللاهث". مثل هذا الموقف بقي راسخا في أتباع التنظيم ، وفي التاريخ القريب صرّح أحد أبناء الغنوشي أنّ السياحة وجه من أوجع البغاء. وينهض هذا دليلا على أنّ الجماعة لا تدير ظهرها البتة لبرامجها.
أرأيتم كيف ينظر الغنوشي وتلاميذه إلى المرأة التونسية المعاصرة؟ المرأة التي ناضلت ولا تزال لأجل وطن حرّ عقلاني؟؟ أرأيتم أنّ المرأة في برنامج النهضة لن تتجاوز الخطوط الحمراء التي رسمت لها؟.. ولا يغرّنكم حديثهم عن أنّهم تغيّروا.. وإن تغيّروا ففي طريقة تعاملهم معنا، عملا بالمبدإ " الغاية تبرّر الوسيلة" . دستورهم محفوظ بين دفّات كتب الغنوشي التي بادر منذ 2011 بإعادة طبعها دون مسّ أو حذف.. ومن يريد أن يتغنّى بأنّ الجماعة تنكّروا لمواقفهم فليعد إلى الثابت في مقالاتهم وليترك زيف تحوّلاتهم المفبركة.
جولة قصيرة في أرجاء تفكير الغنوشي وفي المبادئ التي ستبني مشروعه الاجتماعي إن كتب له الانتصار في الانتخابات.. وأرجو أن نكون جميعنا قد فهمنا الرسالة ..
أدركت في نهاية الحوار أنّ الزعيم الإخواني توجّه بحديثه إلى أنصاره تلك الليلة.. ولذلك كان حضور المحدّثة صوريا ومن قبيل الحشو .. أغمض الرجل عينيه ليستحضر في مخيلته قاعدته الانتخابية التي بدأت تنفضّ عنه" فكان حديث الروح للروح"
احذري أيتها المرأة .. فالرجل يتنمّر.
تعليقك
Commentaires