alexametrics
الأولى

ايقاف نبيل القروي.. حق أريد به باطل

مدّة القراءة : 4 دقيقة
ايقاف نبيل القروي.. حق أريد به باطل

 

 نبيل القروي لا يختلف كثيرا عن محمود المسعدي، طه حسين، فرانز كافكا. القروي ليس أديبا عظيما، أو مساهما –بأي شكل مفيد- في الموروث الانساني، لكنه يشترك مع هذه الأسماء في استثمارهم في المأساة كمفهوم/ فالرجل حول مأساته الشخصية الى حملة انتخابية- وأكثر. غير رياضة المتاجرة بالتراجيديا (مسلسلات مدبلجة وبث حي من المناطق المنكوبة)، دأب القروي على رياضة العداوة المعلنة للحكومة الحالية، وعلى بعض منظمات المجتمع المدني فأصبح من خلال شاشته الزرقاء معارضا ثوريا وزج بالشيخ امام –ظلما- في معركته ضد النظام، التي يسعى من خلالها أن يصبح هو النظام ذاته، وربما أسوأ.

 

بتوقيت تونس، ساعة الانتخابات

رغم شعبوية الرجل، وتتفيهه للمشهدية السياسية والاعلامية،  وحالة الاستعراض الدائمة/المرضية التي يعيشها، لا يغفل متابعو الشأن العام أن يدركوا أن المعركة بينه وبين معارضيه لم تكن يوما معركة أبطال النزاهة والشفافية ضد الفساد والتهرب. بل الشعبوية هي أن نصف القروي بالشعبوية ونسعى لتعويم المعركة وحصرها في خانة محاربة الفساد.

مثلما أوردت بيزنس نيوز، نقلا عن مصدر قضائي تمّ ايقاف المترشح للرئاسية عن حزب قلب تونس نبيل القروي  يوم 23 أوت 2019  أثناء عودته من باجة الى العاصمة على مستوى  محطة الاستخلاص بمجاز الباب على خلفية القضية التي رفعتها ضده منظمة أنا يقظ في تبييض الأموال والفساد. انتقائية منظمة 'أنا يقظ" فيما يخص الأسماء التي تقوم بالتقصي عنها تحيل الى نقاط استفهام عديدة، ذلك أن محاربة الفساد لايمكن أن تتجزأ وتكتسي ملمحا ضبابيا في طريقة اختيار الأسماء المتابعة. بنظرة سريعة على أرشيف المنظمة في الحملات والمقاضاة، نجد أن أعدائها عادة من دوائر "البيزنس" أي من رجال الأعمال/ ومن دوائر اليمين الحاكم (اليمين في السلطة)، مع تجاهل للأحزاب المعارضة، منظمات المجتمع المدني، الجمعيات المدعومة من الخارج، أصحاب المؤسسات الاعلامية، القضاة المتسيسون، وغيره. ضبابية في طريقة اختيار هذه الأسماء تأكدت اثر اعلان المنظمة أنها ستقوم بمتابعة 11 مترشحا فقط من أصل 30 في الرئاسية القادمة دون تقديم سبب واضح. أنا يقظ ليست منظمة تونسية بما أن تمويلها -كحال العديد من المنظمات- هو تمويل أجنبي، وبذلك لا يمكن أن تكون نوايا الجمعية بقدر البراءة المشاعة عنها.

المعركة بين اي ووتش والقروي، كذلك اكتست نواحي شخصية بعد تسريبات 2017 التي هدد وابتز فيها نبيل القروي أسماء من الجمعية، ودخول الشخصي في أي قضية يفقدها طابعها العادل. بهدوء، يمكن القول أن الهرع الى منح أنا يقظ وسام محاربة الفساد مازال مبكرا، وهو في حد ذاته، ضرب من الشعبوية. على مستوى ثان، يجب أن ننظر الى القروي كمرشح للرئاسة، وننظر الى الصورة الأكبر حتى نفهم أن ازاحته من السباق الرئاسي سيكون في مصلحة زملائه في تيار الزواليزم والشعبوية بدرجة أولى، قيس سعيد، الهاشمي الحامدي، البحري الجلاصي وعبير موسي. وسيكون في درجة ثانية في مصلحة المنافسين الجديين الذين تشير نتائج سبر الاراء الى امكانية وصولهم للدور الثاني أساسا عبد الفتاح مورو، يوسف الشاهد، عبد الكريم الزبيدي. ثلاثة اسماء من داخل السيستام ومن داخل السلطة. ومع تنزيه القضاء عن الانبطاح لضغوطات من داخل الحكومة/السلطة لكنه احتمال وارد جدا لا على مستوى الفبركة أو التلاعب أو الأوامر الجاهزة بل على مستوى التحكم في التوقيت. لنذكر مثلا، قضية الجهاز السري التي ذكر الأميرال كمال عكروت حسب ما أوردنا أن مجلس الأمن القومي نظر في الملف من أجل "التسريع في الاجراءات" القضائية. يبدو التسريع أو الابطاء في اجراءات القضاء هي تدخل عمودي مسموح به في حال كانت القضية تهم الشأن العام، وربما  تضمن التدخل في ملف القروي "تسريعا ما''.

