alexametrics
الأولى

الإجابةُ دومًا.. تونس!

مدّة القراءة : 3 دقيقة
الإجابةُ دومًا.. تونس!

أرادُوها فوضى، أرادوها هلعًا يرمون بهِ في قلوبنا فنتبّعُ سنتهم خِشيةً من قطع الرقاب وتقطيع الأوصال، فكانَ فشلاً ذريعًا، ومادّة فكاهية دسمةً لشعبٍ ضحوك خفيفِ الرّوح! أيّ إرهاب، سيُثني التونسيين عن المُزاح، واهِمون، لا شيء يكسرنا.


الخميس 27 جوان 2019، نفضَ التونسيون عنهُمْ غبارَ الأمسِ متكاسلينَ ودخلوا اليوم الجديد، بعضهم مُستهلا نهارهُ بآيات القرآن، وبعضهمْ بصوتِ أم كلثوم- وبعضهم بالنشيد الوطني.

 تذمرّوا كالعادة من الحرارة، من حركة المرور، من أداء المنتخب الوطني، بدا صُبحًا عاديّا، لكن شخصا ما كان خارج التاريخ يعد نفسه لملاقاة حور العين، وآخر يستعد لإطلاق قنبلة يدويّة في دائرة مكافحة الارهاب بالقرجاني.  العاشرة ونصف صباحًا، سُمع دويّ انفجار هائل في نهج شارل ديغول بالعاصمة، فانطلقت الأفواج دون تفكير إلى مكان الحادثة وامتلئت الأزقة الخلفيّة ومكان الحادثة بالمتفرجين وسرعان ماطوّقت قواتنا الأمنية جثّة الارهابي الجبان أو ماتبقى منها. من يخون وطنه لن يجد تُرابًا يُدفن فيه، سيشعرُ بالبرد والعار حتى وهو ميّت.  

 

كانت بيزنس نيوز حاضرةً على عين المكان، لكننا لم نرَ الخوف والإرتباك التّي تحدثت عنه وسائل إعلام أجنبيّة، من أوّل شارع الثورة- الحبيب بورقيبة الى مكان الحادثة، كان نسقُ الحياةِ عاديّا ولم نستقرءْ سوى الثقةِ في القوات الأمنية والعزم على طردِ آخرالخونة التي مازالت تريدُ تحويل البلد العربي الحر والديمقراطي الوحيد، الى إمارة داعشيّـة. كانت الحرارة تتجاوز سقف 35 درجة، وكان الشارع يضّج بالحياة على مقربة أمتار من الموت ولم يثني التونسيين شيئ عن الوقوف جانب الأمن والجيش الوطني، وحتى قوات الحماية المدنية لتشجيعهم. كان من المفترض- حسب أطروحاتهم الظلامية أن نرتعد ونلزم منازلنا، لكنهم لم يدركوا أن فرادة التونسيين تأبى إسقاط الاطروحات الجاهزة، وأننا لا نشبه أحدا سوى أنفسنا.

 

 

توهموا أن رمي الإرهاب في  العاصمة، سينجح مثلما نجح في مصر ولبنان والعراق، في كسر عزائم الامن والجيش وتشتيت قواهم بضربات متزامنة تبعث الحيرة في ادارة الأزمة والاختيارات السريعة التي تتخذ في ثوان. فشلوا في ذلك أيضا، ونوالت التعزيزات الى العاصمة والى القرجاني والى جبل عرباطة، وتم تحديد هويات الارهابيين في اقل من 12 ساعة. نزل التونسيون الى الشارع، هتفت حناجرهم "تونس حرة حرة والارهاب على برة"، صفقوا لدى مرور الدوؤيات الأمنية، علقوا الرايات الحمر على شرفات مكاتبهم ومنازلهم. غير بعيد عن مكان الهجمة، ظلت خيمة أيام قرطاج السياحية تتوسط الشارع الرئيسي، تضم عارضات للمنتوجات التقليدية التونسية، اللات لم يغادرن بنقشاتها الزاهية وألوان الحياة.

 

بعد ساعات قليلة، زار رئيس الحكومة يوسف الشاهد الشارع الرمز- في مشهد قد لاتراه أبدا في بلد عربي اخر، فاخواننا العرب لايخاطرون بحياة الرئيس أو الوزير أو نائب الوزير أو سائق الوزير. تلاه بعد دقائق، وزير السياحة روني الطرابلسي، بينما ذهب كل من هشام الفوراتي وزير الداخلية وسنية بالشيخ وزيرة الصحة بالنيابة لزيارة جرحى العمليتين من قواتنا الوطنية، هكذا تدار الأزمات في البلدان الديمقراطية، دون انقلابات عسكرية وحروب أهلية وحروب شوارع، رغم أن القائد الاعلى للقوات المسلحة ورأس الدولة كان حينها بصدد تلقي العلاج في المستشفى العسكري، وتلك قصة أخرى.

 

في الصباح الاستثنائي ذاته، أعلن فراس قفراش أن رئيس الجمهورية يمر بأزمة صحية حرجة، تصريح واحد كان كفيلا باطلاق صافرة الجنون للصحافة العربية، التي نقلت بعد دقائق خبر وفاة الباجي قائد السبسي دون أدنى قواعد العمل الصحفي المحترم، اولا قناتي العربية والحدث، ثم قناة النهار الجزائرية ويبدو أن موجة الفوضى لم تصب سوى الأشقاء العرب حيث لم تنشر أية وسيلة اعلام تونسية خبرا زائفا، مما أربك الرأي العام لفترة قصيرة. والواقع أن ان الارباك كان مفتعلا من مصادر خارجية لا تحترم خصوصيات الدول وشأنها الداخلي. يبدو أن جيراننا من الدول التي لم تنظم انتخابات في تاريخها وخطت دساتيرها بطرق عمودية، لا تدرك أن وفاة الرؤساء أمر طبيعي، تلك سنة الحياة، لأنه في المخيال العربي "الرئيس" وغالبا "الملك" اله لايموت، لذلك ذهب بعض الظن الى أن الاستثناء التونسي المقلق سيفشل بعد قائد السبسي، متناسين أن قائد السبسي جزء مشرف من التاريخ المعاصر التونسي ولكن التاريخ لايقف بعد رحيل الرئيس، سيرحل الجميع يوما ما، وتبقى تونس. للأسف، لم يعرفوا –جهلا منهم- أننا نظمنا الحياة السياسية بدستور مدني حداثي- ديمقراطي ينص على الأحكام الانتقالية، وأنه حتى في حالة الفراغ جراء عدم ارساء المحكمة الدستورية تتولى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين هذا الدور المفصلي.

 

لنا من الكفاءات القانونية والقضائة والدستورية ما سيحل الأزمة في ساعات، في حال حدوث أزمة والغالب ان قائد السبسي في حالة مستقرة ولا صحة للاشاعات العربية.  كل هذه الأحداث لو جرت في 24 ساعة في بلد اخر لكانت عصفت به وأدخلته في دوامة من الفوضى.. لكن ليس هنا. هنا قد نختلف مع الباجي قائد السبسي لكننا نحترمه لأنه يمثل الدولة الوطنية التي بنينها بالفكر والساعد والدماء، ولن نتركها للعمائم والجهل والكراهية. هنا طبيب الباجي قائد السبسي ينتمي الى حزب معارض، وحتى الرئيس السابق منصف المرزوقي نشر تدوينة تمنى فيها الشفاء للباجي.  هنا دولة قانون ومؤسسات لم تبنى على الأسماء والأشخاص. وحتى الرئيس نفسه يدرك هذا بل ويعتز به، كونه في الأصل رجل قانون.

 لكننا خسرنا في هذا اليوم واحدا من أبناء تونس، اذ تم صبيحة اليوم 28 جوان 2019 تشييع جثمان شهيد الوطن محافظ الشرطة البلدية مهدي الزمالي إلى مثواه الأخير بمقبرة العطار في سيدي حسين بالعاصمة، بعد ان استشهد امس متأثرا بجروحه اثر التفجير الإرهابي الذي جد بشارع شارل ديغول في العاصمة، حتى لا ننسى وسط الضجيج ابننا، شهيدنا، ذو الاربعة والعشرين ربيعا، اخر ضحايا محاولات الأسلمة العنيفة، أو الاسلام الغاضب كما يدعوه رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي.

عبير قاسمي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter