رانيا العمدوني : تهمتها الاختلاف وجريمتها الحرية
مدّة القراءة : 3 دقيقة
سيماء المزوغي
أنا كامرأة، ورغم كل شيء أبقى مؤمنة حدّ النخاع بالتكافل والتضامن خصوصا بين النساء، وأظنّ أنّ هذه المفاهيم مبدئية، وعلينا نحن النساء أن نستبسل في الدفاع عنها، ولا ننسى أن نسند بعضنا البعض دون قيد أو شرط، فمن المؤسف والمحزن والغريب أيضا أننا نحن النساء أصبحنا أكثر عداء لبعضنا البعض، وأكثر انتقادا لبعضنا البعض، بسلبية مغرقة في السواد وبطريقة لا تؤسس ولا تبني، ربما نحنا النساء تنفّسنا هذا المجتمع الأبوي وتبنيناه لدرجة أننا أصبحنا نؤذي بعضنا البعض.
مع أنّي في قرار نفسي لا أؤمن بجنس معين ولا تصنيف معيّن، أؤمن بالإنسان كيفما كان وأينما كان... لذلك أعيب بشدّة خاصة على من يدعي الحداثة ويتشدق بالحرية، أن لا يتجرأ على الدفاع عن رانيا، تلك التي تصنّف نفسها كمجرّد إنسان يتوق للحرية.. وتأنى بنفسها عن أي تصنيف.. رانيا العمدوني التي ترتدي دائما قميص كتب عليها "كل النساء جميلات"، لم تساندها الأصوات النسوية.. بل بعضها..
إذا كنا قد اكتشفنا شيئا ما في الفترة الأخيرة، وخاصة في المسيرات التي تبناها اليسار، هي أنّ يسارنا أو طيف منه (ولا أتحدّث عن التنظيمات اليسارية هنا بمفهومها السياسي) يستحيي من المناداة بالحريات الفردية وانصاعوا لصوت الأغلبية المحافظ أنها ليست قضية أولوية.. هؤلاء يرفعون لواء الحرية دائما ويصيبهم الخرس وتخونهم الشجاعة عند الحديث عن الحريات الفردية، تلك الحريات التي لا تنفصل في جوهرها عن الحريات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية..
متى نستطيع أنّ نتحدّث في تونس كأفراد مستقلين عن إرثنا وماضينا؟ فهنالك من لا يريد قطعا أن لا ينتمي إلى أي جانب، أو مذهب أو زمرة، هنالك قطعا من لا يؤمن ولا يقتنع ولا يرى ضرورة في الهويات الجمعية بل يؤمن بالفردانية، وهذا أمر شائك وثقيل خصوصا إذا تعلّق بالمرأة.
المرأة في تونس، على غرار المجتمعات الأبوية، لا ينظر إليها كذات مستقلّة بل تعتبر دائما زوجة أحد الرجال أو ابنة لأحدهم دون أن ننسى أنّه وعينا محدود بالهوية الجنسية إناثا أو ذكورا..
أظنّ أنه لدينا صعوبة في إيجاد تصوّر واضح للمفاهيم، ربما لدينا وجهة نظر إشكالية تجاه الماضي والحاضر والمستقبل. هنالك من ينظر إلى الماضي نظرة رومانسية، أو شيطانية، مع أنّ ماضينا فيه الكثير من الجمال، كما فيه الكثير من القبح والفظاعات والآلام أيضا، غير أنّ صراعاتنا، صراعات الحياة والموت، صراعات الأبيض أو الأسود، لم تترك المجال للملمة الجراح والشفاء من أمراض إرثنا، لم تترك المجال لدخول ألوان جديدة ورؤى جديدة.
رانيا العمدوني الناشطة الحقوقية، المتهمة بخدش الحياء، والتي تواجه حكما بسلب الحرية، أختارت الحرية رغم كل شيء، اختارت أن ترفض قتل ما يحلّق داخل نفسها وأنّ تتشبث بأجنحتها رغم كل شيء، وأن ترى نفسها بعينيها لا بعيون الآخرين، فلا تقارن نفسها مع أحد..
اختارت رانيا الحرية، أن لا تقف على حائط المبكى أبدا وترفض أن تكون ضحية أو أن تلعب دورها، فحتى لكمات الحياة، هي صمودها لا ندوبها، ربما الحرية هي أن تعيش حكايتها التي لا تشبه حكايات أحد، مع أنها حكاية كل أحد، بعيدا عن الحكايات التي تجد أحكاما جاهزة وقوالب جاهزة وإرثا من الأفكار العقيمة تحاصر الزمان والمكان وتحشر العقل في كومة من الخرافات والأوهام والنماذج الخانقة.. بعضنا يبحث عن الحرية في الخارج وينسى أنها داخله منذ البداية..
تكابد رانيا الأصفاد عسى أن تتحرّر.. ربما ذلك ليس بالأمر الهيّن، عسى أن نحرّر أنفسنا كل دقيقة ولا نستعبدها، ونرقيها بالمعرفة من تكلّس أفكار العصر ومن قمع أنظمته، ومن كل إرث يمكن أن يحطّم أجنحتنا، فالجموع أيضا كما الجماعة تتوسّد الطمأنينة وتستشيط غضبا كلما خلخلت فكرة ما أفكارها البالية.. تلك الأفكار الخائفة التي لا تخرج عن نطاق الأحكام أبدا، فالتفكير أمر متعب للبعض لا ممتع.. كل يرى الحرية بمنظاره ..
للسيستام عقل يا رانيا يتدفـأ على حطب القرون الماضية.. سلكت مسلك المختلفين المسالمين الذين حوكموا من أجل اختلافهم.. الذين استهزؤوا منهم وتندّروا عليهم لأجل اختلافهم.. الذين تفنّنوا في وصفهم ونعتهم ووصمهم، الذين فصلوا عن إنسانيتهم الكرامة، وعن قلوبهم الحبّ، وعن أجسادهم الحرمة، وعن أدمغتهم العقل، وعن غدهم الأمل.
تعليقك
Commentaires