 

 

لا نسألك رد القضاء.. بل استقلاليته

ان كان منصب رئاسة الدولة يمنح الفائز به الحصانة القضائية، فان الترشح له –للاسف بالنسبة للبعض- لا يمنحهم حصانة. بمعنى أن المترشحين للرئاسة ليسوا معصومين عن الايقاف والمحاكمة، وتطبيق القانون لا يتوقف خلال الفترة الانتخابية. الهالة الاعلامية حول شخص ما كذلك لا تمنحه حصانة من المرور بالمكافحة والبحث اذا كانت ضده قضايا عدلية. لنوضح ذلك، لأن الرأي العام قد يخدع بماراثون البث الاعلامي 24/7 الذي يصبح فيه الصحفييون أدوات لتصفية الحسابات وبيادق في لعبة سياسية لا يجب –وفق أخلاقيات المهنة وضوابطها- أن يكونوا جزء منها وهو مايحدث في قناة نسمة. 

الديمقراطية لا تعني أن نتجاهل المسارات القضائية من أجل عيون الانتخابات، فما الانتخابات الا تعبيرة عن الدولة التي تحترم قانونها وتجاهل ذلك سيكون رضوخا لمحاولات بعض رجال الأعمال استغلال السياسة من أجل حصانة تسقط عنها تجازواتهم الضريبية والمالية. دائرة الاتهام اصدرت بطاقة ايداع بالسجن حسب مجلة الإجراءات الجزائية  في فصلها 117. الشكاية المقدمة للنيابة العمومية بالقطب القضائي المالي والاقتصادي منذ شهر سبتمبر2016 والمعروضة على دائرة الاتهام بهذه المحكمة تمّ النظر فيها ذات اليوم (23 أوت)، إثر استئناف المتهمين غازي ونبيل القروي قرار تجميد أموالهما وتحجير السفر عليهما. بالتالي هذا القرار هو نتيجة مسار قضائي تدخل فيه الأخوين القروي كذلك عبر الاستئناف وحضرا الجلسات ويعلمان جيدا امكانية الايقاف خاصة بعد قرار قاضي التحقيق بالقطب المتعلق بالتحجير والتجميد وإصدار بطاقتي إيداع بالسجن في شأنهما، وأيدت المحكمة قرارها  بالفصل ذاته 117 من مجلة الاجراءات "يجوز دائما لدائرة الاتهام أن تصدر بطاقة إيداع ضد المضنون فيه".

نمر الى مسألة "العطلة القضائية"، وc المخصصة للقضاء المدني والجنائي و دائرة الاستئناف التي أصدرت القرار منتصبة بوصفها دائرة استئناف عن القطب المالي. كما أن المشرع التونسي يصنف تبييض الأموال كجزء من قانون مكافحة الارهاب، ضمن باب الجرائم الخطيرة. التجاوب مع المسار القضائي من جهة وتعيين محامين وحضور الجلسات (وتخصيص تغطية اعلامية لكل جلسة على اساس أنها حدث وطني) ثم رفض مجريات القضاء والطعن في نزاهته هو ضرب من السكيزوفرينيا أصاب ماكينة اعلامية وأصاب مرشحا للرئاسية وحزبا يطرح على نفسه المشاركة في التشريعيات. نبيل القروي ليس خطا أحمرا، هو موطن تونسي يطبق عليه القانون التونسي، لكن القضاء واستقلاليته خط أحمر، مكسب يجب المحافظة عليه بأي ثمن، دونه تنهار سلطة كاملة وتتحول الدولة الى مفهوم هلامي لا أسس فعلية له وحينها فقط يمكن لأذرع النظام السابق وممارساته –الذي طالما هلل لها القروي- أن تمتد الى الزمن الحاضر.

 

حارمة ربات البيوت من مسلسلات السهرة،  سعت نسمة منذ يومين الى اخراج نبيل القروي في ثوب المعارض الثوري والسجين السياسي. استثمار اخر تستغله "قروي اند قروي" في حملتها المبكرة بضيوف غاضبين وأعصاب متشنجة و "اختطاف نبيل القروي من قبل كتيبة أمنية" بالبنط الأحمر العريض. المعجم المستعمل من قبل اعلاميي وضيوف القناة هو معجم العداوة والتحريض والتحذير، حيث تصبح القوات الأمنية كتبية (احالة ارهابية) ويصبح الايقاف اختطافا (احالة اجرامية) ويتم ترتيب الأخبار حسب قاعدة الهرم القروي في هيستيريا غير مفهومة لا تليق بصحافة تونس مابعد الثورة. عشرات الصفحات الممولة تبث ذات الفيديو لخطاب نبيل القروي، محذرا من اعتقاله من اجل "ارائه السياسية ودفاعه عن الشعب"، مصحوبة بوسم (هاشتاق) "تونس الكلها نبيل".. فوضى سمعية بصرية حزينة تداخل فيها الاعلام بالاشهار السياسي والدفاع المستميت عن مرشح للرئاسية في تحد واضح للقانون وللهيئات الدستورية..

 

عبير قاسمي 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter