alexametrics
أفكار

الاخشيدي:عمى البصيرة وضياع الحكم

مدّة القراءة : 4 دقيقة
الاخشيدي:عمى البصيرة وضياع الحكم

 

بقلم: سعيدة خماسي

 

لو سألت عموم التونسيين من هو الاخشيدي؟ سيجيبون مباشرة وبإصرار عجيب:"هو رئيس الجمهورية قيس سعيد"! وكل التعليقات والتدوينات على وسائل التواصل الاجتماعي التي فيها اشارة الى "الإخشيدي" يقصد بها رئيس دولتنا… كل حسب نيته ومراده طبعا.

 

السبب واضح وهو ان قيسسعيدهومنقدمشخصيةالاخشيديالىالتوانسة ، خلال حملته الانتخابية لكرسي الرئاسة قبل ثلاث سنوات. والواضح ان رئيس الجمهورية مطلع على تاريخ الدولة الاخشيدية وعلى شخصية حاكمها المراوغة ولذلك تبرأ من تلك الصفة !!

 

القصد هنا هو "أبو المسك كافور الاخشيدي" الذي تسلل الى الحكم بعد وفاة ولي نعمته مؤسس الدولة الاخشيدية "محمد بن طغج" سنة 946 للميلاد/ القرن الرابع للهجرة في مصر (والشام). والدولة الاخشيدية حكمها عمليا شخصان فقط قبل ان تعبث بها رياح التغيير فتسقط.

 

ليس من قبيل التعسف على التاريخ ان نبحث في الفرق بين "إخشيد التونسيين" و"إخشيد المصريين في ذلك العهد" وبين "دولة اخشيدنا" و"دولة اخشيدهم"، انما ليس من العجب ان يعيد التاريخ نفسه في صور مختلفة طريفة حينا وكارثية حينا آخر.

بداية يجب الاشارة الى ان "الاخشيدي" (عبارة فارسية تعني الذكي النبيه) إسم أطلقه المؤرخون على مملوك خصي اغتصب حكم الدولة الاخشيدية ورفض تشريك ورثة عرش مصر الشرعيين بل وقتلهم بالسم تباعا، وهو كافور. ومن كثرة ما اتهمه الناس بعدم شرعية حكمه لقب نفسه "بالأستاذ" لتجنب لقب حاكم الدولة. وعاش الناس في حالة من الالتباس هذه طوال 23 سنة!!

ومنذ بداية حكمه، عمل كافور الاخشيدي على جمع كل السلطات بين يديه، متحديا بذلك نواميس الحكم في الخلافة العباسية، حتى انه ألغى استقلالية القضاء فأصبح يعين القضاة بنفسه، والحال أن تسمية القضاة من بين الفقهاء والحكماء، مهمة تعود الى قاضي القضاة في بغداد، مركز الحكم العباسي.

 

الاخشيدي مقصد المتزلفين

 

ويذكر المؤرخون، ان كافور الاخشيدي كان قبيح المنظر بطيئا، ثقيل البدن، قبيح القدمين، مثقوب الشفة السفلى. واعتبر "من أعاجيب الدنيا وعدت سيرته وسلوكه من أغرب السير" !!

 

وكان كافور يسجد لله ويتهجد، وكانت له بعض صفات الزعامة وهي: معرفته بطبائع الناس ومعاملاتهم، اتقانه خداع الجميع (لقب نفسه بالأستاذ رغم انه الحاكم الفعلي، وكان يذعن بالطاعة لبني العباس ويهادن المعز لدين الله الشيعي الفاطمي كما كان يجل أهل البيت من السنة ويكرم الشيعة العلويبن في نفس الوقت) فضلا عن إحكامه تصنع الحلم حينا وإظهار الغضب حينا آخر.

ولا غرابة فقد كان كافور الاخشيدي قبلة للطامعين في المناصب والمتزلفين من شعراء وأدباء وسياسيين، فكانو يتمسحون بمجالسه وأشهر هؤلاء أبو الطيب المتنبي الذي أطنب في مدح كافور، رغم علمه بعدم شرعيته، وقال فيه شعرا مشهورا طمعا بأن يوليه حاكما على احدى ولاياته مثلما وعده، ثم ما فتئ أن هجاه بقصيدة شهيرة أخرى بعد أن يئس من الحصول على مطمعه.

 

القضاء في الدولة الاخشيدية وبذور السقوط

 

كما ذكرنا فإن جهاز القضاء قد فقد بريقه في الدولة الاخشيدية منذ ان تولى كافور بنفسه تسمية القضاة بالارتشاء والمحسوبية. ولم يكن طالبو هذا المنصب الخطير لا من الفقهاء ولا من الذين يصلحون لتولي الأحكام، بل هم من الساعين الى الجاه والثروة والسلطان.

 ونقل المؤرخون ان مصر لم تعهد ترذيلا لجهاز القضاء قبل حكم الاخشيدي ووزرائه الذين كانوا يقبلون الرشاوى مثلهم مثل زعيمهم.

ولما كان الحال كذلك، ولما كان البقاء في منصب القاضي يتطلب تقديم فروض الطاعة والولاء لحاكم الدولة، فان الأحكام بين المتظلمين انحرفت عن مبدإ العدل وصارت تقيم بمدى رضاء حاكم الدولة عنها فكان "القاضي كالمحجور عليه لكثرة جلوس كافور للمظالم". بل ان الاخشيدي كان يتدخل لتغيير الأحكام تبعا لمصلحته هو وداعميه حتى وصل الى تهميش القضاة أنفسهم وترؤس مجالس القضاء بنفسه!!

وذكر المؤرخون أن الفساد في ذلك العهد كان ينخر تلك السلطة الخطيرة حتى قيل في أحد القضاة بأنه "كان عارفا بأخذ الدراهم والدنانير والهدايا، وكان مع ذلك لا يقبض درهما ولا يضم هدية حتى يقضي حاجة صاحبها".

ومثله مثل القضاء، كانت الحسبة، او منصب «المحتسب" يخضع لنفس المعايير. ورغم أهمية هذه الخطة -التي تشمل مراقبة تطبيق أحكام الشرع وتنظيم الاسواق والطرقات والاشراف على التجار والباعة والعمال وحماية الناس من الغش والتحيل -فإن الوصول اليها يستدعي دفع الرشوة فضلا عن الولاء السياسي للاخشيدي، حتى سئم الناس الحال فقيل في أحد هؤلاء المحتسبين:" لا حفظ الله من جعلك محتسبا، ولا رحم لك ولا له أما ولا أبا" !!

 

ومثلما اتضح، فإن كافور الاخشيدي لم يكن مؤهلا للحكم ولا فقيه في متطلباته بل كان مخاتلا، يدعي تلك الصفات وذاك، لعمري، منبت كل الشرور.  وعصفت الازمات بالدولة الاخشيدية حيث ساءت اوضاع البلاد المالية وانتشر الجوع بين الاهالي وكثرت الامراض والاوبئة وزاد منسوب الجرائم واضطرب الامن وكثرت حركات التمرد ففقدت الحكومة كل هيبة واستقرار. كما عجزت الدولة عن دفع رواتب الموظفين والجند بل عجزت حتى على جمع الضرائب فتمنى الناس الخلاص مما هم فيه.

ومما عمق ازمة الدولة الاخشيدية استمرار حالة الجفاف واختفاء الحبوب ومشتقاتها من الاسواق واضطراب أسعارها و"تزايدت أثمان الحبوب والاقوات وٱقترن بذلك وباء عظيم وهلك الضعيف من الناس وأكلوا الميتة والجيف وكانوا يسقطون موتى من الجوع…"

وسط هذا الهوان، نجحت القوى المتربصة بالدولة الاخشيدية في التغلغل بواسطة الدعاية السياسية والعقائدية بين السكان، خاصة دعاية الشيعة الفاطميين انطلاقا من المهدية مركز الحكم.

 ولم يفتأ أبو المسك كافور الاخشيدي أن مات سنة 968 الميلاد، وكانت الدولة على درجة من الفوضى والعصيان فلم تستطع ان تقاوم التهديد الفاطمي المباشر، واقتحمت جحافل الفاطميين دولة الاخشيدي بعد سنة واحدة فقط من ذلك التاريخ بقيادة جوهرالصقلي.

 

 —-------------------------

المراجع:

*يحي بن سعيد الانطاكي: تاريخ الانطاكي.

*أبو عمر محمد بن يوسف الكندي: كتاب الولاة وكتاب القضاة.

*سيدة اسماعيل الكاشف: مصر في عهد الاخشيديين.

*ابن زولاق: أخبار سيبويه المصري.

*محمد سهيل: تاريخ الطولونيين والاخشيديين والحمدانيين.

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter